تمثل زيارة المشير عبدالفتاح السيسى نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والسفير نبيل فهمى وزير الخارجية لروسيا الاتحادية نقطة تحول تاريخية فى العلاقات المصرية- الروسية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى. وتكتسب الزيارة أهميتها الحيوية فى ضوء عدد من الاعتبارات. فهى الأولى لوزير دفاع مصرى منذ نحو أربعين عاماً. فقد كانت دائماً مطلباً ملحاً للجانب الروسى، خاصة أن التعاون العسكرى الفنى بين البلدين لم ينقطع، بل شهد تطورات إيجابية لا يستهان بها خلال السنوات العشر الأخيرة، من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وذلك رغم الدعم العسكرى الأمريكى لمصر. وتجئ الزيارة لتعبر عن توافر الإرادة السياسية للجانبين لبدء تنفيذ اتفاق الشراكة الإستراتيجية، الذى وقع فى القاهرة فى يونيو 2009، خاصة إذا أخذنا فى الإعتبار أن زيارة وزيرى خارجية ودفاع روسيا لمصر- ومعهما نائب رئيس الشركة الحكومية الروسية المعنية بتصدير السلاح للخارج - فى 14 نوفمبر الماضى كانت زيارة إستكشافية فى الأساس. فقد نص الاتفاق على عقد لقاءات سنوية بين وزيرى دفاع وخارجية البلدين (فى صيغة 2+2) ولقاءات قمة كل عامين بالتناوب بين البلدين، لبحث جميع جوانب العلاقات الثنائية والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك . الزيارة تعكس استقلالاً حقيقياً للقرار السياسى المصرى، وتحرراً من ضغوط خارجية كانت تمارس على متخذ هذا القرار فى محاولاته الانفتاح على قوى دولية أخرى لتغطية احتياجاته العسكرية وغيرها. وبالتالى بهذا المعنى تعكس إعلاء للمصالح العليا للدولة المصرية وأمنها القومى على ما عداه من الاعتبارات. على أن ذلك لا يعنى بأى حال أن للزيارة تداعيات سلبية على علاقات مصر بالولايات المتحدةالامريكية، والمقدر أن تعود الى سابق عهدها، لكن على أسس جديدة. فالجميع يدرك ما طرأ على البيئة الدولية من تغيرات جذرية وان روسيا لا تبحث عن حلفاء وإنما شركاء يمكن التعاون معهم فى مختلف المجالات على قاعدة المصالح المشتركة، وهو درس تعلمته موسكو من الفترة السوفيتية . من المنظور الإستراتيجى الروسى، تدشن الزيارة مرحلة جديدة فى الحضور الروسى فى منطقة الشرق الأوسط بمشاكلها المعقدة، وهو حضور ظل محصوراً فى سوريا وليبيا، قبل ثورتها فى 2011. وفى هذا تدرك موسكو ثقل ووزن مصر فى محيطها الاقليمى والاسلامى والدولى ومساهماتها النشطة والبناءة فى تسوية المشكلات المختلفة فى منطقتها والعالم على أسس من احترام الشأن الداخلى لكل دولة ونبذ استخدام القوة فى تسوية هذه المشكلات وفقاً لمبادئ وأهداف ميثاق الاممالمتحدة، وهو ما تسعى اليه الدبلوماسية الروسية . من الطبيعى أن تلقى زيارة الوزيرين المصريين اهتماماً اعلامياً واسعاً، سواء فى ضوء الأوضاع الداخلية فى مصر أو التعقيدات الحالية فى العلاقات المصرية / الأمريكية . وقد وصل هذا الاهتمام الى حد التساؤل عن المغزى السياسى لإرتداء وزير الدفاع لباساً مدنياً خلال الزيارة ( وهو ما كان عليه الحال بالنسبة للوزير الروسى خلال زيارته للقاهرة فى 14 نوفمبر الماضى )، كما كثر الحديث عن قيمة الصفقة العسكرية المزمع اتمامها خلال الزيارة. وبغض النظر عن تساؤلات كهذه، أثق أن الزيارة أرست إطاراً مؤسسياً واضحاً للعلاقات بين البلدين فى المجال العسكرى الفنى ، فى ضوء الوثائق التى تم التوقيع عليها خلالها، وهو ما يحقق المصالح المشتركة للجانبين، لاسيما مصر التى تفرض عليها مقتضيات أمنها القومى ومصالحها العليا تغطية احتياجاتها من السلاح والمعدات التى تواجه بها فلول الارهابين فى البلاد وبخاصةً فى سيناء . بجانب التعاون العسكرى، تناولت المباحثات قضايا الامن بما فيها مكافحة الارهاب، والذى يجرى التعاون بشأنه منذ عام 2006 فى إطار مجموعة عمل مشتركة. ومما لا شك فيه أن المستجدات على هذا الصعيد ، سواء فى مصر أو فى منطقة شمال القوقاز الروسية ، فضلاً عن تدفق مئات الآلاف ممن يسمون انفسهم بالمجاهدين على سوريا للقتال مع المعارضة هناك، تفرض نفسها على أجندة التعاون بين البلدين . كذلك شمل جدول أعمال المشاورات السياسية يشمل قضايا إقليمية ودولية عديدة, أبرزها، تلك التى تلعب فيها الدبلوماسية الروسية دوراً نشطاً وأقرب الى المواقف المصرية، مثل الملف السورى وقضايا منع الانتشار النووى، بما فيها تطورات مباحثات ايران مع مجموعة 5+1 ، والأوضاع فى ليبيا وعملية السلام فى الشرق الأوسط والاوضاع فى إفريقيا وغيرها. أما قضايا التعاون الاقتصادى والفنى، فسيتم تناولها باستفاضة فى إطار اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادى بين البلدين، والتى كان مقرراً عقدها الشهر القادم ، إلا ان احتمالات تأجيل موعدها لما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى مصر تظل أمراً وارداً. أخيراً فإن استقبال الرئيس الروسى بوتين للوزيرين المصريين فى موسكو بعد عودته من سوتشى، حيث تجرى فعاليات الدورة الاوليمبية الشتوية قد أضفى على الزيارة مذاقاً خاصاً، فى ضوء الشعبية الكبيرة لبوتين فى مصر، والشعبية الطاغية للمشير السيسى بطبيعة الحال، حيث رفعت صور بوتين فى مظاهرات الشعب المصرى ، قبيل وبعيد ثورة 30 يونيو جنباً الى جنب مع المشير السيسى فى لفته عفوية تعكس استدعاء المواطن البسيط للعصر الذهبى للعلاقات السوفيتية / المصرية، والمواقف القوية لروسيا بوتين تجاه بعض السياسات الغربية، خاصة الأمريكية، بشأن قضايا اقليمية وعالمية يهتم بمتابعتها الشارع المصرى والعربى . لمزيد من مقالات عزت سعد السيد