يمكن رسم الخارطة الجيو سياسية، في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي، على قاعدة التمحور السياسي القائم على الإستقطاب بين مشروعين سياسيين، يتصارعان على قاعدة متناقضة ظاهريا ونسبيا, الولاياتالمتحدةوإيران هما محور التناقض، واللتان تشكّلان أطراف هذه القاعدة الرئيسية على قاعدة الجذب والشد, ومع زيادة سعى إيران لتقوية نفوذها على المستوى الإقليمي تزامنا مع تعزيز وجودها الدبلوماسي والسياسي في العراق، في نفس الوقت التي تحاول جاهدة تثبيت أقدامها في اليمن، زاد ذلك من حدة التناقض مع مصالح أمريكا، ومن البديهي أن يؤدي هذا التنافس الى تصعيد حدة التوتر من قبل الولاياتالمتحدة على قاعدة رفض البرنامج النووي الإيراني، الذي هو بمثابة العقبة الأولى والرئيسية أمام أمريكا وإسرائيل, واللتان تعتبرانه بإمتياز ( نهر أحمر ) يحظر الغوص فيه، علما بأن إمتلاك إيران للسلاح النووي، يعمل على إرتجاج في مخ التوازن العسكري لصالح إيران في المرتبة الأولى، ثم تحالفها الإقليمي في المرتبة الثانية، ويتشكل هذا الموقف على قاعدة التناقض الإيراني الإسرائيلي، ويعزز هذا الموقف سعي إسرائيل لتأسيس الدولة اليهودية, لأنه بالطبع تكوين دولة يهودية ذات قومية واحدة، يؤكد على تحويل شكل الصراع الدائر في المنطقة إلى صراع ديني وعرقي. أما عن تراجع الطابع السياسي والقومي للصراع مع إسرائيل فيذكرني بصراع الحضارات، مما يشير الى دخول الأنظمة السياسية وشعوبها في إشكالية مصيرية حقا, لكن السياسة السورية الخبيثة تلك التي قادها بمهارة وخبث الراحل حافظ الأسد, التي حاولت جاهدة ترك بعض الحدود والخطوط والمسافات بينها وبين السياسة الإيرانية والتي من خلالها تستطيع أن تحقق مكاسب لكثير من القضايا السورية, مع الإستقلالية التامة لقراراتها, والإستفادة العامة من علاقاتها الإقتصادية مع إيران, في الوقت التي كانت فيه سوريا في حاجة ماسة لكثير من المساعدات الإيرانية, ذات الفوائد المتعددة، وهكذا فازت سوريا إقتصادياً ولم تخسر عربياً, مع بقائها في الحفاظ على إستقلالية قرارها, وهاهى الآن تخسر عربيا ودوليا في تعاملها الوحشي من قتل الثوار.. وتفجير الدار.. والحرص على الدمار.. وذبح الأحرار.. وتقطيع الصغار.. في وسط النهار.. وتشريد الكبار.. وقتل الأطفال.. وسرق الأموال.. وترميل النساء.. وفرض الشقاء.. ونسيان رب السماء.. فوصل عدد القتلى اليوم 10سبتمبر 2012 للأسف والحسرة والألم الى 25 ألف قتيل و250,000 ألف جريح (ربع مليون جريح).. قاتلك الله يابشار.
ورغم كل الجراحات التي أصابت الثورة الإيرانية جراء الحرب العراقية الإيرانية، ورغم كل التحديات والمحاولات والمناورات والمؤامرات والمراوغات العالمية والصراعات الإقليمية ضدّ الثورة الإسلامية، حافظت إيران على بعض المواقف حيال القضايا العربية والإسلامية، الأمر الذي عزز العلاقات الإيرانية السورية، وتحولت هذه العلاقات إلى أعلى درجات الوفاق والإتفاق في كثير من المواقف العدائية الأمريكية والصهيونية التي تهدد المنطقة، لذا يرتبط مستقبل إستمرار العلاقات بين البلدين بالرغبة على تطويرها وتحسينها على قاعدة التعاون والتشاور الشفاف, والإحترام المتبادل لخصوصية كل طرف تجاه الطرف الآخر, وأيضا مراعاة المصالح والمنافع المشتركة التي تحفظ الحقوق الوطنية, كما باتت العلاقات الدبلوماسية الإيرانية - السورية معبرا حيوياً لعبور العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين إيران والعرب وإنعكست إيجاباً على علاقة إيران بدول الخليج العربي ومصر، لاسيما بعد المشاركة الواسعة والفعالة للدول العربية في مؤتمر القمة الإسلامية في دورته الثامنة الذي إنعقد في طهران عام 1997، والزيارات المتبادلة بين إيران وسوريا على مختلف المستويات, وكان أبرزها زيارة المدعو القاتل المدمر بشار الأسد إلى طهران في 2001، وما أعطت هذه الزيارة من زخم جديد للعلاقات السورية الإيرانية التي شكلت ثوابت السياسة السورية ومشروعها الوطني والقومي كدولة محورية في الوطن العربي، فوقفت السياسة السورية الى جانب الثورة الإيرانية, مدفوعة بالحرص على تمكين الثورة الوليدة بالوقوف على قدميها, وتثبيت وجهتها, وترسيخ أهدافها, والحرص على نجاحها, والإستفادة من إمكاناتها وتصويبها في مواجهة العدو الصهيوني، خوفا من أن يتحول الصراع السوري - الإسرائيلي الى غير وجهته الصحيحة, فكان هذا الأساس المرجعي في التأسيس للعلاقات السورية الإيرانية المتوازنة التي تتمتع بكثير من الآفاق والإتفاق.
العلاقة الإيرانية مع أطراف تحالفها السياسي، تشكّل جسوراً سياسية لضمان إستمرار مشروعها الإقليمي، ولتدعيم موقفها السياسي والإستراتيجي مع أمريكا وأطرافها السياسية، في لحظات التأزم السياسي والدبلوماسي, لهذا فإن إستمرار شكل ومستوى العلاقات الإيرانية السورية، تفترضه سياسية القوة التي يفرضها التحالف الأمريكي الإسرائيلي، مما يؤدي لإعتماد سياسة القوة من قبل الأطراف الأخرى, وذلك لإمكانية التوصل لتسوية وضع الجولان، والحفاظ على التوازن الإقليمي في مواجهة التحالف الأمريكي. وكذك فإن إستمرار التحالف يرتبط بحاجة سوريا لسند سياسي لتقوية إستقرارها الداخلي ودورها الإقليمي, وسعي أمريكا للسيطرة المباشرة على مصادر القوة في المنطقة، وهذا يفترض تعزيز التواجد المباشر لقواتها، ويتم تبرير هذا التواجد بأسباب كثيرة أحدها حماية الدول الخليجية من خطر التهديد الإيراني. إيران تقف الآن مع الدمار والقتل من قبل الطاغية بشار الأسد, وذلك ردا على جميل الطاغية الراحل حافظ الأسد, عندما أعلن تأييده للثورة, حيث كانت سوريا الدولة الأولى التي إعترفت بثورة إيران حين بدأت إرهاصاتها الأولى تظهر ضد نظام الشاه، وقامت سوريا بدعمها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، ولم تتردد في مناصرتها, وفي الرهان على حتمية إنتصارها، وقد ربحت الرهان في نهاية المطاف. إن الموقف السوري حيال هذه الثورة لم ينطلق من فراغ، بل كما قال الديكتاتورالأسد « لقد وقفنا إلى جانب الثورة الإسلامية منذ يومها الأول، مثلما وقفت الثورة الإسلامية الإيرانية وقفة دعم وتأييد لسوريا في مواقفها », فسوريا التي رأت في نظام الشاه أداة في خدمة التحالف الإمبريالي والصهيوني، فإنها في الوقت ذاته رأت في إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية إنتصاراً ليس لإيران وشعبها فحسب، بل لمجموعة شعوب المنطقة بحكم تناقضها التاريخي مع نظام الشاه، وبحكم زوال هذا التناقض مع إيران الثورة ونظامها الجديد, وهذا النجاح فى المنطقة, سيعطي سوريا قوة ضد إسرائيل.
وقد أحدث قيام الثورة الإسلامية الإيرانية 1979 إنقلاباً إستراتيجياً في معادلة الدور الإيراني بهدف إحتواء منطقة الشرق الأوسط والسيطرة على منابع النفط، فمع إنتصار هذه الثورة إنهارت أهم قلاع الإمبريالية العالمية ممثلة, بنظام الشاه ودوره، وإنتقلت إيران من الخندق المعادي للعرب والمسلمين إلى الخندق الداعم لقضاياهم الأساسية, ويعتبر عام 1979 عام قيام الثورة نقطة مميزة، وبداية حقيقية لعهد جديد في تاريخ العلاقات الإيرانية - السورية، يختلف إختلافاً جذرياً عن العهود السابقة بأُسسه ومكوناته وشموليته وقضاياه، وأثمر عمق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تطورا إقتصادياً, حيث بلغ عدد إتفاقيات التعاون الإقتصادي والتجاري 14 إتفاقية ساهمت في تطوير وزيادة حجم الإستثمارات الإيرانية في سورية إلى نحو 5ر1 مليار دولار في مختلف المجالات. وساهمت اللجنة العليا السورية الإيرانية المشتركة في تعزيز علاقات التعاون الإقتصادي, وتم التوقيع على مذكرة تفاهم تتضمن تنشيط التعاون في مجال الشؤون المصرفية والجمارك والتخطيط والإحصاء والسياحة والصناعة والتجارة والزراعة والنقل البري والبحري والجوي والنفط والغاز والبتروكيماويات والكهرباء والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصحة والتعليم العالي والبحث العلمي والبيئة, وتضمنت المذكرة مجموعة من المشاريع المشتركة في شتى القطاعات ومشاريع صناعة الأدوية واللقاحات البيطرية والبناء والإسكان والتعمير, وتم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم وبرامج التعاون في مجالات المتابعة وتطوير الأعمال السورية الإيرانية والثقافة والشؤون الإجتماعية. وهو يهدف إلى رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين من خلال منح إمتيازات متبادلة لسلع ومنتجات سورية وإيرانية. ومن أهم المشاريع الصناعية المشتركة بين البلدين هي: مصانع إنتاج السيارات, ومصانع إنتاج الأسمنت, وبناء صوامع الحبوب. ووقع الجانبان في دمشق على مذكرة تفاهم لتوطيد التعاون والتنقيب عن البترول, وتزويد سوريا بالغاز عن طريق شبكة الغاز التركية, وساهمت النشاطات الثقافية بين البلدين في تعميق الصلة بين الشعبين, وتعريف كل منهما بحضارة البلد الآخر, الأمر الذي ساهم في نمو حجم التبادل السياحي حيث وصل إلى نحو 500 ألف سائح سنويا. وعلى الصعيد الثقافي وقع البلدان العديد من الإتفاقيات التعليمية بين الجامعات والوزارات, والتي توجت بالتوقيع على إتفاقية تأسيس جامعة الفارابي في اللاذقية من قبل جامعة تربيت, وتبادل الزيارات للنخب العلمية والثقافية والإعلامية والجامعية للإستفادة من التجارب وتبادل الخبرات بين البلدين, بالإضافة إلى قسم لتعليم الفارسية في جامعة البعث, ومركز خاص له في اللاذقية وتبادل الطلبة عبر البعثات العلمية. إذن.. العلاقات الدبلوماسية بين البلدين آفاق وإتفاق.