إذا كان البعض لا يري في صورة الشرطة سوي البطش والتنكيل فإن ملحمة الإسماعيلية لهي أقوي دليل علي وطنية الجندي والضابط الشرطي ومهما حاول البعض طمس صفحات من تاريخ الشرطة المصرية وبطولاتها فحروف بطولاته محفورة في قلوب المصريين الوطنيين الذين ينشدون الأمن والأمان. وعلي الرغم من أن هناك فترات كانت الشرطة أداة لحكامها لنهك حقوق الإنسان إلا أنها علي مر العصور بدونها تصبح فوضي الأوطان مرتعا للخارجين عن القانون كما يحدث الآن فالتاريخ لا يكذب بل هناك من الضباط والجنود الذين ترفع لهم القبعة في ملحمة الدفاع عن الوطن فمع شروق شمس يوم الجمعة25 يناير1952 استدعي القائد البريطاني بمنطقة القناة البريجادير أكسهام ضابط الإتصال المصري, وسلمه إنذارا بأن تسلم قوات البوليس المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية, وتجلو عن دار المحافظة والثكنات, وترحل عن منطقة القناة كلها. ورفضت المحافظة الإنذار البريطاني وأبلغته إلي وزير الداخلية فؤاد سراج الدين الذي أقر موقفها, وطلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام. وقبل غروب شمس ذلك اليوم حاصرت الدبابات والمصفحات البريطانية مبني المحافظة بسبعة آلاف جندي بريطاني مزودين بالأسلحة, ومدافع الميدان, بينما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لايزيد علي ثمانمائة في الثكنات وثمانين في المحافظة, لا يحملون غير البنادق. عند دخول الضباط دار المحافظة في الصباح الباكر ليلحقوا بالجنود أوقفهم اكسهام وهو علي رأس تلك القوات التي تحاصر المحافظة وكان من بين الضباط اليوزباشي مصطفي رفعت واليوزباشي عبد المسيح مرتضي وانذرهم بالتسليم فورا وإلقاء السلاح وانه تم تجهيز قطار بمحطة الإسماعيلية لنقل الجنود إلي القاهرة وان السلاح سيرد إلي الحكومة المصرية. ولكن بعد سنة, ومنح لتنفيذ ذلك خمس دقائق. وجاء رد مصطفي رفعت علي اكسهام قائلا: لا أعرفك وأنا أتلقي الأوامر من رؤسائي وليس منك فأعاد اكسهام إنذاره بأنه بعد خمس دقائق سيأمر قواته بإطلاق النار وأنهم سيبادون جميعا ورد عليه مصطفي: بوصفنا ضباطا فنحن قبل ذلك مصريون ولا نترك شبرا من الأراضي إلا أمواتا ومضت خمس دقائق وانطلقت النيران في السادسة صباحا وبعد مرور خمس ساعات من إطلاق النيران علي الجنود كانت الدار قد ضاقت بمئات القتلي والجرحي ولم تكن معدات الإسعاف كافية. وخرج مصطفي رفعت من دار المحافظة وما أن ظهر ببابها الخارجي حتي أوقف العدو إطلاق النار فقد اعتقد اكسهام انه خرج يطلب التسليم وتقدم مصطفي حيث يقف اكسهام خلف مصفحة يحيط بها ضباطه ومراسلو الصحف الأجنبية وقال له اكسهام هل رجعتم لرشدكم وهل انتم تستسلمون؟ فرد عليه مصطفي رفعت إنما جئت لأطلب الإسعاف للجرحي, ولكن اكسهام رفض وعاد مصطفي رفعت ليذكره بقوانين الحرب بخصوص الجرحي وانه عند دخوله هذا المكان لن يتسلم إلا جثثا هامدة. عاد مصطفي رفعت إلي دار المحافظة وفي الساعة الثامنة نفدت آخر طلقة وتهدمت دار المحافظة بفعل قنابل الدبابات وتكسرت أنابيب المياه فانطلقت لتغرق كل شيء وبعد ذلك صدرت الأوامر بالتسليم وخرج مصطفي بمفرده وكان إلي جانب اكسهام الجنرال ماتبوس الذي قال: ما قام به هؤلاء لم يشهد له مثيلا طوال المدة التي قضاها في الحرب العالمية الثانية سواء في شمال ايطاليا أو في فرنسا وطلب مصطفي منهم الإبقاء علي العلم المصري مرفوعا فوق مبني المحافظة هذا ما آمنوا به ووقر في ضمائرهم فنقشوا بطولاتهم كالوشم علي جبين التاريخ.. ففي يناير1951 سجل أبناء الإسماعيلية وضباطها البواسل أسماءهم بحروف من نور علي قائمة الشهداء لتتعانق أرواحهم مسلم ومسيحي مع أرواح زملائهم الفدائيين الذين حرموا العدو الراحة في القناة بنسف قضبان خط السكك الحديدية والقطار الذي كان يحمل جنود الاحتلال والسلاح والذخيرة ليشهد مساء الجمعة الموافق25 يناير1952 إعلان وزارة الداخلية عن طريق دار الإذاعة أنباء مجزرة الإسماعيلية التي حدثت في ذلك اليوم وأسفرت عن مقتل خمسين من رجال البوليس وإصابة نحو ثمانين وهدم مبني المحافظة. لمزيد من مقالات كوثر زكى