كان من الممكن أن نكتفي مؤقتا بعرض رءوس موضوعات ملف لعبة الشطرنج الكبري بالتركيز علي تصاعد أهمية الدائرة الجنوبية علي امتداد المحيط الهندي. غير أن إيقاع الأحداث وتشابكها مع التعجيل من تنفيذ المشروعات الجديدة الكبري, تستحق وقفة إضافية لاستكمال دراسة هذا الملف بالغ الأهمية, البعيد القريب منا. حكومة دولة سنغافورة تعلن منذ أيام أن هناك مخاوف من انطلاق عمليات خطرة مفاجئة تستهدف الملاحة عبر مضايق مالاكا بين ماليزيا سنغافورة وإندونيسيا, وهي الملاحة التي تمثل40% من الملاحة التجارية العالمية, أي(50) خمسين ألف سفينة سنويا من بينها ناقلات البترول العملاقة التي تمد الصين بمعظم احتياجاتها, وكذا تمثل كامل احتياجات اليابان وكوريا وفيتنام وآسيا الشرقية كلها الي الطاقة, وكان قد سبق هذا التحذير تطور ملفت للعلاقات بين الهند والصين, ذلك أن بالام راجو وزير الدولة الهندية للدفاع, أرسل رسالة صداقة الي الصين, فجأة, جاء فيها: سوف يسعد الهند أن تساعد الصين للحفاظ علي الممرات البحرية الحيوية بين الشرق الأوسط وآسيا لتظل مفتوحة, وذلك بمعاونة الصين في الحفاظ عليها ضد القرصنة أو الصراعات, وقد لاحظ المعلقون الصينيون أن هناك تقارير إخبارية كشفت عن أن الهند ضاعفت وجودها العسكري علي ساحة المحيط الهندي, وذلك بإطلاق أسراب سي يو 30 من الطائرات الهجومية المتقدمة وصواريخ اجني 3 يصل مداها الي3500 كم, ان هذا التحرك في نظر العديد من الخبراء يستهدف الصين في المقام الأول( جريدة الشعب اليومية 2010/2/23), والملفت حقيقة انما هو تزامن هذين الخبرين علي مدي أسبوعين فقط, وكأن لعبة الشطرنج الكبري تحركت الي الجنوب بشكل مفاجيء تنذر بخطر مشحون بالتهديدات. وفي نفس هذا التوقيت واللحظة, تشهد الدائرة الآسيوية الوسطي تحركات حادة, التهديد بإطلاق الحرب ضد إيران, بعد العراق وأفغانستان, يواكب مهزلة محاولة استئناف المفاوضات بين الدولة الصهيونية والقيادة الفلسطينية, بينما العمل قائم علي قدم وساق لتهويد القدس وقطاعات واسعة مما تبقي من فلسطين العربية, والملفت أن رئيس إيران يتحرك لزيارة أفغانستان فجأة ليعلن ضرورة التخلص من التوغل الحربي الأمريكي الي قلب آسيا, ويعرض بهذه المناسبة مساهمة إيران في إعادة بناء الدولة والمجتمع بعد جلاء القوات الأمريكية والأطلنطية, هذا بينما يتباحث الرئيس الأفغاني مع رئيس وزراء باكستان لتنسيق العمل من أجل تهدئة الصراعات المندلعة بين طالبان وحكومتي إسلام آباد وكابول. وقفة هنا لالتقاط الأنفاس ثم نعود الي شمال دائرة لعبة الشطرنج الكبري, أي الي الساحة الهائلة التي تمتد من جبال أوراس التي تفصل بين روسيا الأوروبية غربا وامتداد الاتحاد الروسي شرقا حتي المحيط الهادي. الرأي الذي بدأ ينتشر منذ تفكيك الاتحاد السوفيتي عام1991 هو أن منطقة سيبيريا الشاسعة في الشرق الأقصي كما يقولون, سوف تقع في قبضة زحف استيطاني صيني, وذلك نظرا لضآلة تعداد السكان في سيبيريا بالمقارنة الي مئات الملايين في مقاطعات منغوليا الداخلية وهيلونجيان وجيلين وليهولينج الصينية, إن دراسة الخرائط بعناية, وكذا ملف العلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين تقدم صورة ملفتة لمستقبل ساطع ممكن, تتركز آبار البترول في شرق سيبيريا في روسيا حول خط الأنابيب بين هذه المنطقة وايركوتسك في سيبيريا الوسطي, هذا بينما يتقدم العمل بإيقاع سريع للربط بين موسكو وشمال شرق الصين, وهو الخط الذي يتفرع قرب الحدود حتي ميناء فلاديفوستوك ومنه الي اليابان. اجتمع المنتدي الاقتصادي الروسي الصيني يوم13 اكتوبر الماضي, حيث تم التوقيع علي عقود قيمتها3,5 بليون دولار, وكذا الاتفاق علي عدة عمليات مهمة: شركة جاز بروم الروسية الكبري تورد سبعين مليار متر مكعب من الغاز سنويا الي شركة البترول الوطنية الصينية, هذا بينما تعمل روسيا بالتعاون مع الشركة الصينية علي بناء قاعدة تكرير مشتركة في مدينة تيانجين الصينية طاقتها انتاج عشرة ملايين طن من البترول سنويا وبناء بين300 و500 محطة بنزين علي امتداد الصين, وكذا تم الاتفاق علي استكمال بناء المفاعل النووي في تايوان بالخبرة الروسية, وإقامة عدة ترسانات لبناء السفن الكبري في ميناء فلاديفوستوك بالمشاركة بين روسيا وشركة يانتامي الصينية السنغافورية بتكلفة مليون دولار. ومن الواضح أن تداخل موجات السكان بين الصين وسيبيريا بالتواكب مع تباين الطاقة الاقتصادية والمبادلات التجارية تثير التساؤلات عند الخبراء. يلاحظ ميخائيل دبليجين, مدير الأبحاث في معهد دراسة العولمة في موسكو, إن روسيا انطلقت في سلم شركاء الصين التجاريين من المرتبة السادسة الي المرتبة الخامسة عشرة: بالأمس كنا الشقيق السوفيتي الأكبر للصين الاشتراكية, أما اليوم فلم تعد روسيا إلا شريكا صغيرا, وسوف تركز الصين قواها حول شئونها الخاصة خلال السنوات العشر المقبلة بحيث لن يتسع لديها الوقت للاهتمام بشئون الغير, ومعني ذلك أن أمامنا بعض الوقت إلا أنه, لو تم استمرارنا في حالة الركود كما في عقد التسعينيات من القرن العشرين, فسوف يزداد خطر أن تصبح روسيا صينية علي المدي الوسيط, أي أننا عندئذ لن نتحدث باللغة الصينية فقط بل واننا سوف نفكر بالطريقة الصينية أيضا. ولكن الرئيس الروسي ميدفيديف أعلن في أثناء محاضرة في خابارونسك حول التعاون الحدودي بين البلدين أن الصين تمثل واحدا من الشركاء التجاريين الذين يقدمون أزهي الرؤي المستقبلية للتعاون الاقتصادي لروسيا, وعنده أن ذلك يستلزم جذب الاستثمارات الصينية الي سيبيريا بطريقة متزايدة, ذلك أن الصين لا تمثل فقط سوقا كبيرة لاستيعاب منتجات الصناعة الروسية, وانما هي تمتلك كذلك موارد مالية عديدة جاهزة, وهو ما يؤكده الاستاذ وانج نينج رئيس معهد الدراسات حول روسيا وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطي الصيني بقوله: إن الشرق الأقصي الروسي أرض بالغة الخصوبة لكنها أرض جرداء, ولذا فإنه لولا التعاون مع الصين فإن روسيا لن تفعل شيئا. والواضح أن جوهر هذا التعاون يتمحور حول خطوط أنابيب توريد البترول من جنوبروسياوجنوب شرق آسيا الي غرب وشمال الصين مع التفرع الي اليابان, إنه خط الحياة يوازي خط السكك الحديدية العابر لسيبيريا الشهير الذي يمتد من موسكو الي فلاديفوستوك( ومعناها باللغة الروسية هو الذي يسيطر علي الشرق). انها محاور الترابط الحيوية بين روسيا والصين, وهي التي تمثل عمقا حيويا لعله المحور الحيوي بكل معاني الكلمة ل منظمة تشانجهاي للتعاون التي تجمع روسيا والصين ومعها كازاكستان وكيرجيزستان وترجيكيستان وأوزبكستان أعضاء مؤسسون كاملو العضوية منذ1965, وقد انضمت اليها كل من الهند وإيران ومنغوليا وباكستان بصفتها دولا مراقبة في السنوات الأخيرة, بينما تفكر تركيا في اللحاق بهذا الطاقم قريبا, نظرا لاهتمامها المركزي بدائرة آسيا الغربية والوسطي. قال صاحبي: هل تتجه رؤية مصر المستقبل الي المشاركة كدولة مراقبة في هذا الطالع, وقد كنا من المشاركين في صف أصحاب السبق في ألعاب الشطرنج؟... مرة أخري: أين نحن؟ ومع من؟.. وإلي أين؟... [email protected]