حين يكون هذا المقال بين يدي قارئ الأهرام يكون العالم قد بدأ عاما ميلاديا جديدا ارجو أن يكون عام خير وبركة علي العالم كله وعلي مصرنا الحبيبة بكل مواطنيها من مسيحيين ومسلمين. وفي الأيام القليلة الماضية ذهبت لزيارة قداسة بابا المصريين الكاثوليك الدكتور/ انطونيوس نجيب وهنأته بالعيد وأحسست أن قداسته قابل زيارتي بالامتنان والتقدير. وقابلت عنده الصديق العزيز القديم الأنبا يوحنا قلته الذي حصل علي الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية. هذه هي مصر. وفي الأيام المقبلة سأذهب بإذن الله إلي بطريركية الكنيسة المصرية الأصلية الوطنية البطريركية الأرثوذكسية لكي أسعد بمقابلة قداسة البابا تواضروس خير خلف لخير سلف قداسة البابا شنودة الذي كان مصريا أصيلا وهو صاحب الكلمة الجميلة العميقة مصر ليست وطنا نعيش فيه وإنما هي وطن يعيش فينا وكان شاعرا وصاحب ملح طريفة كان يخصني قدس الله روحه بكثير منها ولن أنسي أبدا يوم دخلت أحد المستشفيات لإجراء عملية بسيطة فإذا بضابط كبير يدخل علي وأنا نائم علي سرير المرض قائلا إن موكب قداسة البابا شنودة تحرك من البطريركية قادما إلي المستشفي لزيارتي. وكانت زيارة مشهودة لا أنساها قط واحتفظ بألبوم كامل للصور التي التقطت في أثناء الزيارة. وفي مدخل منزلي احتفظ بهدية قيمة جاءتني مع قداسته. هذه هي مصر الحقيقية التي أراد بعض المضللين وضيقي الأفق والذين يفهمون الدين فهما خاطئا أن يجعلوا منها فريقين متعارضين بل متصارعين. ولكنهم فشلوا وذهبت ريحهم والحمد لله. الدين في جوهره محبة. وإذا تجرد المتدينون من نعمة المحبة فقد تجردوا من الدين نفسه. وأكبر خطأ وقعت فيه المسيحية قبل عصر النهضة والتنوير أنها جعلت من الكنيسة وصية علي الحياة السياسية وقد انتهت تلك الخطيئة علي يد مفكرين عظام من مفكري الحرية والتنوير وانسحبت الكنيسة تماما من الحياة السياسية وتفرغت لمهمتها الروحية. وهي مهمة رائعة وعظيمة. وعندنا في عالمنا العربي بدأنا بأن الإسلام دين وأن الدين ضرورة اجتماعية لبني البشر أجمعين تختل حياتهم إذا خلت من الدين ولكننا للأسف الشديد في الفترات الأخيرة بدأنا نخلط الدين بالسياسة فأسأنا إلي الدين والسياسة معا. والحمد لله أن كل التجارب الأخيرة التي خلطت بين الدين والسياسة في سبيلها إلي الانتهاء بعد أن أثبتت فشلها. حدث هذا ويحدث في تركيا التي بدأت أكثر استنارة وها هي ذي الآن تغرق في بحور من الفساد توجه إلي عدد من الوزراء. بل وإلي رجب طيب أردوغان وأسرته وتوشك التجربة علي انهيار قريب. وأيضا في تونس التي بدأت أكثر رشدا وأكثر نضجا وانتخبت مجلسا تأسيسيا لوضع الدستور وكان هناك نوع من التآلف بين اليمين واليسار إذا بها الأخري تكثر فيها الاغتيالات وتتصدع الجبهة الحاكمة وتوشك التجربة أيضا علي الانهيار. إن الدين ضرورة اجتماعية كما قلت دائما ولكن خلط الدين بالسياسة هو خلط بين المطلق الذي يبني علي اليقين والنسبي الذي يقوم علي المصالح المتغيرة في الفترات المختلفة. لقد قلت هذا الكلام ولن أمل من تكراره. فالتكرار أحيانا يكون مفيدا. لكن أتوجه إلي النخب السياسية في هذا البلد أن تحاول الارتباط بالشعب في القري والنجوع فهذا هو سندها الحقيقي. وأدعو المصريين جميعا إلي الخروج يوم الاستفتاء علي الدستور وأن لا ترهبهم دعايات مضللة. اخرجوا جميعا وقولوا رأيكم كما تحبون ولكنني ارجو أن تقولوا نعم لمشروع الدستور فهو أكثر من جيد وهو توافقي ويحمي الحقوق والواجبات ويقيم توازنا بين السلطات وإقراره سيكون بداية الاستقرار والأمن وازدهار الاقتصاد. جعله الله عام خير علي مصر كلها بكل مواطنيها. والله المستعان. لمزيد من مقالات د. يحيى الجمل