المشهد الآن يمتلئ بالعديد من المتغيرات التي تعيد تشكيل مصر بشكل جديد وتحتاج إلي نمط جديد من التعامل والإدارة, فالدستورالجديد يقترب من الاستفتاء عليه, وقوي سياسية جديدة بدأت تظهر وتتبلور وتتصدر المشهد السياسي في غياب تقريبي لكل القوي السياسية الأخري وما أصابها من تصدع وسقوط, والفكر المصري وضع نفسه في حيرة بماذا يبدأ بعد الاستفتاء علي الدستور؟ هل الانتخابات البرلمانية أم تسبقها الانتخابات الرئاسية, وقوي سياسية قديمة من عهد ما قبل يناير2011 تستعد للعودة فلم يعد للعزل السياسي مكان, وحكومة مؤقتة أفلحت في جانب وأخفقت في جوانب كثيرة وأصبحت بغير دخول في التفاصيل منتهية الصلاحية وسوف تترك وراءها أحجاما من المشكلات خاصة الاقتصادية لم يسبق لها مثيل وتضع البلاد في موقف اقتصادي حرج حتي وديعة حرب الخليج(8 مليارات دولار) لم يتركوها في حالها وامتدت إليها كلها يد الحكومة المؤقتة والتهمتها دون أن نعرف العائد منها أو ماذا بعد؟ صورة المشهد علي هذا النحو من الاختصار ليست بالسهلة او يسهل التعامل معها, وهي برمتها وغيرها من تراكمات المشكلات وفداحتها سوف تكون علي مكتب الرئيس القادم, بل وتعجل بالاختيار فمصر لم تعد تتحمل ترف الانتظار كما أن عليها فضلا عن ذلك مسئولية إقليمية عربية فهي العامود العربي الباقي وإن لم تبق قوية سوف يتفتت العرب ويتفككون وهذا غاية مراد القوي المتربصة في المنطقة وخارجها. عود إلي حيرة التساؤل عما يسبق الآخر, الانتخابات البرلمانية أم الرئاسية؟ الواقع أن كلا من وجهتي النظر لها وجاهتها في الحجج غير أن هناك من الدواعي ما يقتضي أن يكون هناك رأي آخر ثالث وهو ما سوف نكشف عنه حالا. نقطة البدء هي تكلفة إجراء الانتخابات ليس فقط المالية ولكن بالمعني الاقتصادي المتكامل من وقت وجهد ومال وهو أمر ينبغي حسابه بدقة واتخاذ قرار غير تقليدي بشأنه لأن الظروف غير عادية, وهنا نتحدث عن تأمين المقار الانتخابية من قبل الجيش والشرطة مرتين وكذا ازدواجية استخدام المقار وتعطيل المصالح والمدارس والمشاركين في الانتخابات والسادة القضاة المشرفين عليها وتضاعف الإنفاق عليها مرتين وهو نحو ثلاثة مليارات جنيه بينما مالية الدولة في أمس الحاجة إلي الجنيه الواحد, ومن هنا اقتراحنا المحدد هو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معا في الوقت نفسه, حيث تتضمن اللجنة الانتخابية صندوقين أحدهما للرئاسة والثاني للبرلمان ولا يمكن هنا الاحتجاج بصعوبة التنظيم فهي مسألة في غاية البساطة والسهولة لو أردنا, ومن شأن هذا الاقتراح ليس فقط تحقيق الوفر المالي والاقتصادي ولكن القفز علي الزمن واختصار الوقت وولادة المؤسسات حتي تستطيع البلاد أن تبدأ نشاطها وتتماسك وتسترد عافيتها. ومن المتصور أن ننشغل من الآن ونفكر في الصورة الجديدة للرئيس ومجلس النواب وما هي مواصفاتهم سواء الرئيس أو من سوف يمثل الشعب في المجلس النيابي وماذا نريد من كل منهم وكيف تبني مؤسسات قويه وجديدة لا تعتبر امتدادا للماضي ولا مجرد استكمال للصورة الديمقراطية وأن تكون أمامها مهام محددة معلنة ووفق برنامج زمني تمثل عقدا اجتماعيا بينها وبين الشعب تنتقل بمصر إلي مكانة جديدة جديرة بها في المنطقة والعالم وتحقق أحلام الناس في الثورتين. وأن يتبوأ مؤسسات مصر قيادات جديدة شابة وفاعلة وقادرة تدرك مسئولياتها وهنا ننبه إلي أهمية القيام بما يسمي فرزا لأولئك الذين يستعدون للانقضاض علي تلك المؤسسات أو بعضها طمعا في إعادة إنتاج نظام حققوا فيه مصالحهم بالتحالف البغيض بين السلطة ورأس المال. أهمية ذلك ليس فقط العمل الجاد ومواجهة كل ما هو قائم من مشكلات وملفات ساخنة فحسب ولكن القضية أكبر من ذلك وأصعب فهي لم تعد قيادة دولة وشعب ووطن له مواصفاته وسماته التي كانت قائمة قبل يناير2011 ولكنها تأتي عقب تغييرات ضخمة وهزات وزلازل تمثلت في ثورتين خلال عامين ونصف وتجربة إخوانية في الحكم لمدة عام وما جري من أحداث عديدة اتسمت بالعنف, ومن هنا فالشعب قد اعتراه تغيير كبير كما ان التركيبة السكانية تلعب دورا بارزا في تسيير دفة الأمور سواء من ناحية الهرم السكاني حيث تبرز الأغلبية الشابة أو من ناحية تشكيل الطبقات الاجتماعية وهنا تتصدر بغير مفاجأة وبشكل طاغ الأغلبية الفقيرة وسكان العشوائيات, وعلي الحاكم والمؤسسات الحاكمة إدراك أن مصر لم تعد نسيجا واحدا يعامل المعاملة التقليدية لشعب عاني من القهر والإهمال وانحصرت حياته في ذل وما تتعطف عليه الحكومة من أنبوبة بوتاجاز ورغيف خبز لايصلح إلا للماشية وترد فادح لخدمات التعليم والصحة ولحق بهما أخيرا مرفق السكك الحديدية بتوقف الخدمة ثم عودتها جزئيا وبطالة عارمة دفعت الشباب إلي احتلال الشوارع في تجارة طفيلية تدر عليهم لقمة عيش, ولذا لابد من إدراك أن التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها السنوات الثلاث الماضية لعبت دورا في إعادة تشكيل المجتمع المصري وصورته ومكوناته وسلوكياته بشكل مغاير تماما لما كانت عليه قبل يناير2011 ومن هنا فإن واحدا من أبرز الاسئلة التي تثار في غمار كل ما يجري علي ارض مصر يدور حول أهمية إعادة اكتشاف معني الحكومة ومسئولياتها ودورها الجديد بعد كل تلك التحولات. ولذلك فالسؤال تحديدا ما هو الدور الجديد الذي نريده للحكومة؟ مشكلة الحكومة حقيقة هي عدم فاعليتها ولذلك فالخطوة الأهم لضمان نجاحها هي صياغة وتحديد الأهداف المرحلية والمستقبلية وترجمتها إلي خطط وبرامج قابلة للتنفيذ. نريدها حكومة تمكين للنمو والعدالة الاجتماعية من خلال تحديد معدل النمو المطلوب واستهداف الوصول إليه وضمان عدالة توزيعه واستخدام الوسائل الاقتصادية المناسبة لتفعيل الأنشطة المختلفةوزيادة الاستثمارات وانتهاج سياسة ضغط نفقات أجهزة الحكومة وتوفير البنية والبيئة القانونية والاستقرار والأمن لاستقطاب وإعادة الاستثمارات الهاربة وبدء إصلاح حقيقي ومحاربة الفساد, ومن الأهمية بغير حدود زيادة الإنفاق علي التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. ينبغي أن يكون هناك توصيف محدد لمهام الحكومة نتصوره في ستة محاورعاجلة هي التخطيط والمتابعة والإشراف علي جميع الخدمات الصحية والتعليمية واستحداث المؤسسات الضامنة لجودة واعتماد الخدمات والمرافق الصحية والتعليمية كما تقوم بتعديل القوانين الاقتصادية القائمة بما يحقق النمو المطلوب والمحاسبة والشفافية والانضباط, وعليها كذلك وضع مختلف السياسات الاقتصادية والمالية والصحية والتعليمية والزراعية والصناعية بشكل واضح ومستقر وعادل والحد من الاحتكار وضمان سلامة استخدام موارد المجتمع مثل الأراضي والغاز والبترول. نريدها حكومة الفعل وليس حكومة انتظار توجيهات السيد الرئيس ورضا السلطان وحاشيته, نريدها حكومة تدير بالفعل ولا تدار. تلك هي بعض الملفات التي تنتظر الرئيس القادم وعليه أن يضع أولويات العمل ونظن أن أولها توحيد شعب مصر ولملمة التفكك الذي جري. لمزيد من مقالات عصام رفعت