الحياة مفعمة بالأمل , فلا يأس مع الحياة , ولا حياة مع اليأس , والعاقل يجد لكل عقدة حلًا أو يحاول على أقل تقدير , والأحمق يرى فى كل حل مجموعة من العقد المتشابكة , وبما أن صحيح الشرع لا يمكن أن يتناقض مع صحيح العقل , لأن التشريعات موجهة لمصالح العباد , فقد عدّ العلماء اليأس والتيئيس من رحمة الله ( عزّ وجل ) من الكبائر , عن ابن عباس ( رضى الله عنه ) أن رجلًا قال : يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : (صلى الله عليه وسلم) : «الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله , من وقاه الله إياها وعصمه منها ضمنت له الجنة » ويقول الحق سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم (عليه السلام) فى حواره مع الملائكة وقد بشروه بإسحاق ( عليه السلام ) : » قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ » (الحجر: 54 ، 55 ، 56 ) , وهذا يعقوب ( عليه السلام ) يقول لولده : » يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ« (يوسف: 87) , ويقول الحق (سبحانه وتعالى ): » قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » ( الزمر: 53) . فلا ييأس مذنب من العفو ,لأن الله عزّوجلّ فتح باب التوبة واسعًا , وفى الحديث القدسى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) » يا بن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى , يا بن آدم لو جئتنى بقراب الأرض خطايا لا تشرك بى شيئًا لأتيتك بمثلها مغفرة » ( أخرجه الترمذى ) . ولا ييأس مريض من عدم الشفاء مهما كان مرضه عضالًا , فعليه أن يأخذ بأسباب التداوى مع التعلق بحبل الله فى الشفاء , ولنا فى أيوب (عليه السلام) أسوة ، يقول الحق ( سبحانه ) : » وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ » (الأنبياء: 83 ، 84) . وإن كنت عقيمًا لا تنجب فلا تيأس من رحمة الله وفيض عطائه , فهذه امرأة إبراهيم (عليه السلام) عندما بشرتها الملائكة بالولد على كبر سنها تقول: » يَاوَيْلَتَى آلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » (هود: 72 ، 73) ، وزكريا (عليه السلام ) عندما دعا ربه فقال : » رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّى خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا » (مريم: 4 ، 5) جاءته الاستجابة الربانية العاجلة » يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا » (مريم: 7) , وعندما تساءل (عليه السلام) » رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِى عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ الله يَفْعَلُ ما يَشاءُ » (آل عمران: 40) جاءه الجواب » كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا » (مريم : 9) . وإن كنت فى حالة من ضيق اليد فاعلم أن فقير اليوم قد يكون غنى الغد ,وغنى اليوم قد يكون فقير الغد , والأيام دول , وأن الله (تعالى ) إذا أراد للعبد شيئًا أمضاه له » إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (يس: 36) , ويقول ( سبحانه وتعالى) : « مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » . ومهما تكن اللحظات العصيبة فى حياتك فتعلق بحبل الله ( عز وجل ) ، فهذه مريم (عليها السلام ) عندما أظلمت الدنيا فى عينيها ولم تجد ملجئًا من الله إلا إليه قالت: « يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا » فكان الغوث والرحمة فى قوله تعالى: « فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا » . ومن رحمة الله ( عز وجل ) بنا أنه يحاسبنا على الأخذ بالأسباب ، أما النتائج فمردها إليه (سبحانه ) ، فإن أحسنّا الأخذ بالأسباب وأحسنّا التوكل على الله ( عز وجل ) فتح لنا أبواب رحمته فى الدنيا والآخرة ، فيروى عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : « لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا » ( أخرجه أحمد ) ,ويقول الحق ( سبحانه ) :« وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ». غير أن الأمل بلا عمل أمل أجوف ، وأمان كاذبة خاطئة ، وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) يقول : « لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقنى وقد علمت أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة » ، ولا يكفى مجرد العمل ، إنما ينبغى أن يكون العمل متقنًا, على أن العمل يحتاج علمًا يضبطه وتخطيطًا يوجهه ويقومه , فإذا أخذنا بما أمر الله به من أسباب فنحن على يقين بأن الظلام سينقشع ، وأن الغمة ستنكشف ، وأن أصحاب الفكر الظلامى التكفيرى التخريبى سيندحرون ، » . ونحن على يقين فى الله بأن مصر مقبلة على مراحل عديدة من الأمل والازدهار والنماء والأمن والاستقرار ، « وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ». لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة