أكد علماء الدين حق كل مواطنى الدولة فى الحصول على رواتب وأجور عادلة تسد حاجاتهم وتتناسب وما يقومون به من أعمال، كما أكدوا حق الاحتجاج السلمى والتعبير عن الرأى للحصول على هذا الحق إذا ما قصرت الدولة تجاه فئة معينة أو قطاع من قطاعاتها. ونعى العلماء على الأطباء لجوءهم للإضراب أو الاعتصام كوسيلة ضغط على الدولة لتحقيق مطالبهم، دون الاعتداد بالمرضى وما بهم من حالات حرجة وطارئة، وأشاروا إلى أن الطب رسالة إنسانية قبل أن يكون مهنة، ومن ثم لا يجوز التخلى عنها أو التقصير فى أدائها مهما تكن الأسباب ما دام صاحبها قادرا على العمل والعطاء، حتى وإن بخست جهة العمل بعض حقه. وقال الدكتور صابر عبد الدايم، عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالزقازيق، إن إضراب الأطباء عن العمل سواء كان هذا الإضراب جزئيا أو كليا يضر بالمرضى وينال من الخدمة المقدمة للمريض التى هى فى الأساس حق للمريض وواجب على الطبيب فى كل الحالات، سواء كان راتب الطبيب ضعيفا أو كبيرا، وسواء استجابت الدولة أو تراخت فى التعامل مع مطالب الأطباء. وأضاف أنه إذا كان الإضراب أو الاعتصام كوسيلة ضغط على الجهات المسئولة لسرعة التحرك والنظر فى المطالب، إذا كان ذلك مقبولا بعض الشيء فى جميع القطاعات أو المهن إلا أنه لا يصلح من الأطباء، لأن المرض لا ينتظر أحدا، فالمريض الذى يحتاج عملية أو تدخلا جراحيا لا ينتظر حتى تحل مشاكل الأطباء وترفع الدولة رواتبهم، والمصاب الذى ينزف ولا يجد من يستقبله فى الطوارئ سيموت إذا طال نزفه ولم يتم إسعافه فى الحال، وهكذا الحالات الحرجة والطارئة التى يعلم خطورتها الأطباء أكثر من غيرهم.. فكيف لهم أن يتخلوا عن رسالتهم العظيمة وينشغلوا بالاعتصام أو الإضراب؟! وطالب الأطباء بأن يسلكوا طرقا أخرى بديلة غير الإضراب كمسلك قانونى أو التحرك من خلال نقابتهم أو جعل احتجاجهم أو إضرابهم إضرابا رمزيا يقوم به البعض دون الكل بالتبادل يوم إجازتهم أو راحتهم الأسبوعية، بعيدا عن أوقات العمل والنوبتجيات حتى لا تتأثر المستشفيات بذلك، ولا يستهين الطبيب بهذا العمل فربما يعجل الله بحل مشكلته نتيجة دعاء مريض أو تفريج كرب مهموم، أو على الأقل يبارك الله له فى القليل، وهذه نعمة لا يقدرها كثير من الناس. من جانبه أوضح الدكتور إمام رمضان، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر، أن للتظاهر والاحتجاج المشروع ضوابط وشروطا، منها ألا يؤدى إلى الإضرار بالغير أو المساس بالأرواح والممتلكات، وألا يعطل مصالح الناس، ومن ثم فإنه لا يجوز للطبيب وإن كان ذا حق أن يترك المستشفى الذى يعمل به ويقول إنه مضرب عن العمل أو معتصم، ويمتنع عن مداواة المرضى وتخفيف الآلام عن المصابين والجرحي، فالطبيب ليس موظفا عاديا بل إن من ارتضى لنفسه واختار الطب مجالا يعمل به عليه أن يتحمل ضريبة ذلك ولا يتخلى عن رسالته، ومن ضريبة الطب أن وقت الطبيب ليس ملكا له ما دام هناك مرضى يحتاجونه، فإن اعترضه مريض فى البيت أو الطريق أو الشارع أو أى مكان لا يجوز له أن يمتنع أو يتردد فى إسعاف ذلك المريض ومداواته بقدر ما يستطيع. ولما كان تخلى الطبيب عن رسالته أو تقصيره فيها قد يؤدى إلى هلاك المريض أو عجزه أو ضعفه، فهنا تكمن خطورة الإضراب أو الاعتصام الذى يؤدى بالتبعية إلى إهمال المرضى والتقصير فى واجبهم وقد يؤدى ذلك فى بعض الأحيان إلى إزهاق أرواح تأخرت يد الطبيب عن التدخل لإنقاذها بإذن الله. وأضاف أن الطبيب الذى يمتنع عن علاج المرضى أو يقصر فى مداواتهم هو مقصر وآثم شرعا لما يترتب على ذلك من أضرار تلحق بالمريض جراء هذا الاعتصام أو الإضراب لأنه حينئذ يكون كمن كتم علما، وعلمه مداواة المرضى وتطبيببهم، والنبى صلى الله عليه وسلم أخبرنا فى الحديث الصحيح بأن كاتم العلم ملعون..كما وأن من يتخلى عن واجبه فى إسعاف أخيه المريض يحرم نفسه من عون الله له، لقول النبى صلى الله عليه وسلم «كان الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه».، ويكون أيضا مخالفا لتوجيه المولى عز وجل «وتعاونوا على البر والتقوي..»، فمن البر إغاثة الملهوف، ومن التقوى أن تمد يدك لمن يستغيث ويستنجد بك. وقال د.إمام إنه لا يجوز الاستناد إلى قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث «أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه» لأن ذلك قياس خاطيء، لأن الطبيب كالداعية عليه أن يؤدى رسالته أولا دون أن يبخس الناس حقهم فى التداوى «ولا تبخسوا الناس أشياءهم»، وإذا كانت الدولة قد قصرت فى حقه فما ذنب المرضى والمصابين والله تعالى يقول فى كتابه العزيز «ولا تزر وازرة وزر أخري». وإذا كان البعض يقول إن الإضراب جزئى أو نحو ذلك فإن هذا القول مردود عليه بأننا نعلم أن مستشفياتنا الحكومية تعانى ضغوطا كبيرة وكثافة عالية من المرضى وعجزا دائما فى الأطباء والتمريض فى الظروف العادية، فكيف بنا إذا كان المستشفى يعمل بنصف طاقته أو أقل من عدد الأطباء والممرضين، ويلحق بالأطباء فى هذا الأمر فئة التمريض أيضا أن لايستطيع الطبيب أن يقوم بدوره كاملا بدون ممرض، وكذا الصيادلة أو الموظفون الذين يعملون على أجهزة الآشعة أو التنفس الصناعى وغيرها مما يلحق بالطب ويؤثر على صحة وأرواح الناس.