وسط أجواء مضطربة, ومناخ يموج بالتحريض علي العنف, والإرهاب.. انطلقت قبل أيام, المصالحة الوطنية والعدالة الاجتماعية من رئاسة الجمهورية برعاية الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور, وبحضور معظم الأحزاب والقوي السياسية, باستثناء الطرف الأصيل في الأزمة وهو جماعة الاخوان وذراعهم السياسية( حزب الحرية والعدالة), وبقية الأحزاب المحسوبة علي تيار الإسلام السياسي ومن أبرزها حزب النور الذي يفرض شروطه في كل مناسبة, رغم أنه لم يشارك في ثورة25 يناير, ولا في ثورة30 يونيو. والسؤال: كيف ستتم المصالحة في ظل غياب الطرف الرئيس فيها وهم جماعة الإخوان وحزبهم السياسي.. وكيف ستتحقق المصالحة دون تطبيق القانون علي المحرضين, ودعاة العنف, ودون القصاص من القتلة؟.. وهل ستنجح المصالحة في لم الشمل, وإزالة الاحتقان, وعودة جماعة الاخوان إلي الصف الوطني مرة أخري؟.. وكيف يمكن أن تتم المصالحة الوطنية علي أسس سليمة تؤتي ثمارها, ولا تجعلها مجرد إجراء شكلي, بلا قيمة, بل يمثل مضيعة لوقت المشاركين فيها ليس إلا. الثأر من القتلة النائب السابق حمدي الفخراني نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية يقول إنه لا مصالحة في وجود دماء, ومن ثم فإنني ضد المصالحة, لأن الشعب المصري لديه ثأر من كل من تلطخت أيديهم بدماء أبناء الوطن الأبرياء العزل, ولذلك فإنه مهما تبنت رئاسة الجمهورية أو أي جهة أخري مبادرات للمصالحة قبل تقديم الجناة للمحاكمة- فإنها لن تثمر عن أي نتائج حقيقية, مشيرا إلي أن المحاكمة يجب أن تسبق أي حديث عن المصالحة, كما أن كل من تلطخت أيديه بالدماء أو شارك بالتحريض علي العنف وقتل المتظاهرين, يجب محاكمته وفقا للقانون الطبيعي, وبعدها يمكن أن نتحدث عن مصالحات وطنية. مصالحة مرفوضة في حين يتساءل النائب السابق علاء عبد المنعم عضو جبهة الإنقاذ الوطني عن جدوي المصالحة مع أناس يروعون الآمنين ويشترطون عودة الرئيس المعزول من أجل إنهاء أعمال العنف والقتل في الميادين والشوارع, مشيرا إلي أن المصالحة مع هؤلاء مرفوضة, لعدم إمكان تحقيقها علي أرض الواقع, وكذلك لعدم وجود أرضية مشتركة للحوار, أنهم يريدون أن يأتيهم الشعب خاضعا, وأن يقبل بشروطهم وفي تقديري- والكلام للنائب علاء عبد المنعم- فإن الحديث عن المصالحة وسط هذه الظروف يمثل محاولة للتهدئة, وتوصيل رسالة للخارج بأن النظام الجديد بعد ثورة30 يونيو يسعي للمصالحة وعدم الاقصاء, بينما لا تستجيب جماعة الإخوان لهذه المبادرات, ولذلك فإن المصالحة في هذه الاجواء ومن وجهة نظري هي مضيعة للوقت. المحاسبة والمساءلة العدالة الانتقالية يجب أن تسبق المصالحة الوطنية.. هكذا قال لنا المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق, مشيرا إلي أن تجربة المصالحة التي أجراها نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا, كانت تقوم علي التعايش بين البيض والسود, ونبذ العنصرية, بينما الامر مختلف تماما في مصر, لان المصالحة في مصر لا يمكن أن تتم إلا بعد تطبيق قواعد المحاسبة والمساءلة, وتقديم مرتكبي جرائم العنف والمحرضين عليها إلي المحاكمة, مشيرا إلي أن أعضاء التيارات الإسلامية وعلي رأسهم جماعة الإخوان لابد أن يلتزموا بقواعد الوطنية والمواطنة, والشرعية والدستورية والقانونية, فالمصالحة ليست مجرد اجتماعات يصدر عنها بيانات سياسية, لكن لها آليات, وقواعد يجب أن يلتزم بها الجميع, وإذا كان الاخوان والاسلاميون هم المعنيون اساسا بالمصالحة فكيف ستتم المصالحة بدونهم؟.. ولذلك فإنني أعتقد أنهم لن يقبلوا باي جهود للتهدئة والتصالح مالم يتم اجبارهم عليها. الإخوان والأرض المحروقة! في حين يري المفكر القبطي والبرلماني السابق جمال أسعد أن المصالحة لا بد أن تسير في إطارها الصحيح, وجماعة الإخوان لن تقبل بالمصالحة قبل تنفيذ شروطها بعودة الرئيس المعزول, وهذا لن يحدث.. باختصار هم يريدون إما كل المكاسب أو كل الخسائر, ولانهم أدركوا أنهم خاسرون وأنهم لن يحققوا أي مكاسب, فقد قرروا اتباع سياسة الأرض المحروقة, لتدمير كل شيء حولهم, بعد أن أدركوا بعد فوات الأوان- أنهم لم يخسروا حكم مصر فقط, لكنهم خسروا مشروعا تاريخيا إخوانيا عالميا لن يستطيعوا تعويضه. والحال هذه, فإن المصالحة يجب من حيث المبدأ أن يسبقها عدالة انتقالية تشمل محاكمة المحرضين, وممارسي العنف ثم نجلس للمصالحة علي ارضية واسعة من الفكر المشترك القائم علي أن مصر لا يمكن أن يحكمها فصيل واحد, والإيمان بأن مصر للمصريين, ويجب علي أعضاء جماعة الإخوان اعادة تقييم افكارهم ورؤاهم, وتقويم قياداتهم والخطط والبرامج السياسية التي أدت إلي سقوطهم, لكي يتواكبوا مع الواقع, وأن يضعوا في اعتبارهم أنهم مجرد فصيل سياسي مصري مثله مثل الفصائل السياسية الأخري. شروط واجبة النفاذ المصالحة- في رأي نبيل زكي عضو المكتب السياسي لحزب التجمع- هي كلمة مطاطة تعطي معاني شديدة السلبية عن اعتقادات خاطئة بإمكانية التصالح مع ارهابيين وتكفيريين, ويتساءل: ما الأسس التي ستقوم عليها المصالحة؟.. فإذا كان المقصود بالمصالحة مع متهمين بالتحريض والقتل, والاعتداء علي الممتلكات والمنشآت العامة, فانه لا يمكن التصالح مع هؤلاء, مشيرا إلي أن الإخوان يريدون تعطيل عودة الحياة الطبيعية إلي مصر, وعودة البلاد إلي نقطة الصفر, وهذا لن يحدث مهما فعلوا.. لابد اولا- والكلام مازال ل نبيل زكي- من محاكمة كل الخارجين علي القانون قبل الجلوس للتصالح مع الاقرار بمجموعة من الشروط والقيم منها أنه من حق اي مصري أن يؤسس حزبا سياسيا, ولكن ليس حزبا يقوم علي اساس ديني, او يكفر معارضيه السياسيين, او يحرك الفتنة الطائفية, فمن أساسيات المصالحة الإقرار بالسيادة الوطنية, واستقلال القرار الوطني, والإيمان بمبدأ المواطنة, وقيام المنافسة علي برامج سياسية, وثقافية, واجتماعية, وليس علي أسس دينية, مؤكدا أن جميع برامج المصالحة التي تمت في العالم كجنوب إفريقيا أو أوكرانيا وغيرهما لم تكن مشتملة علي جرائم تتعلق بالدم والإرهاب.