حينما نتحدث عن مسرح العمال.. أو مسرح الهواة فى قول آخر.. لايمكن إغفال «فرقة الأهرام المسرحية».. الفرقة الخاصة بمؤسسة الأهرام.. أطول الفرق العمالية عمرا.. ولدت فى العام الأول من ستينيات القرن الماضى.. واستمرت فى تقديم عروض سنوية منتظمة حتى نهاية التسعينيات.. ضمت فى صفوفها كتيبة من العاملين فى الإدارات المختلفة للمؤسسة.. فكان منهم صحفيون, وإداريون, وعمال.. بدأوا بتقديم أعمال لكبار الكتاب.. الريحانى ويوسف إدريس وسعد الدين وهبة.. ثم تقدموا خطوة فى طريق الاعتماد على مواهبهم.. بكتابة المسرحيات التى قدموها.. وتنفيذ ديكوراتها بأيديهم.. وإعداد الموسيقى المسرحية الخاصة بها.. وكل مرحلة من المراحل السابقة للعرض.. كانت تحتاج جهدا جبارا من كل العاملين.. يسير جنبا إلى جنب مع بروفات العرض المسرحى نفسه.. هذا الجهد الذى يستمر لمدة ثمانية أشهر تقريبا.. ينتهى إلى عرض لعدة أيام.. يبدأون بروفات العرض والعمل على متطلباته الفنية.. بعد الثالثة ظهرا.. بعد انتهاء يومهم فى العمل فى إداراتهم المختلفة فى الثانية والنصف.. دعايتهم كانت عبارة عن لافتات فى مدخل الطريق لمبنى المؤسسة.. وبضعة أخبار متناثرة فى قليل من الصحف.. لكنها تنتهى لحصاد جوائز عدة. ظلت فرقة الأهرام المسرحية تقيم بروفاتها وورش العمل الخاصة بالعرض فى ساحة متسعة ملحقة بمخازن الأهرام فى شارع الجلاء.. فى صمت يجرى كل شىء.. وبحب شديد لما يقومون به, يخرج العرض لجمهور العاملين بمؤسسة الأهرام وأسرهم.. وعندما انفجرت موجة مسرح المقاولات، إن جاز التعبير، فى بداية الثمانينيات.. وامتلأت شوارع منطقة وسط القاهرة.. التى تتمركز فيها الكثير من المسارح الخاصة, بلافتات دعاية أقل ما يقال عنها أنها منفرة.. كانت فرقة الأهرام المسرحية مع عديد من الفرق العمالية تقدم فى صمت.. على خشبة مسرح محمد عبد الوهاب بشارع رمسيس.. موسما عماليا ساخنا فى شهر يونيو عام 1980.. كانت المسابقة المسرحية السنوية التى ينظمها اتحاد الشركات.. قد تجاوزت المواهب التى قدمتها الفرق العمالية بمراحل من شملهم وسائل الدعاية والإعلان فى المسرح الخاص بالرعاية!! وبرزت أسماء فرق مسرحية عمالية مثل: فرقة غزل كفر الدوار.. فرقة المقاولين العرب.. فرقة الشركة المصرية للخزف والصينى.. فرقة المؤسسة العمالية بشبرا.. فرقة شركة الكروم المصرية.. فرقة مصر للطيران.. هذه الأسماء التى قدمت أعمالا متنوعة, اجتماعية وسياسية.. برهنت بشكل عملى على حسم الجدل حول هذا اللون المسرحى.. وعدم حصره فى تقديم مشاكل العمال وفقط.. فهو عمل إبداعى يجب أن يخرج من إطار أنه عمل توجيهى.. إلا فى حالات بعينها ترتبط بأحوال استثنائية قد تمر بها الأوطان.. وربما يلخص الناقد الكبير فؤاد دواره رأيه فى هذا بتلك العبارة: «مسرحية ألفها عامل وأخرجها وصمم ديكوراتها عامل, ومثلها عمال», ولو أتيح لها العرض على نطاق جماهيرى واسع فى أوساط العمال.. فمن الممكن أن تقوم بدور إيجابى فعال فى زيادة الإنتاج والتوعية بأساليب علاج مشكلات يعانون منها.. فيتحول هذا اللون المسرحى من مجرد وسيلة تسلية إلى سلاح ضارب فى معركة البناء والتنمية«.. تلك هى الفكرة.. عندما تكون معركة البناء والتنمية لوطن يمر بظروف مرتبكة, ملتبسة, مركبة.. كما يحدث فى مصر الآن.. يكون من المهم استخدام مسرح العمال كسلاح ضارب فى معركة من هذا النوع.. دون إغفال لضرورة ألا يكون هذا فقط هو الهدف منه.. فهو إبداع من لون مختلف لا يمكن تقييده كأى لون إبداعى آخر. فرقة الأهرام المسرحية.. ضمت فى جيلها الأول من المؤسسين صحفيين.. الكاتب الفنان سعيد عبد الغنى.. والراحل حسين شاهين.. والكاتبة الراحلة علية سيف النصر.. لميس الطحاوى.. كما ضمت عاملين فى إدارات شتى.. الراحلين محمد إمبابى, ومحمد عبد العزيز.. سامى صليب, وسميرة تيمور.. وظلت تقدم أجيالا من العاملين فى مؤسسة «الأهرام».. من المبعدين الذين حرصوا على تقديم إبداعاتهم برضا تام دون دعاية أو مقابل مادى.. هذا الرضا, وهذا الإخلاص هو الذى حفر لهم مكانا يصعب محوه فى تاريخ الحركة المسرحية المصرية.. فلا تندهش إذا ما حدثك الكثير من المسرحيين المحترفين عما قدمته فرقة الأهرام المسرحية طوال أكثر من ثلاثة عقود فى عمر المؤسسة والوطن أيضا.. حتى لو لم يحمل موقع مؤسسة الأهرام الرسمى عن تلك الفرقة سوى سطر واحد «تقدم الأعمال الفنية المتميزة وفازت فى عدة مسابقات»!!.. وربما يستدعى هذا سؤالا: هل تحتفظ المؤسسة بالأرشيف الفنى هذه الفرقة؟!! ويبقى أن نورد صرخة الناقد الكبير الراحل عبد الفتاح البارودى التى قالها كتابة: «ناديت كثيرا فى مقالاتى ببعث المسرح العمالى.. سواء فى المؤسسة العمالية أو فى مؤسسة المسرح.. نظرا لأهميته وخطورته للطبقة العمالية».. وندع قوسا كبيرا مفتوحا لمناقشة تلك القضية فى لحظة حاسمة.