زاد النقد المصدر خلال الأعوام المالية الخمسة الأخيرة بمقدار 152 مليار جنيه بنسبة زيادة 135% وبلغت قيمة البنكنوت المطبوع 336 مليار جنيه وتزامن ذلك مع تضاعف عجز الموازنة العامة للدولة أكثر من أربعة أضعاف خلال نفس الفترة وهو ما عزز اعتقاد البعض بأن طباعة البنكنوت وزيادة النقد المصدر من البنك المركزى يستخدمان لسداد عجز الموازنة العامة وأنهما السبب فى حدوث التضخم وهو اعتقاد خاطئ يخلط بين الأسباب والنتائج. يعد قيام البنك المركزى بإصدار النقود أداءً لإحدى الوظائف الأساسية التى تنشأ من أجلها البنوك المركزية وما يحدد القدر الواجب إصداره هى حاجة السوق للسيولة النقدية بما يسمح باستمرار المعاملات بين الأفراد الطبيعيين والاعتباريين بسلاسة ولا يقوم البنك المركزى بضخ نقود تتعدى تلك الحاجة لأنه إن حدث ذلك فلن يطلبها المتعاملون وبالتالى لن تطلبها البنوك التجارية أى ستظل تلك النقود بخزائن البنك المركزى الذى سيعتبرها فى هذه الحالة نقداً غير مصدر ويقوم بالمعالجة المحاسبية الملائمة لذلك التصنيف، وهنا تتعين ملاحظة أن كميات النقد التى يقوم البنك المركزى بطبعها وضخها بالسوق من خلال البنوك التجارية لا تمثل كلها إصداراً جديداً نظراً لأن جزءاً كبيراً منها (55% خلال الأعوام المالية الخمسة الماضية) يمثل استبدالاً لأوراق النقد التالفة وهذه الأخيرة هى نقد مصدر بالفعل أى أن طباعة النقد الجديد لاستبداله بالتالف يغير فقط من نوعية النقد المتداول وليس من كميته والقضية الحقيقية فى هذا الشأن هى معرفة أسباب الزيادة فى الطلب على النقد. تؤدى الزيادة الطبيعية فى حجم السلع والخدمات التى ينتجها المجتمع إلى زيادة مماثلة على الأقل فى قيمة النقود اللازمة لتدول تلك السلع والخدمات ولا تقف الزيادة عند ذلك فقط لأنه بدلاً من علاج عجز الموازنة العامة للدولة بتخفيض المصروفات وزيادة الإيرادات العامة يتم اللجوء إلى سداد العجز عن طريقين أولهما هو إصدار أذون وسندات الخزانة التى تكتتب فيها البنوك التجارية فيعتبر سداد ذلك الجزء من العجز بالأذون والسندات سداداً من مدخرات حقيقية -بالرغم من أنه استخدام غير كفء لتلك المدخرات- ولكن الفوائد التى تدفع على تلك الأذون والسندات تمثل ضخاً لأموال جديدة لا يقابلها إنتاج لأن عجز الموازنة العامة ناتج من مصروفات هى فى غالبيتها العظمى مصروفات جارية ويؤدى ذلك بالتالى إلى التضخم نتيجة زيادة الأموال المتاحة دون زيادة مماثلة فى الإنتاج ويؤدى أيضاً إلى زيادة الطلب على النقود الأمر الذى لا يمكن معه للبنك المركزى إلا أن يزيد النقد المصدر تلبية لتلك الزيادة فى الطلب. والطريق الآخر لسداد عجز الموازنة هو الاقتراض من البنك المركزى وهذا هو الطريق الأخطر لأنه لا يعد تمويلاً من مدخرات حقيقية كأذون وسندات الخزانة بل يمثل خلقاً للنقود فطلبات وحدات الجهاز الحكومى من البنك المركزى بتنفيذ مدفوعات لا يوجد رصيد دائن للحكومة يكفى لتنفيذها واستجابة البنك المركزى لتلك الطلبات يعد قرضاً عادة ما تعجز الحكومة عن سداده مما يزيد من رصيدها المدين لدى البنك المركزى وحين يتضخم ذلك الرصيد المدين تلجأ الحكومة لمعالجته عن طريق إصدار وزارة المالية لسندات لصالح البنك المركزى بجزء من قيمته وهذه المعالجة لا تمثل سداداً للتمويل المقدم من البنك بل تغييراً فى شكله من «سحب على المكشوف» إلى «قرض لأجل» وفى كلتا الحالتين يعد ما أقرضه البنك المركزى للحكومة والفوائد المستحقة عليه ضخاً لأموال جديدة لا يقابلها إنتاج فتتسبب بدورها فى التضخم ويؤدى أيضاً إلى زيادة الطلب على النقود مما يدفع البنك المركزى إلى زيادة النقد المصدر، ويثور هنا تساؤل آخر عن موافقة البنك المركزى على إقراض الحكومة بصرف النظر عن شكل القرض- وعما إذا كان هناك سقف يتعين التوقف عنده والإجابة أن هناك بالفعل سقفا لذلك الإقراض قدره عشرة بالمائة من متوسط إيرادات الموازنة العامة فى السنوات الثلاث السابقة وهو مقرر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 الخاص بالبنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد ولكن الالتزام بتطبيق ذلك القانون وعدم السماح بتجاوز الحد المقرر به سوف يعنى عجز الحكومة عن سداد التزاماتها، ومن ناحية أخرى فإن هناك حداً سيضطر معه البنك المركزى للتوقف عن إقراض الحكومة يتمثل فى ما يؤثرعلى سلامة مركزه المالى وهناك أيضاً حد للإقتراض من الجهاز المصرفى فى صورة أذون وسندات الخزانة يتمثل فى التأثير على قدرة القطاعات غير الحكومية على الاقتراض من البنوك التجارية. وعليه وحتى توضع الأمور فى نصابها الصحيح فإن مجرد زيادة إصدار النقد وطباعة البنكنوت ليستا هما السبب فى التضخم بل هما من ظواهره كما أنهما لا تمثلان سداداً لعجز الموازنة العامة بل هما نتيجة طبيعية لطريقة سداد أو عدم سداد ذلك العجز الذى يتعين على الحكومة معالجته لمنع حدوثه من الأساس وليس التورط فيه ثم البحث عن طرق لسداده كلها ذات عواقب شديدة السلبية على الاقتصاد. لمزيد من مقالات جمال وجدى