لديه يقين راسخ بأن تنمية هذه الأمة وارتقاءها مرهون بإعادة الاعتزاز بلغتنا العربية وتقديرها حق قدرها, معتبرا أن تعريب العلوم باب رئيسي للتنمية, ويدلل علي ذلك علميا وإحصائيا. إنه د. محمد يونس الحملاوي أمين عام الجمعية المصرية لتعريب العلوم, والحاصل علي الدكتوراه في هندسة الحاسبات من جامعة( جنت) ببلجيكا, والمسجل اسمه في موسوعة الشخصيات العالمية البارزة في العلم والهندسة أمريكا29 99 في السطور التالية حوار مع د. الحملاوي بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية, الذي مر كالعادة مرور الكرام وسط قوم لايقيمون للغتهم وزنا. سخرنا من لغتنا فنال ما نالها من تراجع فاضح, كيف تري أثر الاستهزاء باللغة القومية في انسحاق الهوية؟ لقد انسحق العديد من المجموعات الإثنية في إفريقيا علي سبيل المثال وتحولت إلي مجموعات تدور في فلك الدول التي احتلتها نتيجة عدة أسباب منها تخليها عن لغاتها, وبالتالي ثقافاتها لمصلحة لغة المحتل وهو مايشير إلي التأثير السلبي لهجر اللغة القومية لمصلحة أية لغة أخري علي الهوية وعلي التنمية. ولقد جاء في تعريف الأممالمتحدة للهوية أنها تعني أولا وقبل أي شيء الانتماء إلي جماعة لغوية محلية أو إقليمية أو وطنية بما لها من قيم متميزة. إن تأكيد وتعزيز الهوية عنصر بناء لمختلف الشعوب المتقدمة التي تتطلع للتقدم.صور الاستهزاء باللغة القومية متعددة, كيف تري أخطرها؟ للاستهزاء باللغة القومية جوانب عديدة تبدأ من التعليم, حيث يؤدي عدم الالتفات إلي استخدام اللغة القومية في التعليم والثقافة إلي انسحاق الهوية وبالتالي إلي تشرذم الأمة وتفتتها, ولعل هذا أحد الأسباب التي تحافظ بها فرنسا علي هويتها ووحدتها( بصورة تتنافي مع ماتبشر به خارج فرنسا), ضد محاولات إحياء لغتي إقليمي بريتانيا والألزاس الفرنسيتين علي سبيل المثال. اللغة القومية عامل صهر لأفراد الأمة في بوتقة واحدة تدفعه للأمام. إن سلب روح العروبة( بوتقة هويتنا) من أرباب العربية في تعاملاتنا العلمية والتعليمية والثقافية والتقنية سوف يمزق أمتنا العربية لأشلاء ويجعلنا الأمة الوحيدة التي تتقطع في عصر التكتلات الكبيرة التي تتوحد علي مصالح اقتصادية, فكيف ونحن أمة واحدة نقبل بهذا المصير؟ كيف يمكن أن تكون قضية تعريب العلوم بابا إلي التنمية؟ طبقا لمؤشرات الأممالمتحدة نحن في وضع متدن علميا ولغويا وثقافيا, حيث ننتج03 كتابا جديدا سنويا لكل مليون مواطن, بينما تنتج فنلندا وتعدادها خمسة ملايين نسمة3352 كتابا لكل مليون مواطن, وعلي الجانب العلمي نجد أننا ننتج أقل من نصف براءة اختراع سنويا لكل مليون مواطن, في حين تنتج اليابان6461 براءة لكل مليون مواطن. وبملاحظة أن فنلندا واليابان في صدارة العالم تقنيا وبشريا وأن جميع دول العالم المتقدمة وعددها32 دولة يتراوح عدد سكانها بين مليونين وثلاثمائة وثلاثة عشر مليونا, تتعامل داخليا في التعليم والإعلام والثقافة والعلم والصناعة والزراعة بلغاتها القومية بلا استثناء وحيد سواء في بدايات تقدمها أو حاليا, وحين ندرك أن اللغة وعاء لمختلف أنشطة المجتمع من علم وأدب وفن وهوية, وأنها أساس لتجانس المجتمع وأن جميع الدول المتقدمة تتفاعل مع غيرها من الدول بلغتها وبلغات غيرها سوف نضع لغتنا العربية في سياقها التنموي المعرفي الذي يجمع مختلف أعمال المجتمع. وهنا لابد من تأكيد أن قضية الترجمة ومعرفة اللغات الأجنبية آلية أساسية من آليات التنمية لايمكن لأية أمة أن تتجاهلها. وعلي النقيض من ذلك نجد أن مختلف الأمم المتخلفة تنتصر لغير لغاتها في حياتها العلمية بل واللغوية! ولعلي أشير إلي ما توصلت إليه دراسة للمركز القومي للدراسات والبحوث التربوية إلي أن التدريس باللغات الأجنبية في الصغر يؤدي إلي نمو لغة أجنبية مشوهة وذات تأثير سلبي علي نمو اللغة العربية وعلي نمو الوظائف والمفاهيم والمعارف العلمية. نعلم أن لديكم يقينا راسخا بجدوي تعريب العلوم, هل ثمة معوقات تقف أمام مشروع التعريب؟ لاتوجد معوقات حقيقية ويبدو أن ما قاله ابن خلدون من أن المغلوب مولع بتقليد الغالب في كل شيء قد زحف إلي اللغة وبتنا أسري لغتي المحتل: الفرنسية والإنجليزية. ولابد أن أشير إلي أن سهولة الحصول علي المادة العلمية باللغات الأجنبية يفضي إلي أن يستسهل البعض ذلك ولايبذل الجهد لتوصيل المادة لطالب لايتقن تلك اللغة الأجنبية ولايتعايش بها, وهي سلسلة أفضت إلي أن وجدنا البعض يتخفي خلف حاجز اللغة لضحالة مستواه العلمي وعدم تمكنه مما يقوم بتدريسه وأحيانا رغبة في الاستئثار بما لديه من معلومات من خلال إلقاء طلاسم يجب استظهارها وعدم فهمها بالدرجة الكافية. وهذا كله يشير إلي مرض اجتماعي مرده عدم وجود هدف قومي ينصهر في مجراه مختلف أفراد المجتمع لتحقيقه. هناك دور للدولة تقاعست عنه وتقاعس مسئولو الجامعات ووزراء التربية والتعليم والتعليم العالي عن التصدي لهذه القضية نتيجة غياب الفكر القومي لدي غالبيتهم والشواهد علي ذلك عديدة منها التصريح لمدارس اللغات والمدارس الأجنبية والدولية والتجريبية التي شاركت الدولة فيها بالمخالفة للقانون والدستور, علي عكس الدراسات التربوية والتنموية التي أجرتها الدولة ذاتها إضافة إلي الدراسات التي قام بها أساتذة الجامعات والتي تثبت كلها خطر التعليم بلغة أجنبية علي التنمية والهوية. علي من تراهن في هذه القضية المصيرية؟ يبقي الرهان علي أستاذ الجامعة( والذي يبدو في ظاهره أنه هان خاسر) ولكن لايخلو الأمر من كبار النفوس الذين ينحازون للوطن ويطبقون منهج التنمية الحقيقية علي أنفسهم ويروجون له, والذين لايتم تسليط الأضواء عليهم وهم بطبيعة الأمر قلة, ولكن أملنا أن يستنهضوا الهمم ليشعر أستاذ الجامعة أنه قيمة في حد ذاته, ويشعر قبل ذلك أن عليه واجبا مجتمعا آن للمجتمع أن يحصل عليه. مر منذ أيام قلائل اليوم العالمي للغة العربية81( ديسمبر), كيف كان وقع مروره علي شخص مهموم مثلكم بلغة الضاد؟ كان تجديدا للهمة, مع شعور بخيبة الأمل, لأن العرب لايحترمون لغتهم في دولهم وفي مختلف المحافل الدولية مما حدا ببعض منظمات الأممالمتحدة أن تشترط لتفعيل العربية في منشوراتها أن يمول العرب الترجمات للغتهم. في هذا العام سمعنا عن عدة أنشطة للاحتفال بهذا اليوم وكأنها فورة ومتنفس للحفاظ علي هويتنا بعيدا عن معترك السياسة وأتمني ألا تكون حالة مؤقتة, وأن يتلوها خطوات جادة في تقنين وضع اللغة العربية في الحياة العامة وفي مقدمتها لغة التعليم لإصلاح ما أفسده البعد عن لغتنا القومية. وأتساءل ألا يتبادر للذهن في ظل تعدد مقاييس الهوية الزائفة حاليا, وفي وجود خلط متعمد في مفاهيم القومية والعولمة الذي أصاب المتفلسفين, أن ندرس اعتبار استعمال اللغة الصحيحة مقياسا حقيقيا للهوية؟ أليست العربية من أهم المقومات الثقافية لهويتنا؟ ألا يمكننا أن نخرج من تلك الاحتفالات بمشروع قومي لتعريب التعليم والعلوم والمعارف؟