تظل قضية العلاقة بين قطاعى السياحة والطيران فى غاية الأهمية.. فلا سياحة بلا طيران.. وبالتالى يظل التنسيق والتعاون بينهما أمرا لابد منه.. وفى إطار هذه العلاقة ومع ظهور ما يسمى بنظام «السماوات المفتوحة» فى العالم قبل نحو 20 عاما أو أكثر، ازدادت مطالب قطاع السياحة بتطبيق هذا النظام، بما يعنى فتح جميع المطارات أمام جميع الشركات بحجة أن هذا فى مصلحة الاقتصاد القومى بشكل عام، رغم الاعتراف بتأثيره على شركات الطيران الوطنية، وأن المهم مصلحة الاقتصاد وليس الشركة. لكن قطاع الطيران المدنى له رأى آخر.. ونحن على هذه الصفحة نعرض اليوم لهذا الرأى بعد أن تحول الحوار حول هذا النظام بين قطاعى السياحة والطيران إلى ما يشبه «الصراع» أو الخلاف «المزمن» الذى يتمسك فيه كل طرف بوجهة نظره، وكان آخر حوار حول هذه القضية فى مؤتمر بالأقصر بحضور وزير السياحة هشام زعزوع ووزير الطيران المدنى المهندس عبدالعزيز فاضل، وكان رأى قطاع السياحة لابد من السماوات المفتوحة بشكل كامل، وفى جميع المطارات بما فيها مطار القاهرة الدولي. لكن المهندس عبدالعزيز فاضل وزير الطيران ومساعديه كان لهم رأى آخر ملخصه: نعم موافقون وننفذ ذلك بالفعل فى جميع مطارات مصر.. لكن لابد من ضوابط فى مطار القاهرة الدولي، بما يحقق المصلحة العامة. وفى إطار تقديره لصفحات «سياحة وسفر»، وشعوره بموضوعيتها ولحرصه على عرض الرأى الآخر.. أرسل وزير الطيران المدنى الينا رأيه ورأى قطاع الطيران والقائمين على مصر للطيران فى هذه القضية مؤكدا أن هذا ليس رأيه فقط بل مايجمع عليه خبراء الطيران.. وها نحن نطرحه اليوم، عملا بمبدأ احترام الرأى والرأى الآخر.. يقول الوزير: أولا: جميع المطارات المصرية وعددها 32 مفتوحة بنسبة 100%، ومصر من أكثر الدول تطبيقا لنظام السماوات المفتوحة، حيث استقبلت 14.7 مليون سائح فى 2010، وكانت نسبة مصر للطيران من هذه الحركة لا تتجاوز 8%، ومعظم الحركة كانت تتم على الشركات الأجنبية وشركات الشارتر ومنخفضة التكاليف، وذلك لتركيز مصر للطيران على مطار محورى واحد وهو مطار القاهرة، هذا بجانب ما قامت به وزارة الطيران المدنى المصرى من قرارات لفتح السعات لمطارات الجذب السياحى لزيادة الحركة السياحية الوافدة، قامت بتقديم العديد من الحوافز لشركات الطيران كالتالي: تخفيض أو إعفاء شركات الطيران العالمية من رسوم الإيواء والهبوط فى مطارات المدن السياحية. نسبة 100% من رسوم الهبوط والانتظار بمطارات الأقصر وأسوان وأبوسمبل وأسيوط والتى تتخذ من هذه المطارات قواعد base لها. نسبة 75% من رسوم الهبوط والانتظار للشركات العاملة بمطارات الأقصر وأسوان وأبوسمبل وأسيوط. تخفيض 50% من رسوم الهبوط والانتظار للشركات العاملة بمطارات شرم الشيخ والغردقة وطابا ومرسى مطروح. تقديم حوافز لشركات الطيران العاملة بالمطارات فى المدن السياحية، وذلك بنسب تصل إلى 60% على إجمالى الحركة وإجمالى عدد الركاب وليس على الزيادة السنوية فى عدد الركاب كما كان متبعا من قبل. ثانيا: على الرغم من التشغيل المكثف من جميع دول الجذب السياحى إلى منطقة الخليج، وكذلك التشغيل المكثف للناقلات الخليجية إلى مصر، وهذا يطرح سؤالا: لماذا لم تقم ناقلة خليجية واحدة بتشغيل ولو رحلة أسبوعية واحدة لأى من مدن الجذب السياحي؟، والإجابة أن هذه الناقلات لا تهتم بتدفق الحركة السياحية لمصر، ولا تستثمر من أجل هذا الهدف، وإنما استثمارها يكون لتنمية مطاراتها المحورية عن طريق «شفط» الحركة من مطار القاهرة إلى مطاراتها المحورية، لذلك فهى لا تهتم بفتح جميع المطارات المصرية، وينصب اهتمامها على مطار القاهرة للاستحواذ على الحركة الخارجة من القاهرة، وكذلك على المطارات الإقليمية المصدرة للعمالة مثل الإسكندرية وأسيوط وسوهاج، كما أن مطار القاهرة ليس مطارا مغلقا، حيث إن المطار يطبق نظام السماوات المفتوحة مع العديد من الدول، والتى تعطينا نصيبا عادلا من الحركة الوافدة، كذلك فإن مطار القاهرة يسمح بوصول طائرات التشارتر التى تقل مجموعات سياحية (على غير الاعتقاد السائد) شريطة ألا تقوم شركات التشارتر ببيع تذاكر فردية داخل السوق المصرية. ثالثا: سعة المطارات الإقليمية السياحية الآن تبلغ 23 مليون راكب فى العام، ومطارى شرم الشيخ والغردقة فقط تبلغ سعتهم الآن 14.5 مليون راكب، وستبلغ سعة هذه المطارات فى مايو المقبل 31 مليون راكب، وهو عدد أكبر بكثير من عدد السياح المتوقع بعد عودة الحركة السياحية، فلماذا الإصرار على فتح مطار القاهرة دون ضوابط؟ وهل امتلأت المطارات الأخرى السياحية بالسياح حتى نفتح مطار القاهرة التى هى أقل المدن جذبا للسياحة فى الوقت الراهن، كما ساهمت المشاريع والاستثمارات التى بذلتها وزارة الطيران المدنى المصرى فى مجال المطارات إلى النهوض بحجم الحركة الاستيعابية لمطارات الجمهورية، وتم التخطيط لرفع الطاقة الاستيعابية للمطارات المصرية لتصل إلى 75 مليون راكب مع انتهاء مشروعات التوسع الحالية. رابعا: ذكرتم سيادتكم أن مصلحة الاقتصاد القومى فوق كل اعتبار، وهى معلومة صحيحة بنسبة 100%، فمصر للطيران شركة مملوكة للشعب وتدر دخلا سنويا قدره 16 مليار جنيه، أكثر من 60% منه من العملة الصعبة التى تحتاجها الدولة، ولنا أن نتخيل أين ستذهب هذه العملة الصعبة فى حالة فتح مطار القاهرة دون ضوابط، وأول المضارين من ذلك هو الشركات المصرية الخاصة التى لن تقوى على المنافسة مع الشركات المنخفضة التكاليف التى سوف تغزو مطار القاهرة فى حالة فتحه دون ضوابط، كما نود أن نؤكد أن مصر للطيران ليس لديها أية أفضلية احتكارية حتى فى مواسم الحج والعمرة، والتى انقسمت النسبة فيها فى العام الماضى على سبيل المثال إلى 34% للشركات الخاصة و35% مصر للطيران و31% الخطوط السعودية مع الأخذ فى الاعتبار عدد الأسطول الذى تمتلكه مصر للطيران بالمقارنة بمجموع أساطيل الشركات الخاصة. خامسا: صناعة النقل الجوى من بين أكثر القطاعات المقيدة والمنظمة حفاظا على سيادة كل دولة وحقوقها، فهى تخضع لتنظيمات وقوانين سواء اقتصادية أو إدارية، فالتحرير وسيلة وعملية متكاملة وليس غاية فى حد ذاتها، فالهدف هو توفير البيئة المواتية التى يستطيع فيها النقل الجوى أن ينمو ويزدهر بطريقة منتظمة تتسم بالكفاءة والاستدامة دون المساس بمصالح أى من الأطراف المرتبطة بالنقل الجوي، والدليل على ذلك ما اتخذته كبرى دول العالم من إجراءات مسبقة للفتح مع تطبيقه على مراحل وفقا لخطط مدروسة، وعلى سبيل المثال: بدأت المملكة المغربية فى تنفيذ سياسة السماوات المفتوحة مع الاتحاد الأوروبى عام 2006، مما ألزم الخطوط الملكية المغربية ضرورة التفكير السريع وانتهاج استراتيجية جديدة لمواجهة الموقف، 2011 دعمت الملكية المغربية بمبلغ 193 مليون دولار (حوالى مليار و400 مليون جنيه) كدفعة أولى لدعم مركزها المالى المتأثر بزيادة المنافسة وارتفاع أسعار الوقود، مع إعادة هيكلتها والتخلى عن 30% من العمالة، وعرض 30% من أسهمها للبيع كخطوة أولية لخصخصة الشركة، (وهى الأمور التى لم تتم مع مصر للطيران). سادسا: نرى حتى فى الدول التى تطبق السماوات المفتوحة مثل ألمانيا، أن الناقلات الألمانية تضغط على الحكومة من أجل عدم السماح للناقلات الخليجية مثلا بزيادة السعة، وكذلك رفضت الحكومة الكندية السماح للقطرية والاتحاد بزيادة عدد الرحلات من أجل حماية الناقلات الوطنية، فى حين تعتمد الكثير من الدول على الاتفاقات الثنائية للمطارات المحورية، وهو ما تطبقه دولة مثل إنجلترا على مطار هيثرو، ودولة مثل فرنسا على مطار شارل ديجول، وهو بالضبط ما يحدث فى مطار القاهرة. ويختتم المهندس عبدالعزيز فاضل رأى قطاع الطيران قائلا: نود التأكيد على أن سياسة فتح السماوات قد تحقق بلا شك منافع وفوائد متعددة بالدول التى تنتهج تلك السياسة وفقا لدراسات وخطط، إلا أنه فى ظل غياب التخطيط والاستعداد المطلوب قد تؤدى إلى نتائج سلبية تضر بمصلحة الشركات، فالعائد الناتج عنها لابد وأن يكون قيمة مضافة، وليس مجرد نقل لقيمة من قطاع إلى آخر، مع قيمة إجمالية سلبية، فتحرير حريات النقل الجوى تتم من خلال اتفاقيات ثنائية أو متعددة، وهى تعنى تبادل الحقوق والمنفعة بما لا يضر بمصالح أى جانب، ولابد أن يتم ذلك وفقا لدراسات مع تحديد الأرباح والخسائر المحتملة. مما تقدم يتضح أن جمهورية مصر العربية قامت بتحرير كافة مطارات الجمهورية أمام التشغيل المنتظم، وذلك حتى من جانب واحد، فى حين أن كافة الدول المنادية لتحرير الأجواء تلجأ لذلك على المستوى الثنائي، بمعنى أن جميع المطارات مفتوحة حتى أمام الدول التى لا تطبق السماوات المفتوحة، ومع وجود استثناء وحيد وهو مطار القاهرة، فالوزارة عازمة على المضى قدما فى تطبيق سياسة التحرر التدريجى لحريات النقل الجوى على المستوى الثنائى مع الدول وفقا لأولويات تضمن تحقيق المنفعة المتبادلة.