انتخابات النواب 2025.. إقبال ملحوظ على لجان بني سويف للمشاركة في التصويت    جامعة قنا تشارك في ملتقى قادة الوعي لطلاب الجامعات    انطلاق قوافل التنمية الشاملة من المنيا لخدمة المزارعين والمربين    ارتفاع معدل التضخم في المدن المصرية إلى 12.5% خلال أكتوبر    موانئ أبوظبي: ندعم تطوير قطاع النقل المصري    استشهاد فلسطينيين في قصف طائرة مسيرة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي شرق خان يونس    1105 مستوطنين يقتحمون باحات الأقصى واعتقال 20 فلسطينيا من مدن الضفة الغربية    أحدهما طفل.. شهيدان في قصف الاحتلال شرق خان يونس بقطاع غزة    رضا عبد العال: بيزيرا "خد علقة موت" من لاعبي الأهلي.. ويجب استمرار عبدالرؤوف مع الزمالك    مدرب ليفربول: لا أحتاج لمواجهة مانشستر سيتي    مباريات مثيرة في كأس العالم للناشئين اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025    تعليم الفيوم: انتخابات مجلس النواب تسير بسهولة ويُسر.. صور    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل تاجر الذهب أحمد المسلماني في رشيد إلى 16 ديسمبر المقبل    24 نوفمبر.. محاكمة أصحاب فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    تطورات الحالة الصحية للفنان محمد صبحي بعد تعرضه لوعكة صحية    الصحة تنفذ تدريبا مكثفا لتعزيز خدمات برنامج «الشباك الواحد» لمرضى الإدمان والفيروسات    بعد حجة جديدة.. إلغاء جلسة لمحاكمة نتنياهو في قضايا الفساد    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    اليوم.. أحمد الشرع يلتقي ترامب في البيت الأبيض    أسعار الذهب اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 في محال الصاغة    بعد ارتفاع الأوقية.. قفزة في أسعار الذهب محلياً خلال تعاملات الاثنين    نصر الله: الذكاء الاصطناعي التوليدي يفتح عصرًا جديدًا من الابتكار للشركات الناشئة في المنطقة    إطلاق منصات رقمية لتطوير مديرية الشباب والرياضة في دمياط    الزمالك عن إيقاف القيد بسبب فرجاني ساسي: متوقع وننتظر الإخطار الرسمي    «الله أعلم باللي جواه».. شوبير يعلق على رفض زيزو مصافحة نائب رئيس الزمالك    الاثنين 10 نوفمبر 2025.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب 20 مليار جنيه    انطلاق التصويت في أسوان وسط إقبال ملحوظ على لجان انتخابات مجلس النواب 2025    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    حالة الطقس .. البلاد على موعد مع انخفاض حاد فى حرارة الجو بعد 48 ساعة    اندلاع حرائق مفاجئة وغامضة بعدة منازل بقرية في كفر الشيخ | صور    «الداخلية»: تحرير 1248 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» ورفع 31 سيارة متروكة بالشوارع خلال 24 ساعة    التعليم: تغيير موعد امتحانات شهر نوفمبر في 13 محافظة بسبب انتخابات مجلس النواب    غرق سفينة صيد أمام شاطئ بورسعيد.. وإنقاذ اثنين وجار البحث عن آخرين    مواقيت الصلوات الخمس اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 في محافظة بورسعيد    مسرح وكتابة سيناريو.. ورش تدريبية لأطفال المحافظات الحدودية بمشروع «أهل مصر»    عائلات زكي رستم وشكوكو وسيد زيان يكشفون أسرارا جديدة عن حياة الراحلين (تفاصيل)    لماذا استعان محمد رمضان بكرفان في عزاء والده؟ اعرف التفاصيل .. فيديو وصور    أحمد إسماعيل: مشاركتي في افتتاح المتحف الكبير يعكس جزءًا أصيلاً من هوية مصر    كيف مرر الشيوخ الأمريكى تشريعاً لتمويل الحكومة؟.. 8 ديمقراطيين صوتوا لإنهاء الإغلاق    مجلس الوزراء يستعرض جهود الدولة للحد من أضرار التدخين وحماية الصحة العامة    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    «السادة الأفاضل» يتصدر الإيرادات السينمائية بأكثر من 3 ملايين جنيه    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    الرئيس الأمريكي يصدر عفوا عن عشرات المتهمين بالتدخل في انتخابات 2020    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    «الثروة الحيوانية»: انتشار الحمى القلاعية شائعة ولا داعٍ للقلق (فيديو)    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوابة الأهرام
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 02 - 2014

عندما تأخذنى بوابة الأهرام الأوتوماتيكية الآن إلى ساحته الداخلية ينتابنى شعور بالضيق الشديد بعد توالى الأخبار المؤسفة حول هدايا ورشاوى الساعات والثلاجات والأوتومبيلات ومسلسل الاختلاسات والحوافز والبدلات والتحقيقات والنيابات والشيكات والتسويات والمنع من السفر لأكبر الهامات من أول نظرة إلى وجوه رجال الاستعلامات،
إلى رفقاء الأسانسيرات، إلى زملاء الممرات، إلى منظومة السكرتيرات، إلى صحفيى الصالات، إلى مندوبى الإعلانات، إلى مكاتب أبراج مجالس الإدارات.. فالسمة العامة الذهول والانكباب إلى الداخل، وكأنها بروفة ليوم القيامة، حيث كل نفس بما كسبت رهينة.. يوم يفر فيه الأخ من أخيه والابن من أبيه، وكلُّ يحمل كتابه للكشف عن حسابه، فمن أُعطى جوازاً بالمرور الآمن انطلق نقياً طاهراً متهللا محلقاً بأجنحة السفر، ومن تعثر حسابه بات محسوراً في أزمة طاحنة، ومن أدانه توقيعه وملفّه ردد ما قاله سلمان الفارسى عندما سُئل: ما الذى يبغض إليك الإمارة؟!
فأجاب: حلاوة رضاعها، ومرارة فِطامها!!
فتحى غانم
قلم لم ينصفه أحد!
ذلك الصوت الآمر لم نكن نستطيع إزاءه إلا أن نطيع.. على أمين توءم مصطفى أمين يستدعى الصحفى الجديد فتحى غانم عام1954 إلى مكتبه الرئاسى ليعهد إليه بكوم من المجلات النسائية الأجنبية قائلا: هه.. دورلى فيها على مادة تصلح بعد تمصيرها لآخر ساعة مع التطوير لعمل أبواب جديدة.. أزياء وتجميل وطب ومشكلات صحية نسائية، وترجم لى من الفرنسية والإنجليزية قصصاً قصيرة لركاب الترام بين المحطات، ورد لى على رسائل القراء، وهات لى معاك شوية أخبار.. ولأن غانم كان هاوى وغاوى ومستقيل من عمله بإدارة التحقيقات بوزارة المعارف مع زملائه أحمد بهاء الدين وعبدالرحمن الشرقاوى لصدور قانون نقابة الصحفيين بعدم الكتابة فى الصحافة لغير المتفرغ للعمل الصحفى وحده لهذا تحول فى العام الأول من حياته فى شارع الصحافة من وكيل نيابة إلى أديب وطبيب ومترجم وكمسارى ومصمم أزياء.. نجح فى هذا كله لكن فشله كان ذريعا فى جمع الأخبار فى دار صحافة الخبر، ومثال ذلك أنه فى نفس العام حين أطلق الرصاص على جمال عبدالناصر فى المنشية بالإسكندرية، ولأن تعليمات الرقيب تحظر التصوير، استدعاه صاحب الصوت الآمر: ألست قصاصا؟.. نريدك أن تذهب إلى بيت المتهم بالاعتداء على عبدالناصر فى حى بولاق وتكتب لنا صورة قلمية لما تراه.... وراح فتحى غانم ووصف ما شاهده ببساطة ووضوح وواقعية: «سلم فى بيت قديم متآكل. حجرة بها سرير فوقه مفرش كاروهات. مشنة عيش. ترابيزة خشب متواضعة. امرأة صغيرة السن تحمل طفلا رضيعا فى عيونها ذهول وخوف شديدين ومن حولها أعداد ضخمة من رجال الأمن».... وهاجت الدنيا وماجت بعد أن نشرت تلك الصورة القلمية فى الصفحة الأولى بأخبار اليوم، بل إن جمال عبدالناصر أشار إلى أن ما كتبه ذلك الصحفى قد أثار التعاطف البالغ مع المتهم..!! وعاد الصوت الآمر يطلب من الصحفى الجديد الذهاب مع الصحفية فى آخر ساعة إيزيس فهمى إلى فندق ميناهاوس، لمعرفة صحة ما يقال من أن النحاس زعيم الوفد قد لجأ إلى الفندق ليقيم به بعيدا عن بيت الأمة بعد إلقائه يمين الطلاق على زوجته زينب هانم الوكيل، والمطلوب معرفة كل ما يحيط بالموضوع من أدق التفاصيل، خاصة أن حزب الوفد وزعيمه بعد قيام الثورة كان مطاردا بعد قرارات تطهير الأحزاب.. فى الحال ذهب فتحى وإيزيس إلى مينا هاوس لتنطلق الصحفية النشطة تسأل وتستقصى وتجمع شتات الأقوال. ووقف الصحفى بعيون زائغة لا يعرف من أين يمسك الخيط، وعندما أسقط فى يده توجه لصالون الحلاقة فى المواجهة ليضيع الوقت فى قص شعره وتلميع الحذاء..
وقبل أن ينتهى من الحلاقة كان الأسطى الحلاق قد حكى له كل شىء.. من زار النحاس وماذا أكل ومن اتصل به تليفونيا ومن قام بزيارته فور قدومه على عجل الخ.. باختصار كل ما جري.... بعدها وطوال عمل فتحى غانم بالصحافة على مدي40 عاما لم يجر سوى ثلاثة أحاديث صحفية لا غير أولها مع الكاتب سومرست موم، والثانى مع الكاتب وليم فوكنر، والثالث فى استوديوهات فوكس القرن العشرين فى هوليوود مع نجمة الإغراء الأمريكية جين راسل التى كانوا يطلقون عليها لقب الصدر الأعظم وكانت قد شاركت مارلين مونرو بطولة فيلم «البعض يفضلونها شقراء».. فوجئ بها غانم أنحف بكثير مما تخيل، وفى مكتب صاحب الشركة العالمية اليونانى الأصل سبيرو سكوراس شاركته معه الطعام إلا أنها تظاهرت بالأكل من طبق صغير أمامها به بعض الخضروات، وكانت تتحدث لا عن الجمال والأنوثة وأسرارهما كما كان يرجو وإنما عن دورها الاجتماعى والإنسانى فى المجتمع الأمريكي، واهتمامها برعاية الأطفال الفقراء اليتامى بصرف النظر عن لون بشرتهم أو جنسيتهم، وصرحت بالخبر المهم من أنها قد قررت أخيرا تبنى طفلة ستعتبرها ابنة لها فكل الأطفال اليتامى أولادها!
فى بداية عمله بآخر ساعة انضم إليه الدكتور رشاد رشدى ليعرض عليه أن يصدرا معا منشورا يدين ويرفض جيل الكتاب السابق عليهما بحجة أنه سرق وحده الأضواء لتظل دهرا حكرا عليه حاجبا بأنانيته بزوغ أى كاتب من البراعم الجديدة، وأمثال هؤلاء الذين يقفون عثرة فى طريق الجديد: إحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي، ومحمد عبدالحليم عبدالله و.. غيرهم.. وما أن نشر هذا البيان فى آخر ساعة حتى قامت الدنيا ولم تقعد.. ويذكر فتحى غانم: «بصراحة.. ورطنى رشاد رشدي، وهاج يوسف السباعى لينشر ضدنا مقالا لا أنساه بعنوان ليز ولين القصة المصرية وكانت (ليز ولين) راقصتين يهوديتين ترقصان كل ليلة فى الأوبرج بالشمعدان.. وجاء ردى عليه مقالا بعنوان التلميذ البليد يكتب فى فوائد الجريد!.. وقد كان يوسف السباعى يعرف رأيى فى رواياته.. وكنت أصارحه بأن العلب الباهظة التى يضعها للتغليف من الأفيد أن تصبح علب شيكولاتة!! ولم أخفه أننى لم أستطع أن أكمل قراءة رواية واحدة له، ومع ذلك فقد اختارنى يوسف السباعى رئيسا لأول وفد مصرى يسافر إلى طشقند لحضور مؤتمر كتاب آسيا وإفريقيا».
فتحى غانم الوحيد بين الأدباء المشتغلين بالصحافة الذى طغى مجده الأدبى على مجده الصحفي، فهو الأديب بالسليقة والصحفى بالدراسة الذى تحايل على الوظيفة والسياسة معا حتى يتحرر فى أدبه من كل الضغوط والقيود ليظل فى مختلف مراحل حياته ينظر إليهما على أنهما عملان على الهامش وليسا من الأعمال الرئيسية التى يمكن أن يشغل بهما نفسه ويعطيهما جهده الأساسى الذى كان يدخره دائما لأدبه، وكانت رؤيته الدائمة أن الأدب فوق السياسة واسمى منها مستشهدا بقول انجلز: لقد عرفت عن الثورة الفرنسية من قصة مدينتين لتشارلز ديكنز أكثر مما عرفته من عشرات المؤرخين الذين كتبوا عن هذه الثورة.. ومن هنا وعلى مدى خمسة وأربعين عاما ظل فتحى غانم يعتبر الصحافة عملا هامشيا، ووسيلة لنشر إنتاجه الأدبى والفكري، ورافدا أساسيا للشخصيات والموضوعات والصراعات التى صورها فى رواياته المختلفة وأشهرها رباعية «الرجل الذى فقد ظله»، و«زينب والعرش» و«الأفيال» أروع الأعمال الأدبية فى ثقافتنا فى القرن العشرين.. وإذا ما كان فتحى غانم قد وصل إلى مكانة رئيس تحرير الجمهورية وصباح الخير ووكالة أنباء الشرق الأوسط فذلك بفضل إنتاجه الأدبي، وأيضا لبعده عن الصراعات الصحفية الكبري.
كما أنه لم يكن محسوبا على أى اتجاه سياسى كبير معروف فلم يكن من أهل اليمين ولا من أهل اليسار مما جعل البعض يعايره بعدم دخوله السجن بسبب موقفه السياسى المايع الذى ابتعد فيه عن بحر السياسة والغرق فيه وتوسيع علاقته به: «الكتابة بالنسبة لى فى السياسة كانت واجبا صحفيا يفرضه على منصب رئيس التحرير.. وأنا لست شيوعيا ولا رجعيا ولا يمين ولا يسار.. أنا فتحى غانم فقط».. ولقد تنبأ له الأستاذ محمد حسنين هيكل صديق الشباب فى هذا المجال بعبارته اللاذعة التى رددها فتحى غانم: «قال لى هيكل إنه سيكون طول عمره فى الصفحة الأولي، أما أنا فسأكون طول عمرى فى الصفحة الأخيرة حيث النقد والأدب».. وعن كيفية وصول فتحى غانم إلى أعلى المناصب الصحفية فالإجابة الفورية هى أن الثورة التى دجنت البعض لم تكن تثق فى الحرس القديم من أمثال محمد التابعى ومصطفى وعلى أمين وأحمد الصاوى محمد وكامل الشناوى وجلال الدين الحمامصى وغيرهم.. وكانت تريد طاقما وعناصر جديدة تعتبرهم من أبنائها.. وإذا ما كان بعض الأدباء فى حاجة إلى العمل بالصحافة لحاجتهم المادية فلم يكن فتحى غانم من هذا البعض نظرا لحالته الميسورة، وما لا يعرفه الكثيرون أن فتحى غانم ولد فى شقة فوق مقهى ريش فى العمارة التى يمتلكها جده وكان والده من كبار رجال وزارة المعارف، وكان صديقا مقربا لنجوم الفكر والثقافة فى مصر، وكانت تربطه بالعقاد صداقة حميمة حتى أن العقاد قام بتأبينه بقصيدة عثر عليها الناقد الكبير رجاء النقاش أشار فيها إلى فتحى الذى لم يكن قد بلغ الثالثة عشرة بعد فى عام1937.. يقول العقاد راثيا الصديق غانم:
أغانم إنى فى مصابك ذاهل
قليل التعزى سافر الحزن مضمر
بذلت دموعى فى بكاك رخيصة
ومثلك من يبكى ويرثى ويذكر
ويبدو حقيقة أن الصحافة لم تؤثر على إنتاج فتحى غانم الأدبى أكثر الروائيين إنتاجا وتأثيرا فى الرواية العربية فله أكثر من تسعة عشر كتابا ما بين الرواية والقصة القصيرة التى منها «الجبل» و«تلك الأيام» و«من أين؟» و«البحر» و«الساخن والبارد» و«الغبي» وفى خلال 3 سنوات من عام1987 حتى عام1989 أصدرت له روايات الهلال «بنت من شبرا» و«أحمد وداود» التى رآها رجاء النقاش أكثر جفافا وأقلها تأثيرا.
ويأتينى العجب لكن سرعان ما يروح العجب مع المثل الشعبى الذى يقول إن القط يحب خناقه فكيف بالله والعمل الصحفى لابد وأنه كان يسرق وقت فتحى غانم مهما كان يسدى من معروف فى الجمع بين الضرائر الصحافة والأدب والشطرنج.. كيف تفسرون ما رواه لى الأستاذ أحمد بهاء الدين حول استشارة وزير الإرشاد فى ذلك الوقت بشأن تعيين فتحى غانم رئيسا لوكالة أنباء الشرق الأوسط، فأتاه رد بهاء تلقائيا إن أديبا كبيرا له قيمته مثل فتحى غانم لا يمكن أن يوافق بحال من الأحوال على شغل أى منصب مهما يعظم يعطله عن مسيرة إبداعه، وعندما قام بهاء بنقل ذلك الحوار إلى فتحى غانم، كتحصيل حاصل فوجئ بثورته العارمة التى لامه فيها لوما شديدا لأنه لم يرجع إليه شخصيا قبل أن يدلى برأيه.. وبعد أيام قليلة فوجئ بهاء بتولى فتحى غانم رئاسة الوكالة.. وعلى درب القط والخناق فقد قام الأديب الكبير فتحى غانم بترشيح نفسه نقيبا للصحفيين فى فبراير1965، وتأتى النتائج بفوز حافظ إبراهيم نقيبا حاصلا علي295 صوتا من486 صحفيا بينما فتحى غانم79 صوتا فقط!!
أول علاقة لفتحى غانم مع الكلمات كانت فى سن الخامسة حين أحضر له الوالد الشيخ محمد البدوى صديقه ليحفظه القرآن فاختار الشيخ بعض السور القصيرة، ثم دخل مباشرة فى سورة يوسف «آلر. تلك آيات الكتاب المبين».. آلر كلمة لا تحمل معني، ولكنها وضعت أمامه بموسيقى تتجاوب معها النفس بصفاء وجدانى من نوع خاص.. وبقى فتحى غانم يذكر حوارا دار بين والده والشيخ محمد حول سورة يوسف بالذات: «كنت أجلس بجوار الشيخ وأبى واقف يتكلم من أعلى ويناقش الشيخ فيما إذا كان من الصح أن يشرح لى العلاقة بين يوسف وامرأة العزيز، بينما كنت أدرك أن هناك شيئا ما غامضا.. وتظل سورة يوسف فى وجدانه ليظهر تأثيرها فى غالبية أعماله الأدبية التى تبدأ عادة من ذروة أو أزمة ينسج منها شخصياته: هناك درس أخذته فى الكتابة الدرامية من قراءتى للقرآن الكريم فى سورة يوسف.. أتذكر دائما فى سرد هذه القصة أنها كانت تنتقل من ذروة إلى ذروة مباشرة، بمعنى أن القصة تبدأ بأن يوسف مطلوب منه أن يرحل مع إخوته وهناك شك حول هذه الرحلة، وننتقل من هذا إلى وضعه فى الجب ثم إخراجه من الجب ليدخل فى قصر العزيز، وننتقل إلى عملية إغراء امرأة العزيز له، ومن هذا إلى وضعه فى السجن، ثم إلى خروجه بتفسيره للأحلام وعودته ثم انتقالا إلى المجاعة وقصة السنين السمان والعجاف.. و.. هناك انتقال مستمر من ذروة إلى ذروة، وطبعا أنا لا أستطيع أو أجرؤ أن أفكر حتى فى الاقتراب من ذلك لكنى أتعلم منه على الأقل، إنه يرشدنى إلى أن أفضل الوسائل لتناول القصة مع القارئ هو أن تقدم له دائما الذروة، أو خلاصة الأمر فى لحظته الدرامية، ذلك درس مستقر فى أعماقى بشكل قوى وأعتقد أن له تأثيره»... ودائما اسم يوسف عند فتحى غانم مسيطرا.. فى الأفيال والساخن والبارد وفى الرجل الذى فقد ظله.. يوسف عبدالحميد.. السبب المباشر والرئيسى متعلق بقصة سيدنا يوسف التى أحبها منذ طفولة يحفظ فيها آيات القرآن تباعا.. ثم اسم جده يوسف فاسمه بالكامل محمد فتحى غانم يوسف دياب، ثم تأثرا بتوفيق الحكيم فى استخدامه لاسم محسن الذى أصبح من علاماته المميزة.. وقد يكون كسلا من الكاتب فى البحث عن اسم جديد.. ولكنه فى الأفيال قد اختاره متعمدا للتعبير عن نفسه شخصيا.
صاحب زينب والعرش عندما سئل عن جدوى التعليم الذى لا يمنع التعصب الدينى والوقوع تحت السيطرة الفكرية، أجاب ببساطة أن التعليم فى بلدنا لا علاقة له بالتربية الإنسانية التى تعلم كيف أكون إنسانا، ومن هنا أصبح الطالب مخلوقا قد يفهم كتابا لكنه لا يعرف الحياة.. شباب لم يتعود أن يقول رأيا أو يحلل ظاهرة، وإنما فقط اعتاد أن يردد أحكاما مسبقة أو آراء للآخرين لأنها لن تكون مسئوليته وإنما مسئولية الآخرين.. يردد كسلا كى لا يضطر أن يعمل عقله ليكون رأيا خاصا به، ومن هنا كتب روايته الشهيرة «الغبى».. الإنسان الخالى من أى تجربة. المخلوق المجوف الفاضي. الأبيض.. السهل برمجته على الهوى المراد ورسم مخه على المقاس المطلوب، وحقنه بما يعهد إليه بتنفيذه.. «بالنسبة لنا أصبحنا نستريح لأن أحدا يفكر لنا ويريحنا من تلك العملية المضنية.. التفكير.. أصبحنا نتحرك كقطع الشطرنج.. مخلوقات مبرمجة تؤتمر بالشراء من هذا المكان، والأكل من هذا الدكان، والاستثمار فى البنك الفلاني.. مظاهرات لتأييد سلطة ما نندفع فيها كالفوران.. كالحملان.. لم نتعلم تعدد الآراء واحترام الرأى والرأى الآخر.. شيء ما يعطل التفكير الواضح فى أى قضية من أساسها.. والسبب كمثال أننا أصبحنا نسأل هل أنت ناصرى؟.. ساداتى؟.. ملكى؟.. فمن يعلو صوته منهم أكثر ننضم إليه دون تفكير.. لم نتعود على اتخاذ القرار أو المشاركة فيه.. يوم فاجأنا عبدالناصر بتأميم القناة هللنا، وعندما فاجأنا السادات بزيارة القدس منا من رفض ومنا من هلل!!»... وكيف لا يكتب فتحى غانم مع كل هذا وأكثر منه رواية «الغبى»!!!
ولعله الكاتب الوحيد الذى ناقش قضية «الختان» فى صلب إبداعه عندما أثارها فى روايته زينب والعرش التى تم فيها ختان زينب بطلة الرواية بعد صراع ورفض من الجدة التركية دودو هانم وإصرار من الأم خديجة ذات الأصول الريفية، ولكن قانون الأخلاق المزيفة كان هو الأعلى صوتا ومشرط أم إسماعيل هو الذى وضع نقطة نهاية السطر الحزين.. وتم ختان زينب. ويحكى فتحى غانم عن زينب بعد ختانها بيوم قائلا: لما رأت دودو هانم زينب منفرجة الساقين، منكسرة الرأس، طلبت منها أن تتقدم إليها، ولكن زينب وقفت حائرة، وضحكت خديجة، وقالت إنها مكسوفة وكان السرور يلمع فى عينى خديجة التى حاولت أن تنقل سرورها إلى حماتها فجعلت تقول لها إنها الخير والبركة فى البيت، وأنها لم تفعل ما فعلت إلا ليقينها أن أنوثة زينب لن تكتمل إلا بالختان، وهى لن تتزوج تركيا ولكن زوجها سيكون مصريا، وهو لن يرضى بزوجة بغيرختان. وجعلت خديجة تثرثر بحكايات عن رجال اكتشفوا أن زوجاتهم بغير ختان فكانوا يطلقونهن، أو كما حدث لحكمت الألفى وهى من عائلة تركية تسكن فى المنيرة فقد صمم زوجها على أن تجرى لها أم إسماعيل عملية الختان وهى عروس جاوزت العشرين، فنزف منها دم غزير وكادت أن تموت، وهزت دودو هانم رأسها لكلام خديجة وقالت وهى تتنهد: إن زمن الرجال الذين كانوا رجالا قد ولى ولم يبق إلا الفلاحون!
فتحى غانم اشترك الغير معه فى كتابة «زينب والعرش».. زوجته التى كتبت فصلا فى روايته عن أحلامها، والكاتب صلاح حافظ الذى اشترك معه فى كتابة سيناريو المسلسل للتليفزيون ولم يعلن للمشاهد عن أى من الكاتبين قد اختص بحلقة ما أو جزء ما فقد بقى الكاتب الحقيقى لأى من حلقات السيناريو وكلمات الحوار فى منطقة الظل.. ودائما ما أثارت قضية الظل الكاتب الكبير منذ اللحظة التى كان يشاهد فيها تصوير بعض اللقطات فى أحد أفلام عبدالحليم حافظ واستمع للمخرج يقول: موت لى الظل هناك. اقتل الظل.. مش عايز ظل.. فانشغل بهذه الفكرة.. فكرة فقدان الظل ومتى يفقد الإنسان ظله؟!.. وكيف؟! ومن هو الرجل الذى فقد ظله؟! والدلالة العميقة وراء ذلك.. وأن الإنسان يفقد ظله فى حالتين: إما لأنه اختار لنفسه طريق الظلام، وحيث لا يوجد النور ينتفى الظل، أو أنه فى النور ولكنه غير موجود فلا ظل له!!
أهم روائى فى مصر بعد نجيب محفوظ الذى قال عنه نجيب محفوظ إنه أهم الروائيين المصريين.. الذى جرؤ على أن يجمع بين أم كلثوم وطه حسين ويوسف وهبى ومختار ومحمد عبدالوهاب وتوفيق الحكيم وزكى طليمات فى كتاب واحد أسماه «الفن فى حياتنا» لم يكن جمعهم مصادفة وإنما لاعتقاده أن الصوت والصورة والنحت والكلمة كلها لها ينبوع واحد هو الإبداع البشري، وهذا الإبداع فى أى زمان ومكان بتجلياته المختلفة هو الثقافة سواء كان مصدرها حنجرة أم كلثوم أو أيام طه حسين أو ألحان عبدالوهاب أو حوار الحكيم أو كتل مختار.. المحقق الذى درس الفقه فى كلية الحقوق فخرج منه بأن الإسلام يحترم الحوار والاجتهاد وتعدد الآراء فى إطار المبادئ الثابتة: «لقد درست الفقه والشريعة الإسلامية على أيدى شيوخ أفاضل مثل الشيخ محمد أبوزهرة والشيخ على الخفيف، ولم نكن نسمع عن رأى للإمام الشافعى إلا وجواره رأى آخر للإمام أبى حنيفة، وثالث للإمام مالك وهكذا».. فتحى غانم لاعب الشطرنج عاشق مباريات الكرة ومسرحيات فؤاد المهندس وأفلام إسماعيل ياسين التى يضحك على نفسه لأنه يتابعها.. الذى كتب فى مجلة الفصول أول قصة له بعنوان «غليان الماء»... وتركنا فتحى غانم فى غليان الدماء!!
الشقيقان فى المحنة
((صرح المتحدث الأمنى لوزارة الداخلية بأنه عند الساعة التاسعة من مساء أول من أمس، وأثناء وجود عدد من رجال الأمن أمام مقر شرطة العوامية، بالقطيف لمباشرة مهامهم، تعرضوا لإطلاق نار كثيف من مصدر مجهود بإحدى المزارع المجاورة، مما أسفر عن إصابة ثلاثة من رجال الأمن، حيث جرى نقلهم إلى المستشفى لتلقى العلاج اللازم، وأحدهم حالته حرجة، بينما باشرت الجهات الأمنية المختصة متابعة هذا الاعتداء الآثم لتحديد المسئولين عنه.. وأكد المتحدث الأمنى «أن مثل هذه الاعتداءات الإرهابية التى تتدثر بالجبن والعمالة، وتتستر بالمواطنين الأبرياء، لن تزيد رجال الأمن إلا إصراراً على القيام بواجبهم المقدس فى حفظ الأمن ومواجهة هؤلاء الإرهابيين ومن يساندهم مادياً أو معنوياً وتطبيق الأنظمة بحقهم»..
خبر قرأته أكثر من مرة لظنى أن هناك خطأ فى اسم "العوامية" وأن الأصل فيه هو "الحوامدية" وأن صحة الاسم "القطيف" هو "القطامية" وأن تطبيق "الأنظمة" ذُكرت على سبيل التسرع بدلا من "القانون".. ولكن ثبت لى صحة الخبر بكل ما فيه، وأن مصدره مدينة الرياض بالسعودية، وأن كلا من الجندى المصرى والسعودى أصبحا هدفا لرصاص جماعة الإرهاب.. وجدير بالذكر هنا ألا نلقى جبال اللوم على ضعف استعدادات الشرطة المصرية، ولا إلى عدم إعادة هيكلة جهازها، فالمملكة لا تفتقد أياً منهما، ولكن ذئاب الإرهاب أصبحت تعوى فى كل مكان.. وإذا ما كان أوباما قد فشل فى القبض على "بن لادن" حياً بعد عدة عقود، وأقام حفلات النصر الكبرى عندما أرداه قتيلا فى عملية حربية كبرى سبقتها المؤامرات والمخططات ونفذتها الطائرات، فرجالات الأمن المصرى يأتون بالإرهابيين من أقفيتهم أحياء فى الصباح التالى للجريمة، وما من سبب لكثرة الضحايا إلا أن هناك دولا ومنظمات ومافيا عالمية لا هم لها فى الوجود إلا كسر شوكة المارد المصرى وكل من يتعرض له.. ولقد تعرضت له المملكة))..
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.