شهدت الأسابيع الأخيرة توتراَ فى العلاقات بين باكستان النووية «السنية» وإيران شبه النووية «الشيعية» على خلفية أعمال تخريبية قامت بها منظمات ترفع الشعارات «السنية» شملت هجمات ضد القوات الإيرانية وخطفا لعناصر حرس الحدود الإيرانى ومحاولة نسف قنصلية إيران وصولا إلى قصف إيرانى لمناطق حدودية باكستانية والتهديد بتدخل عسكرى إيرانى فى الأراضى الباكستانية. وفى خلفية هذا المشهد المضطرب ظهرت منظمة «جيش العدل البلوشى» وعدة منظمات سنية كلاعب جديد على مسرح مشتعل بالصراعات الطائفية والمذهبية الممتدة من قطاع غزة ولبنان وسوريا وصولا إلى قلب الأراضى الباكستانيةوالإيرانية. وتشير الشواهد إلى أن إيران تتعرض لحرب منظمة من قبل جماعات متشددة ذات توجه سنى فى جنوب شرق البلاد وفى منطقة الحدود المشتركة مع باكستان. فقد برز جيش العدل البلوشى (منظمة بلوشية سنية مسلحة معارضة فى إيران) فى الشهور الأخيرة كأحد أبرز التنظيمات المتشددة المناوئة لنظام الحكم فى طهران. وشهد يوم 7 فبراير 2014 إعلان الجماعة السلفية المسلحة زجيش العدلس التى تنشط فى إقليم بلوشستان ،احتجازها خمسة من حراس الحدود الإيرانيين ونجاحها فى الفرار بهم داخل الأراضى الباكستانية. وقد استخدم جيش العدل البلوشى تلك العملية لتحقيق أهداف دعائية وسياسية هائلة. فنتيجة للحادث تصاعد التوتر بين الطرفين الباكستانىوالإيرانى بحلول 17 فبراير عندما استدعت وزارة الخارجية سفير باكستانبطهران. وأشارت وكالات الأنباء الإيرانية إلى أن إبراهيم رحيم بور مساعد وزير الخارجية أكد لسفير باكستان ضرورة المتابعة الجادة لقضية الاختطاف. مشيرا إلى أن الإجراءات الأمنية الباكستانية فى المناطق الحدودية المشتركة «غير مرضية» وطالب بضرورة ضمان سلامة وإعادة أفراد حرس الحدود الإيرانى المختطفين، وتسليم منفذى الهجوم الموجودين فى الأراضى الباكستانية. وبعد اجتماعات بين الجانبين الباكستانىوالإيرانى تم الاتفاق على تعاون أمنى مشترك لإنهاء أزمة الرهائن الخمس. وعلى الرغم من تسرب أنباء نجاح جهود الإفراج عن الرهائن فإن الأزمة ألقت بظلال كثيفة حول التوجس الطائفى بين الدولتين. جريمة الحى الهادئ ولكن وبعد أيام قليلة شهد حى يونيفرسيتى تاون ، بمدينة بشاور الباكستانية هجوما جديدا استهدف القنصلية الإيرانية. فقد شهد مساء يوم 24 فبراير 2014 بالحى الهادئ ، الذى يحتضن عدة مدارس ومقار عدد من المبانى الدبلوماسية، قيام شخص تدل ملامحه على أنه من إحدى دول وسط آسيا (أوزبكستان أو الشيشان) بالسير فى شارع الجامعة نحو حاجز أمنى يقف حوله عدد من رجال الأمن الباكستانيين ففجر نفسه وسطهم مما خلف قتيلين و10 جرجى. وكشفت التحريات عن أن المهاجم الانتحارى كان يرتدى سترة تحمل 4 كيلوجرامات من المتفجرات وأن سياراته كانت مفخخة وأنه كان يستهدف مبنى القنصلية الإيرانية. ولكن يبدو أن خللا ما أصاب السيارة أجبره على النزول منها ومحاولة الوصول إلى الهدف سيرا على الأقدام. وكشفت التحريات الباكستانية أن المهاجم لم يكن وحيدا بل كان بصحبة شخصين آخرين. وعندما تأكدا من فشلهما فى الوصول إلى بوابة القنصلية الإيرانية ترجل أحدهم وفجر نفسه عند البوابة. وبعد الواقعة بساعات تمكنت قوات الأمن الباكستانية من كشف وإبطال مفعول عبوة ناسفة جديدة بالقرب من القنصلية الإيرانية. وكانت العبوة الناسفة مزروعة على خط سكك الحديد بالقرب من القنصلية الإيرانية. الجيش البلوشى يذكر أن منظمة جيش العدلس البلوشى تستهدف ضباط الحرس الثورى الإيرانى و العديد من قوات الأمن، وعناصر الجيش، والشرطة الإيرانية. وتلجأ عناصر التنظيم للأراضى الباكستانية ، مما يصعب على قوات الأمن الإيرانية تعقبهم. وقد ظهر جيش العدل البلوشى المتأثر ب «القاعدة» إلى الوجود فى عام 2012. وأعلن فى وقت سابق عن وجود عناصر تابعة له تقاتل إلى جانب المسلحين من السنة فى الأراضى السورية بجانب الجيش السورى الحر الذى يقاتل بدوره ضد الجيش السورى وحلفائه من عناصر الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله اللبنانى الشيعى. وهكذا نجح جيش العدل والمنظمات السنية المسلحة فى إشعال فتيل التوتر بين باكستانوإيران محققة عدة أهداف. (1) زيادة التوتر فى العلاقات الإيرانيةالباكستانية وإحياء روح التنافس السنى الشيعى فى المنطقة. (2) تهديد التعاون الإيرانىالباكستانى فى مجال الطاقة خاصة مشروع مد أنابيب الغاز من إيران إلى باكستان وهو المشروع الذى تعارضة الولاياتالمتحدة منذ سنوات. (3) ممارسة الضغط الطائفى على إيران من حدودها الشرقية استكمالا لحالة التوتر الطائفى التى طالت المصالح الإيرانية فى غرب إيران حيث الجماعات المسلحة المقاتلة التى ترفع شعارات الانتماء السنى فى كل من العراق وسوريا ولبنان. (4) ضرب الاستقرار الداخلى فى إيران عن طريق تفجير القنبلة الطائفية المذهبية بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية فى البلاد. (5) دق مسمار جديد استكمالا لمشروع الحرب السنية الشيعية الإقليمية الكبرى فى الشرق الأوسط. وهكذا وعلى الرغم من كل مظاهر ضبط النفس أصبحت منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا مهددة بتفجر صراع طائفى مذهبى بين قوتين إحداهما باكستان النووية والأخرى إيران شبه النووية.