ماذا يعني الإصرار علي عقد مؤتمر جنيف2 إن لم يكن هناك إمكانية لتطبيق استحقاقاته ومندرجاته؟ أم أن القضية لا تعدو كونها مجرد تكتيكات سياسية معينة الهدف منها الإيحاء بوجود تحرك عالمي لحل الأزمة في سورية!. ثمة تناقض فاضح ومكشوف تنطوي عليه حركة الدبلوماسية الدولية تجاه سورية, لم يعد الأمر قابلا للإخفاء, ولم تعد تنفع كل تكتيكات المناورة التي تتبعها بعض الأطراف ذات العلاقة بالشأن السوري, وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية, التي صار واضحا أنها تمارس سياسة اصطياد الفرص في مياه الشرق الأوسط العكرة, وقد باتت مكشوفة طبيعة اللعبة التي تمارسها واشنطن تجاه بعض الأطراف حيث تعرض عليهم فرصة ممارسة أدوار معينة مقابل ابتزاز تلك الأطراف وإلهائهم عن الأهداف الحقيقية لواشنطن في المنطقة والعالم. وإذ يبدو أن روسياوإيران في طريقهمالابتلاع الطعم, والدخول باللعبة الجديدة المصممة علي مقاسات أمريكية خالصة, وذلك من اجل استنفاد جهودهما في ملفات معقدة وشائكة, بالتوازي مع مساعي أمريكا لإعادة تموضعها الاستراتيجي في مناطق تنطوي علي فرص اقتصادية واستراتيجية واعدة من شأنها ترميم القوة الاقتصادية الأمريكية المتأزمة والمهددة بالمنافسة من بعض القوي الصاعدة, وهو الأمر الذي يثبت أميركا كقوة اقتصادية أساسية في عالم المستقبل. في ظل هذه المناخات ثمة مخاطر ممكنة باتت تحيق بالقضية السورية, وباتت ملامحها واضحة ولم يعد بالإمكان إخفاؤها أو السكوت عنها, حيث تقضي السياسة الأمريكية بهذا الخصوص تطبيع العلاقات مع إيران والسيطرة علي نفطها بعد أن أنهكتها العقوبات الاقتصادية وحولتها إلي طرف سهل يمكن تشفيته في المفاوضات عبر إغرائها بفتح قنوات وشرفات يظهر خلالها الأمريكيون بانهم يؤيدون سياساتهاالإقليمية, أو اقله لا يعارضونها, خاصة عبر سعيها إلي تشكيل هلال شيعي من طهران إلي سورية ولبنان, بالتزامن مع نزوع السياسة الإيرانية إلي النهج المذهبي. ما يعزز هذا التحليل, أن سورية بالحسابات الأمريكية لا تمتلك أية ميزة مهمة, لا اقتصاديا ولا اجتماعيا, فهي بلاد لا نفط فيها ولا ثروات باطنية ذات قيمة, وليس لدي شعبها انبهار بالنموذج الحياتي الأمريكي, كما أنهاكانت علي الدوام, ومنذ تشكلها ككيان سياسي ذي أيديولوجية معادية لأمريكا, ليس بالمعني الممانع المائع الذي ابتدعه نظام الأسدين, بل من منطلقات قومية وإنسانية كرستها سنوات العداء مع إسرائيل التي لم تنقطع رغم التهدئة الأسدية الطويلة. هذه الحقيقة تؤكدها التوجهات الأمريكية في مفاوضاتها مع إيران, إذ تسعي واشطن بوضوح إلي نزع قدرة إيران علي إنتاج السلاح النووي, رغم ان قدرة إيران علي بلوغ العتبة النووية امر مشكوك به, وهي تبذل في هذا السبيل كل جهودها, لكنها تمارس سياسة النعامة في مسألة الحرب الواضحة التي تشنها إيران علي الأرض السورية, فلم تكتف إيران بالاعتماد علي اذرعها كحزب الله وكتائب أبي الفضل العباس ذات التمويل والتجهيز الإيراني, بل ثبت وباعتراف مسئولين كبار في النظام الإيراني, حجم الانخراط والتورط الإيراني في الداخل السوري ومن خلال قوات النخبة التي يمثلها الحرس الثوري الإيراني الذي يتبع بدوره لولاية المرشد خامنئي. المشكلة في الاندفاع الإيراني تجاه سوريا أنه نتاج مزيج من العناصر والعوامل القومية والمذهبية والتاريخية, حتي انه يمكن المجازفة بالقول انه يشبه تلك الأسباب التي وقفت وراء احتلال اليهود لفلسطين, ناهيك عن إتباعه ذات النهج في تثبيت الاحتلال, سواء عبر تهجير السكان الأصليين أو عمليات التجنيس الواسعة التي يمارسها النظام لألاف من المواطنين الشيعة غير السوريين أو من خلال تحديد مناطق خاصة ووضعها تحت حماية, المراقد في دمشق وريفها وبعض مناطق إدلب والرقة. لم تعد قضية إيران في سوريا قضية دفاع عن نظام حليف,القضية تتجاوز هذا الأمر, كما أن المسألة إذا أخذت بهذا المعني فهي لا تستحق كل تلك الخسائر التي تتكبدها إيران وحلفاؤها في المنطقة, فما دامت عملية جنيف سوف تنتج حكومة انتقالية ترتب لتغيير سياسي يطيح بالنظام الحالي فلماذا تغامر طهران بكل هذه الإمكانيات وتغامر بخسارة الشعب السوري, وتدفع وكيلها في لبنان حسن نصر الله إلي استفزاز السوريين واستعدائهم, ذلك لا شك غباء سياسي من شأن تصديقه النوم في عسل الأوهام القاتلة. إيران تراهن بكل قوتها علي تثبيت سيطرتها علي سوريا, وهي مستعدة لإبداء مرونة كبيرة في ملفها النووي مقابل ترك يدها ممدودة في سوريا, والواضح أنها رصدت في سبيل تحقيق ذلك إمكانيات كبيرة, وتعتبر هذا الأمر درة استراتيجياتها, ذلك لأنه سيضمن لها تطويق الخليج العربي وإسقاطه في مرحلة لاحقة, ووضع تركيا بين فكي كماشة ودفعها للانكفاء وإعادة التوجه غربا. سقوط سوريا بيد إيران أهم من أي استثمار آخر, بما فيه النووي, إذ تدرك أن حلم النووي دونه عقبات كثيرة كما أن فاعليته لن تزيد علي فاعلية الكيماوي الأسدي, في ظل التفوق الإسرائيلي الهائل, فيما تثبيت السيطرة علي سوريا سيمنحها مزايا استراتيجية مضمونة وعلي مدي طويل, ولعل ما يشجع إيران علي مثل ذلك رخاوة البيئة الدولية وتقهقر النظام العربي وتفككه. كاتب سوري لمزيد من مقالات غازى دحمان