يبدو أن سكان جنوب السودان كتب عليهم أن يعيشوا في بؤس نتيجة تعنت بعض قادتهم ووضعهم مصالحهم الشخصية والعرقية فوق مصلحة الوطن وكأنه لا يكفي أكثر من ثلث قرن حربا أهلية راح ضحيتها مليونا انسان قبل اتفاقية السلام عام.2005 فالبلد واحد من أفقر الدول رغم ثرائه بالموارد الطبيعية, ويعيش معظم سكانه عيشة بدائية ومازال مئات الآلاف منهم لاجئين بالخارج أو مشردين بالداخل منذ حرب الانفصال عن السودان, ويحتاج لبناء بنيته الأساسية من الصفر تقريبا. كل المؤشرات تدل علي أن الحرب بين أنصار الرئيس سلفا كير ونائبه المعزول رياك مشار لن تنتهي قريبا, وأن الخلافات السياسية بين كير وقادة بارزين مثل مشار والأمين العام للحركة الشعبية المعزول باقان أموم وربيكا قرنق ولام أكول القياديين بالحركة لن تجد حلا بسهولة لاتساع فجوة انعدام الثقة بين الطرفين وعدم استعداد أي منهما لتقديم تنازلات ضرورية لنجاح مفاوضات السلام وذهابهما للتفاوض بوفدين منخفضي المستوي تحت ضغط اقليمي ودولي وبدء المباحثات المباشرة بعد أيام من الموعد المحدد ومواصلتهما المعارك في بور وملكال وبنتيو عواصم جونقلي وأعالي النيل والوحدة التي تتركز فيها حقول البترول وقبائل النوير. فتمثيل الحكومة بوفد يرأسه وزير خارجية سابق هو نيال دينق والمتمردين بقيادات عسكرية ميدانية وسياسيين من غيرالصف الأول يعني عدم تفويضهما بالموافقة علي شيء الا بعد الرجوع الي قيادتيهما والسماح بالتهرب من اتخاذ خطوات سريعة مما يطيل أمد الأزمة ويسفك دماء المزيد من المواطنين أويشردهم ليلقوا حتفهم جوعا ومرضا في الأحراش والمستنقعات. في مقدمة ما تتناوله المباحثات في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا وقف اطلاق النار وآلية مراقبته والافراج عن11 معتقلا سياسيا والخلافات التي فرقت بين رفقاء السلاح في حرب الانفصال وما طالب به مشار من فتح حساب تحت اشراف الأممالمتحدة لايداع عائدات البترول فيه ومراقبة كيفية انفاقها وما وصفها بالمجزرة ضد شعبه في جوبا.واذا كان من الممكن إسكات أصوات المدافع ولومؤقتا تحت ضغط وتهديد دول كبري كالولايات المتحدة وجارة مثل أوغندا وكينيا واثيوبيا,والافراج عن بعض أو حتي كل المعتقلين السياسيين فان الخلافات حول السلطة والثروة بين القادة المنتمين للقبائل خاصة الدينكا والنوير والشلك تحتاج الي جهود دءوبة ووقت طويل لحلها مما يبقي الأصابع علي الزناد.كما يحتاج التحقيق في المجزرة المزعومة لسنوات لتحديد المسئولين عنها ومعاقبتهم. البعد القبلي الذي اتخذه الصراع يقلق المجتمع الدولي بشدة خوفا من حرب أهلية عرقية كالتي راح ضحيتها800 ألف انسان بين الهوتو والتوتسي خلال أربعة أشهر فقط في رواندا عام1994 وتعرضت بسببها الأممالمتحدة وفرنسا للوم شديد واتهامات بالتقصير والفشل في حماية المدنيين.فالصراع في جنوب السودان يدور بين العسكريين والسياسيين من أبناء الدينكا التي ينتمي لها سلفا كير وبين نظرائهم من النوير المنتمي لها مشار ومعهم آلاف من ميليشيا الجيش الأبيض الذين اقتحموا بور عاصمة جونقلي, وطردوا قوات الحكومة منها. ولأن الدينكا متهمة دائما بالهيمنة علي السلطة والثروة علي حساب القبائل الأخري, فمن الممكن أن يتسع نطاق التمرد عليها ليضم قبائل مثل الشلك والأزاندي وغيرهما من أكثر من150 قبيلة ومجموعة عرقية تذود بكل ما تملك عن ممتلكاتها وحقوقها في هذه الدولة الوليدة.وليست بعيدة عن الأذهان مذبحة عام1991 التي ارتكبها جنود من النوير ضد2000 مدني من الدينكا في بور عندما انشق مشار علي جون قرنق قائد الحركة الشعبية وقتها. ربما كان الحل لاحتواء الوضع المتفجر بسرعة هو اطلاق سراح السياسيين الأحد عشر ووقف اطلاق النار ولو مؤقتا كبادرة علي حسن النية وكفالة حرية العمل السياسي والصحفي وحل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية موسعة والدعوة لانتخابات عامة ورئاسية جديدة خلال ستة أشهر ليختار الشعب من يحكمه بحرية.أما تهديد يوري موسيفيني رئيس أوغندا المجاورة بالتدخل عسكريا للقضاء علي تمرد مشار فلن ينهي القتال بل سينقله الي الأحراش ويزيد الأزمة السياسية تعقيدا ويضرب جهود حلها في مقتل.والضحية هو الشعب المغلوب علي أمره,لا القادة الذين عادة ما يجدون المأوي الآمن في الداخل أو الخارج. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى