نائبة أوكرانية: مقترحات السلام الحالية غير واقعية وروسيا تسعى للسيطرة وإذلال الشعب الأوكراني    بدء فرز الأصوات على جدول أعمال عمومية المحامين لزيادة المعاشات    اللواء جمال عبد الباري مساعد وزير الداخلية للأمن والأمن العام سابقًا: الدولة استعادت الهيبة لصوت الناخب ووفرت له الجماية    وزير الإسكان يتابع موقف تسليم أراضي «رأس الحكمة» و«علم الروم»    موقف تنفيذ المشروعات التنموية بالعلمين الجديدة والساحل الشمالي الغربي    الفريق أحمد خليفة يلتقى رئيس أركان القوات المسلحة القطرية    مالك عقار: لم نخسر الحرب وقوات الدعم السريع تتجاوز قواعد الاشتباك    عمر مرموش يشارك فى مباراة مان سيتي ضد سندرلاند قبل 20 دقيقة من النهاية    محمد صلاح على دكة ليفربول أمام ليدز في البريميرليج    اسكواش – تأهل عسل ويوسف ونور لنهائي بطولة هونج كونج المفتوحة    بالأسماء، إصابة 6 اشخاص في حادث تصادم بالدقهلية    بيطري الشرقية: استدعاء لجنة من إدارة المحميات الطبيعية بأسوان لاستخراج تماسيح قرية الزوامل    المسرح الكوميدي يعلن عودة عرض "العيال فهمت" قريبا    مان سيتي ضد سندرلاند.. السيتزنز يحسم الشوط الأول بثنائية دفاعية.. فيديو    الإعدام لمتهم والمؤبد ل2 آخرين بقضية جبهة النصرة الثانية    لليوم السادس التموين تواصل صرف مقررات ديسمبر حتى 8 مساء    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش دعمًا للثقافة في شمال سيناء    نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم    رئيس «القابضة للمياه» يجري جولات موسعة ويتابع أعمال التشغيل والصيانة بمحطة الجيزة    عاجل- رئيس الوزراء القطري: مفاوضات السلام في غزة تمر بمرحلة حرجة    العثور على فتاة متغيبة بالشرقية بعد تداول منشورات عن اختفائها    ضبط عاطل اعتدى على شقيقته بالمرج    الحبس شهر وغرامة 20 ألف جنيه لمساعدة الفنانة هالة صدقي بتهمة السب والقذف    "الشرع": سوريا تعيش حاليًا في أفضل ظروفها منذ سنوات.. وإسرائيل تصدّر الأزمات إلى الدول الأخرى    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    عمرو عابد يكشف سر عدم تعاونه مع أبطال «أوقات فراغ»    هذا هو موعد عرض فيلم الملحد في دور العرض السينمائي    قبل بداية عرض فيلم الست.. تصريحات سابقة ل منى زكي دفاعا عن تنوع أدوار الفنان    مرموش بديلا.. هالاند يقود تشكيل مانشستر سيتي أمام سندرلاند    حل أزمة عجز المدرسين.. كيف تمت معالجة أحد أكبر تحديات التعليم؟    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    موعد مباراة أتلتيكو مدريد ضد أتلتيك بلباو والقناة الناقلة    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    مواعيد مباريات دوري كرة السلة على الكراسي المتحركة    احذر.. الإفراط في فيتامين C قد يصيبك بحصى الكلى    خمسة قتلى بينهم جندي في اشتباك حدودي جديد بين أفغانستان وباكستان    15 ديسمبر.. آخر موعد للتقدم لمسابقة "فنون ضد العنف" بجامعة بنها    المرحلة النهائية للمبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية»: قبول مبدئي ل9 تحالفات استعدادًا لتوقيع البروتوكولات التنفيذية    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    الزراعة توزع أكثر من 400 "فراطة ذرة" مُعاد تأهيلها كمنح لصغار المزارعين    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    الإعلان التشويقى لفيلم "القصص" قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    محافظ الشرقية يتابع الموقف التنفيذي لسير أعمال إنشاء مجمع مواقف مدينه منيا القمح    إحالة طاقم النوبتجية بمستشفى رمد وصدر منوف للتحقيق بسبب الغياب    وزير الأوقاف: مصر قبلة التلاوة والمسابقة العالمية للقرآن تعكس ريادتها الدولية    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    منافس مصر - مدافع نيوزيلندا: مراقبة صلاح تحد رائع لي ومتحمس لمواجهته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة مياه النيل.. الأسباب والعلل

يحكي أن رجلا اقتني دبا ضخم الجثة شديد المراس ليقوم علي حراسته, ونام الرجل ذات يوم نوما عميقا رأي الدب خلاله ذبابة تقف علي وجهه فساءه أن تضايق الذبابة سيده, فالتقف حجرا عظيما وألقاه علي الذبابة التي نجحت في الفرار هاربة بينما تهشم رأس الرجل وقضي.
كذلك يحكي التاريخ أن أحد أساطين الدولة الفاطمية شكا له الزراع تدني إنتاج محصول القطن بسبب موجة عارضة من البرد القارس فأصدر الرجل مرسوما يقضي بزراعة الصوف داخل حقول القطن في المستقبل حتي يوفر له الدفء اللازم لحمايته من موجات البرد ويزداد محصوله. وأردت بهاتين القصتين أن أوضح أن حسن النية والبراءة وربما السذاجة لا تصلح لاتخاذ القرارات المصيرية وأن الجهل وعدم المعرفة قد يدمر كل أسباب النجاح. ولكي أشرح علاقة هذه الأمور بأزمة مصر مع دول حوض النيل أقول ما يأتي:
إن مصر نجحت لسنوات طويلة في إقامة علاقات ثنائية سوية مع كل دول الحوض عن طريق المساهمة الفعالة في تحريرها من نير الاستعمار أولا ثم عن طريق مساعدتها فنيا واقتصاديا بعد ذلك. وأن معظم دول حوض النيل ردت لمصر جميلها بتوقير رئاستها واحترام رغباتها وصون مصالحها( لاحظ هنا أن خمسين دولة إفريقية من مجموع اثنتين وخمسين قطعت علاقاتها بإسرائيل خلال حرب أكتوبر1973). وكانت مصر هي البادئة بالتكشير عن أنيابها حين أعلنت اثيوبيا رغبتها في بناء سدود علي النيل الأزرق, وجاء الرد المصري بالتلويح باستخدام القوة المسلحة وتدخل مؤججو الفتنة بسكب الزيت علي النار مخترعين تعبير حروب المياه متنبئين بأن ينسي الناس الاقتتال علي البترول وأن يتصارعوا مستقبلا علي المياه.
بدأ مبارك علاقاته الإفريقية كما بدأ علاقته مع بني جلدته من المصريين بداية طيبة ونجح في الحصول علي اتفاق مشترك مع رئيس الوزراء الاثيوبي زيناوي( عام1993) هو قمة في التفاهم وحسن النوايا, ولكن يبدو أن هذا الأخير أدرك أنه تنازل بما هو أكثر مما يلزم, فما كان منه إلا أن بارك بخبث اعتداء مسلحا علي حياة مبارك في أحد شوارع العاصمة الاثيوبية أديس أبابا عام(1995) أدي إلي كفران الرئيس المصري الكامل بالعلاقات الإفريقية بشكل عام ودول حوض النيل أجمعها علي وجه الخصوص. ودخلت حسن النوايا علي علاقات مصر النيلية حين وافقت علي دعوة( خبيثة) من البنك الدولي للاشتراك مع كل دول الحوض باستثناء اريتريا فيما أطلق عليه مبادرة حوض النيل( عام1998) التي خلبت عقول الجميع بما طالها من سخاء مالي من مجموعة من الدول المانحة- الأكثر خبثا من البنك الدولي- ولم تستفد مصر من فعاليات هذه المبادرة خلال ما يزيد علي عشر سنوات سوي في الحصول علي بعض المزايا المالية لبعض الأفراد, ونالها مقابل ذلك استعار العدوان عليها من باقي دول الحوض تحت القيادة الاثيوبية التي يبدو أنها كانت تسعي جاهدة إلي اليوم الذي تقف فيه مصر بمفردها أمام كل الدول التي لم تعد تكن لها إلا الكراهية والحقد والحسد والضغينة ونكران الجميل.
إزاء هذا الوضع المتردي لم يجد المفاوض المصري أمامه إلا حلا وحيدا هو أن يرفع الخلاف من مستوي الوزراء إلي مستوي الرؤساء وذلك باقتراح أن يتولي الرئيس الأوغندي موسيفيني الدعوة إلي عقد قمة لمناقشة الموضوع. وفي هذا التوقيت الحرج وبعد أن ظل الملف لمدة اثني عشر عاما كاملة في يد أحد السادة الوزراء- أعفي هذا الوزير من منصبه عام2009 دون سبب معروف وتسلم الملف وزير آخر ممن لم تكن له علاقة بالموضوع من قريب ولا من بعيد وبدلا من التعرف علي جميع التفاصيل من الوزير السابق لم يتم أي اتصال بين الوزيرين مما اضطر الوزير الجديد إلي معالجة الموضوع بالرؤية التي استقر ضميره ومعرفته عليها وإن جاءت هذه الرؤية مخالفة تماما لتوجهات الوزير السابق.
بعد عامين من الصراع والمعاناة التي عاشها الوزير الجديد وعاشها معه وزراء المياه من دول حوض النيل أعلن الجميع فشل كافة أنواع المفاوضات في الوصول إلي تفاهم أو توافق مشترك وكان انقسام دول الحوض إلي جبهتين( عام2010) لم يتبق بعدها إلي جوار مصر سوي جمهورية السودان الديمقراطية وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكلتا الدولتين مرشحتان للانضمام لباقي دول الحوض ضد مصر إن عاجلا أو آجلا. وبعد قيام ثورة25 يناير2011 بأسابيع بدأت اثيوبيا إنشاء سد النهضة علي أمل أن تنتهي من أكبر قدر ممكن من الإنشاء قبل أن يفيق المصريون من أحلام ثورتهم, وتوجت هذا التوجس والانتهازية برفض كل محاولات التفاهم مع الجانب المصري ونجحت في استمالة الجانب السوداني إلي جوارها. وفي الوقت الذي جاء فيه الخطاب الإعلامي الاثيوبي إلي الإقليم والعالم قويا ومؤثرا كان الخطاب الإعلامي المصري ضعيفا وباهتا, وفي الوقت الذي أعدت فيه اثيوبيا الكوادر القادرة علي فنون التفاوض تغيرت فرق التفاوض المصرية في كل جولة وجاء المبرر مذهلا للجميع حين قيل إن ذلك كان للرغبة في توزيع مكافآت وبدلات السفر بالتساوي بين أكبر عدد ممكن من المفاوضين.
ركب العديد من غير المتخصصين موجة البث الاعلامي, وظهر علي صفحات الجرائد وحلقات البرامج والعروض التليفزيونية من يهذي بكلمات هو نفسه لا يفهمها بينما تراجع من يعرف الموضوع حق المعرفة حتي لا يتهم بالجهل من الجهلاء والمغرضين, هذا في الوقت الذي تقلد فيه المناصب العليا لإدارة الملف من لم يكونوا بالضرورة أهلا لها ومن ثم جاء ظهورهم الإعلامي محبطا حتي للعوام, ومن الضروري هنا أن نقرر للإنصاف أن الموضوع متشعب ومعقد ولا يستطيع أن يحيط به كل من هب ودب دون أن يكون له سابق معرفة وتاريخ دراية فما بالك بهؤلاء الذين قضي بعضهم شهورا قليلة في موقع المسئولية التي ضاع الجزء الأكبر منها في حل مشاكل العاملين والمنتفعين والمعتدين وضعاف النفوس.
لا أستطيع أن أزعم أو أدعي أني علي يقين مما حدث داخل الغرف المغلقة, ولكني أري أن المسئولية علينا جميعا تدعو بل وتؤكد ضرورة إجراء تقويم كامل لما دار وما يدور في هذا الملف المهم خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية, وأن يكون هذا التقويم مجردا محايدا شفافا, موضوعيا لا علاقة له بأشخاص بقدر ما يؤدي إلي حقائق تقود إلي نتائج يؤخذ منها الدروس والعبر التي تضئ الطريق إلي قرارات تفعل في المستقبل لصالح البلاد والعباد, وفي النهاية ألا تري معي أن للقصص التي بدأت بها هذا المقال معاني تفيد في الأسباب والعلل التي أدت بنا جميعا إلي الأزمة القائمة حيال مياه النيل؟ ثم ألا تري معي أن من دروس المحنة التي نحياها أن الملفات المصيرية يجب ألا يقوم عليها إلا كل من هو كيس فطن عليم ببواطن الأمور وظواهرها, قادر علي إدارة الأزمات والنوازل حريص علي أمن الوطن والمواطن في الحاضر والمستقبل, وطني النزعة قوي الهمة صلب البنيان رصين البيان... أليس كذلك؟
لمزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.