إصلاح النظام التعليمي قضية مهمة وملحة تحظي باهتمام المجتمع, ذلك أن التعليم هو الوسيلة الأساسية الناجعة للارتقاء بالأمة والنهوض بالوطن والمواطنين, وهذه بديهية تحرص الدول شرقا وغربا علي بلوغ مقاصدها المرجوة. ومن الحقائق التاريخية التي لا خلاف عليها أن مصر في طور نهضتها الحديثة إبان القرن التاسع عشر اتخذت من التعليم ونشر الثقافة أداة فعالة لتحقيق حلم النهضة, ولا ينكر أحد الدور المهم الذي اضطلع به محمد علي في هذا المضمار, ولا يجادل أحد حول أهمية البعثات التعليمية الي الخارج, خاصة فرنسا, في تعزيز امكانات النهضة التعليمية والثقافية. وفي هذا السياق, علينا أن نتذكر بكل التقدير الدور الرائد الذي قام به رفاعة رافع الطهطاوي عقب عودته من بعثة تعليمية في فرنسا, فقد اهتم بالمدارس اهتماما كبيرا, وعكف علي ترجمة أمهات الكتب الفرنسية في إطار سياسة لنشر الثقافة في المجتمع. ويكشف هذا حرص النخبة المصرية علي التعليم والثقافة, وهنا يبرز الدور الرائع الذي قام به الدكتور طه حسين, وغيره من كبار المثقفين والمفكرين المصريين. غير أن السياسة التعليمية أصابها الوهن منذ السبعينيات من القرن العشرين, وهذا مايشير اليه نفر من الخبراء, ويفسرون ذلك ضمن أسباب أخري, ببدء التعليم الخاص, واقتران ذلك بالدروس الخصوصية وعدم مواكبة عدد المدارس لعدد التلاميذ, مما أدي لتكدس التلاميذ في الفصول. وفي ظل هذه الأوضاع السلبية, افتقدت السياسة التعليمية لخطة قومية, وليس أدل علي ذلك من أن هذه السياسة كانت تتغير محاورها ومناهجها بتغير الوزير المسئول, وكذا الحكومات. وهذا تحديدا ماتناولته بالبحث والنقد لجنة التعليم بمجلس الشعب, وأوضح د. فتحي سرور رئيس مجلس الشعب أن التجارب الكثيرة التي مرت بالعملية التعليمية أدت الي عدم الثقة في النظام التعليمي, ودعا الي تحرير السياسة التعليمية من أهواء الوزراء والحكومات. عظيم.. هذا هو جوهر المشكلة, أهواء الوزراء والحكومات مما أسفر عن سلبيات عديدة شابت النظام التعليمي, وأضرته ضررا بالغا, والحل يتمثل في تضافر الجهود لوضع سياسة تعليمية قومية تواكب المتغيرات العالمية, وتلزم بها الحكومات والوزراء. وعلينا أن ندرك إدراكا واعيا ومستنيرا أن الدول الكبري الناهضة والمتقدمة يتم صنعها في فصول المدارس. وعلينا أن نفطن الي أن العالم في حركة دائبة ومستمرة.. ومن ثم علينا أن نبادر الي وضع خطة قومية للتعليم, وصولا الي مواكبة العالم في حركته الرامية الي التقدم.