في تصريح مهم للسيد عادل لبيب وزير التنمية المحلية ذكر أن الدولة خصصت مبلغ سبعة مليارات جنيه مصري لتطوير كل العشوائيات في كل المحافظات المصرية. كما ذكر في التصريح أن الدولة تبدأ ب15 عشوائية في الجيزة وب30 عشوائية أخري في القاهرة بتكلفة مليار جنيه. وهما المحافظتان اللتان تشدان اليهما فقراء القري الصعيدية الاكثر فقرا أو فقراء الريف الصعيدي عامة, من الفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج علي سبيل المثال. في حين أن الاسكندرية تشد اليها فقراء الريفيين من البحيرة وكفر الشيخ ومحافظات وسط الدلتا. أتصور أن لا أحد مهما يكن انتماؤه السياسي إلا أن يرحب بالتصريح.فتطوير العشوائيات التي تواجدت وتمكنت من كردون المراكز الحضرية مثل القاهرةوالاسكندرية تحتاج بالإضافة إلي مليارات الجنيهات, فهي تحتاج جهدا ووقتا كبيرين. بالإضافة إلي احتياجها لسياسات وبرامج تخطيط تنموية بمنهاج متكامل بهدف إخراج سكان هذه العشوائيات من خط الفقر والتهميش الحياتي وادخالهم إلي شريحة المنتجين القادرين علي تطوير حياتهم وتحسينها بعملهم وبجهدهم. وفي تصريح سابق آخر للسيد الوزير قال فيه أن دولة الامارات العربية خصصت2,5 مليار جنيه مصري لتطوير عدد من القري الأكثر فقرا التي يرتفع عددها الكلي في مصر إلي الألف قرية. ولا اتصور أن التصريح الاول يبعد كثيرا عن التصريح الثاني في المضمون وهو التوجه إلي المناطق والسكان الأكثر فقرا والاكثر احتياجا للخدمات الأساسية للحياة. بالإضافة إلي أنهما لا يتقاربان في أهدافهما فحسب ولكنهمأ يترابطان من حيث التأثير المتبادل.فالتوجه الايجابي لتنفيذ القرار الثاني, أي أن التوجه نحو القري الفقيرة, سينعكس علي نتائج القرار الأول, من حيث واقع العشوائيات ومستقبلها. وكما ذكرت قبلا لا يمكن لأي مصري محب ومؤمن بمصريته وبإنسانيته أن ينكر حق التطور وتحسين الحياة لسكان الريف والحضر الفقيرين خاصة بعد قرون وسنوات الإهمال بسبب عدم وجود سياسات تنموية متواصلة تتجه إلي تلك المناطق الأكثر احتياجا. كذلك بعد سنوات من جشع المراكز الحضرية التي نمت وتطورت من فائض عمل وجهد هؤلاء الأجراء الفقراء نتيجة لافتقادنا التخطيط القومي المستدام الذي يحقق المساواة في الحقوق الحياتية الاساسية للجميع سواء كانوا في الحضر أو في الريف. وأتصور أن السيد الوزير عادل لبيب الذي مارس العمل في المحليات, سواء في محافظات ريفية أوحضرية,وامتلك تجارب جمة, علي علم بالتجارب الجادة التي سبق أن طبقت في المحليات وخاصة في الريفية منها وسواء كانت بتخطيط وجهد من الدولة أو بمجهودات المنظمات التنموية. هذه التجارب التي عندما توجهت إلي المناطق الأكثر احتياجا اتجهت في الأساس إلي تمكين السكان اقتصاديا. اتجهت هذه التجارب, بدءا من برنامج شروق الذي نفذته في العقد التسعيني من القرن الفائت الوزارة التي يرأسها الآن الوزير عادل لبيب أو الأنشطة التنموية الزراعية التي نفذتها المنظمات التنموية هادفة إلي تنظيم وتطوير النشاط الانتاجي, كما أتصور أن الوزير عادل لبيب يعلم تماما تلك العلاقة المترابطة بين علاج القدرات الاقتصادية الضعيفة لسكان القري الفقيرة وبين نمو العشوائيات الحالية أو احتمالات نشأة عشوائيات جديدة حول المراكز الحضرية المعروفة. وفي ذات الوقت أتصور أن الوزير عادل لبيب يعلم بالقطع التركيبة الادارية للريف المصري. نعلم من هذه التركيبة ان في مصر عدد يدورحول6400 قرية مصرية يرتفع عدد سكان البعض منها إلي ما فوق الستين ألف مواطن ومواطنة. تمثل هذه القري الكبيرة نسبة صغيرة من عدد القري المصرية. ولكن يدور عدد معظمها حول الثلاثين والأربعين ألفا. لا تكون هذه القري كل الريف المصري وانما يتم حصر القري بما يتبعها إداريا من توابع,نجوع وعزب وكفور. ويزيد عدد هذه التوابع علي26 ألف تابع. وعادة ما يكون سكان التوابع أكثر احتياجا وفقرا من سكان القرية الأم بسبب ضيق الحيازة الزراعية وانعدام الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات. وكل من عاش فترات الخمسينيات والستينيات يلاحظ أن ما كنا نسميها حينذاك قري استمرت تأكل من ارضها الزراعية وتحولها إلي أرض مبان وتتسع في تعدادها مما يجعلها الآن أقرب إلي عواصم المراكز كما كنا نعرفها قديما. في حين باتت التوابع الحالية أقرب إلي قري الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت تعدادا واتساعا, ولكن أقل استحواذا علي الخدمات الأساسية التعليميةوالصحية. في فترة سابقة كانت بعض الحكومات وإداراتها تتجه إلي أحد التوابع الكبيرة وتحاول ادخال التطويرعليه الذي كان يبعد كثيرا عن التمكين الاقتصادي والاجتماعي للريفيين, مدعية انها تطور القري الفقيرة. كما كان التطوير سطحيا يهدف إلي تحسين مظهر التابع أكثر من تطويرمكونه الاقتصادي والاجتماعي.فكان ذلك خداعا نرجو أن تتجنبه الخطة التي تضعها وزارة التنمية المحلية الحالية في توجهها الجديد. والقري المصرية ليست كلها نمطية ولكنها متشابهة. استجدت فيها ظواهر لم تكن تتواجد في قري الخمسينيات والستينيات. تبلورت هذه الظواهر بدءا من حقبة النفط. فالقرية القديمة التي كانت كل مبانيها من الطوب اللبن علت في بعضها المباني الأسمنتية المكونةمن عدة طوابق. تشهد القري القريبة من عواصم المحافظات والمراكز ظواهر أخري جديدة لم تكن موجودة في القدم وتحديدا قبل سبعينيات القرن الفائت وهي أن تصبح القرية مكانا للسكن بينما يتجه الساكن يوميا إلي البندر عاصمة المحافظة أو المركز للعمل. يعيش العديد من المهنيين خريجي الشهادات المتوسطة والجامعية في القرية بينما يعمل في البندر. هؤلاء أصحاب مصلحة أساسية في تطوير القرية وهم بالفعل يسهمون في ادخال بعض التحسينات والخدمات إليها. لذلك تستطيع الدولة التعاون مع هؤلاء المهنيين المتعلمين في عمليات التطوير التي يعلمونها جيدا. وفي كل الأحوال فلابد من إدماج المرأة الريفية في كل برامج التطوير والتنمية القادمة. بدون ادماجها لن تصل التنمية و التطوير إلي غايتهما التي نسعي إليها. لمزيد من مقالات أمينة شفيق