صلاح عيسي: الوقت ليس مناسبا للمصالحة وعلي الجماعة إزاحة قادتها.. تهاني الجبالي: المحاسبة السياسية أولا حتي لا تتكرر' الثورة'.. عصام شيحة: العدالة الانتقالية علي رأس أولويات البرلمان المقبل. لم يكن مطلب المصالحة الوطنية وليد موجات العنف الأخيرة التي عصفت بالوطن عقب إسقاط نظام الإخوان, بل هو- لمن لا يتذكر- مطلب قديم عمره ثلاث سنوات تعود لما بعد سقوط نظام مبارك, ولما لم تتحقق المصالحة' الأولي' وحالت أعمال العنف دون الشروع في' الثانية', فضلا عن الاتهامات التي طالت أخيرا شباب' يناير' بالتآمر ضد الوطن, كان الحصاد في النهاية مشهدا سياسيا مأزوما عنوانه التربص والتشكك والتخوين والأحكام القاطعة, وتفرق المصريون شيعا في وقت لا يحتمل فيه الوطن أي انقسام أو كراهية, فهل مع الذكري الثالثة لثورة يناير يحين وقت' لم الشمل' لكل من لم يتورط في دم أو فساد أو خيانة, أما دعاة العنف ورعاة الإرهاب وداعموه فلا مجال أساسا للتفكير في سلام معهم. المستشارة تهاني الجبالي التي كانت واحدة من خبراء الأممالمتحدة لإتمام المصالحة في جنوب أفريقيا- ركزت علي نقطة رئيسية وهي: المحاسبة أولا وقالت' لابد حتي تتحقق المصالحة من طرح ثلاثة أسئلة وهي: ما الذي حدث وكيف حدث ومن المسئول, أي ببساطة كشف الحقيقة التي هي حق الأجيال القادمة حتي لا تتكرر أخطاء الماضي, وكشف الحقيقة قد يكون من خلال لجان مستقلة تتكون من شخصيات لها اعتبارها في المجتمع تقوم بدراسة الآثار التي ترتبت علي نظام الحكم الذي تمت الثورة ضده, وذلك علي جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية, بحيث تصل اللجنة الي وثيقة تكون بمثابة حصانة تاريخية ضد الأخطاء, فلا تضطر الأجيال القادمة لفعل الثورة من جديد. ثانيا- والكلام للجبالي- ليس بالضرورة أن يكون القصاص جنائيا وإنما سياسيا, و الإدانة السياسية لا تعني فقط العزل السياسي وإنما يجب أولا تقديم الاعتذار للشعب عما ارتكب في حقه, وتضيف المستشارة' لدينا تجربة ذاتية وكنا سباقين في هذا المجال بعد ثورة يوليو من خلال ما عرف بقانون الغدر الذي حدد توصيفا لجرائم الفساد السياسي والاقتصادي وتم تطبيق عقوبات مدنية كالعزل من المنصب الوظيفي أو مصادرة الأموال التي تم جنيها بطرق غير مشروعة أو المنع من المشاركة السياسية لمدة معينة. بعد ذلك يأتي التصالح والتسامح علي المستوي الاجتماعي والشعبي تجاه كل من انتمي تنظيميا أو حزبيا لتلك القوي السياسية التي أضرت بالبلاد, وتأسف الجبالي لعدم تطبيق مبدأ المحاسبة السياسية بعد ثورة يناير مما عزز حالة الاحتقان بين شباب الثورة, اذ تم الاقتصار علي المحاسبة الجنائية دون السياسية وهو ما أدي للاشتباك مع القضاء وتكرر ذلك إلي حد كبير بعد ثورة يونيو, والكرة الآن في ملعب الحكومة من خلال وزارة العدالة الانتقالية, لكنها لم تقدم بعد أي تصور لعملها.. من ناحيته انتقد الحقوقي نجاد البرعي رد الفعل الذي يواجه به كل من ينطق بكلمة المصالحة, مؤكدا انه لا تصالح مع من ينتهج طريق العنف بما في ذلك التظاهر العنيف, لكنه مع ذلك يشدد علي ان المصالحة لن تتحقق الا اذا كان الطرف الآخر راغبا في ذلك, فمن استغل أموال الشعب ونهبها لكنه مستعد لإعادتها يمكن العفو عنه, المهم ان تبادر الحكومة وتثبت ان الطرف الآخر هو من يرفض. وقال مختتما حديثه' علينا ان نغسل الثوب المصري كله ولابد ان نعلم جميعا ان المصالحة ببساطة تعني ان نغفر لكن لا ننسي حتي لا تتكرر اخطاء الماضي'.. علي الجانب الاخر يري الكاتب والمؤرخ صلاح عيسي ان الوقت ليس مناسبا بعد للبدء في تلك الخطوات وربما يكون كذلك بعد استكمال خارطة الطريق, وانتخاب نظام حكم جديد برئيس وبرلمان وحكومة. ويتابع عيسي' الشق المتعلق بجرائم المال العام او العنف او التخابر مع الدول الاجنبية خارج نطاق اي تصالح, ويبقي الجزء المتعلق بالمصالحة السياسية, فنحن الآن لدينا وثيقة الدستور وكل من يقبل بها نفتح معه باب الحوار.. النغمة السائدة حاليا حول عودة' الفلول' ونظام مبارك, كانت محل انتقاد من قبل عيسي اذ وصفها ب'الكلام الفارغ' وقال بوضوح' اي مواطن ايا كان انتماؤه الحزبي او السياسي من حقه ان يمارس العمل العام مادام لم يتورط في جريمة مما تم الإشارة إليها, ومن يرفضه فليصوت ضده في الانتخابات العامة,لكن كما يري عيسي فان مفهوم المصالحة الآن ينسحب بشكل طاغ علي جماعة الإخوان المسلمين مقارنة بنظام مبارك, بسبب فداحة ما ارتكبته وما تقوم به من مقاومة للخطوات التي تتم الان, وتحريضها علي التدخل الأجنبي واعتمادها علي شبكة من الإعلام الكاذب وتشهيرها بالخصوم السياسيين والمشكلة انها لا تقر بما جري في30 يونيو او بالاستفتاء علي الدستور ولا تريد الاعتراف بان نظامها ارتكب أخطاء سياسية جعلت معظم من صوتوا لصالحها ينقلبو ضدها, لكنه يتصور انه في الفترة المقبلة سوف تنقلب قواعد الجماعة وشبابها علي القيادة الحالية وتنشأ قيادة جديدة يمكن التحاور والتصالح معها, بشرط الالتزام بالأسس التي اقرها الدستور وعلي رأسها منع الخلط بين ماهو ديني وسياسي وبين الدعوي والحزبي.. رغم إقراره بان المصالحة بين أبناء الوطن الواحد فكرة محمودة وجيدة الا ان عصام شيحة- عضو الهيئة العليا لحزب الوفد- يؤكد علي ضرورة إتمامها علي أسس وإلا سيترتب عليها نتائج غير محمودة, و تلك الأسس هي ببساطة قواعد العدالة الانتقالية التي تم تطبيقها في جنوب افريقيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية والمغرب وغيرها, وأولها الاعتراف بالخطأ الذي تم ارتكابه في حق الوطن و مؤسساته و شعبه, يصاحب ذلك المصارحة والمكاشفة بالاخطاء, ثم تتم المحاسبة والمحاكمة العادلة, ويترتب علي ذلك ما يعرف بجبر الضرر لكل من أضير بسبب ممارسات النظام الذي تمت محاكمته, ويضيف شيحة' يجب الأخذ في الاعتبار انه لا يمكن الإقدام علي أي خطوة للمصالحة دون موافقة الشعب المصري لأنه طرف خاصة ان خصومته لنظام المرشد أكبر من خصومته تجاه نظام مبارك, وأعتقد ان الوقت سيحين عند تشكيل البرلمان والذي سيكون من مهامه الرئيسية إعداد قانون للعدالة الانتقالية والذي بدوره سيحدد قواعد عامة مجردة تطبق علي كل من أفسد الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية في مصر, اما الان فالوضع ليس ملائما بعد, ومن يتحدث عن المصالحة من الحكماء يصطدم بالرأي العام لان الدماء لم تجف بعد'..