رغم أن مفاوضات تشكيل الحكومة الالمانية الائتلافية الجديدة بين المسيحيين الديمقراطيين والاشتراكيين لا تزال مستمرة في ألمانيا ولن تنتهي بحسب التوقعات سوي في اوائل الشهرالمقبل. إلا ان السؤال المهم الذي يشغل الكثيرين هو هل ستشهد سياسة المانيا تجاه مصر تغييرا ما في ضوء مشاركة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الحكومة الألمانية المقبلة أم ستستمر علي نفس النهج الذي يسير عليه وزير الخارجية الليبرالي الحالي جيدو فيسترفيله. حتي الآن لا يمكن تقديم إجابة قاطعة علي ذلك, فنحن لا نعلم بعد من سيشغل هذا المنصب الحساس, فالجديد هذه المرة هو ان السياسة الداخلية تلعب حاليا دورا اكبر في حسابات الحزب الاشتراكي خلافا للمرات السابقة وخاصة تجربته في عام2005 عندما شارك الاشتراكيون في حكومة ائتلاف كبير تحت قيادة ميركل ايضا وحينها تقلد فرانك فالتر شتاينماير مرشح الإشتراكيين الخاسر أمام ميركل في الانتخابات منصب وزير الخارجية ونائب المستشارة, في تقليد اعتادته ألمانيا منذ الستينيات من القرن الماضي, اي ان يذهب منصب وزير الخارجية مباشرة للشريك الاصغر في الحكومةالائتلافية. هذه المرة ربما يتنازل الإشتراكيون عن المنصب الذي فقد جاذبيته وتأثيره في ظل وجود ميركل كمستشارة قوية تمسك بيد من حديد بخيوط تحديد السياسة الخارجية لبلاها, خاصة وان اداء شتاينماير الجيد كوزير للخارجية آنذاك لم يؤثر في قرار الناخبين الالمان معاقبة الإشتراكيين في الانتخابات التالية لحنثهم وعودهم الانتخابية وانبطاحهم امام سياسة ميركل الاقتصادية. لذا تثار تكهنات عن أن الإشتراكيين قد يتنازلون هذه المرة عن حقيبة الخارجية في مقابل وزارات اخري تساعدهم علي تنفيذ بعض ما تعهدوا به للناخبين من عدالة إجتماعية كوزارة العمل او الأسرة فضلا عن تقلد رئيس الحزب الإشتراكي زيجمار جابريل منصب وزير الاقتصاد بصلاحيات واسعة وأن يكون نائبا للمستشارة. وربما يكون هذا السيناريو ممكنا وان يخرج وزير خارجية المانيا الجديد من صفوف حزب المستشارة انجيلا ميركل إذا وضعنا في الاعتبار رغبة ميركل في توسيع دور المانيا علي الصعيد الدولي, حيث تنص الصيغة المبدئية لعقد الإئتلاف الجديد علي ان تلعب المانيا دورا نشطا في تشكيل النظام العالي.. وان تساهم في حل النزاعات والأزمات في العالم.. وفي نشر القيم الألمانية. ولكن سواء كان وزير خارجية المانيا المقبل مسيحيا محافظا أو اشتراكيا فلابد من التأكيد هنا علي ان الحزبين معا يرغبان في التعامل مع سلطة وحكومة مصرية منتخبة في أسرع وقت ممكن. لذا اشاد الإشتراكيون من صفوف المعارضة في الصيف الماضي بقرارات حكومة ميركل المسيحية الليبرالية إثر عزل الرئيس السابق محمد مرسي. كما رحب الاشتراكيون بتصريحات وزير الخارجية الحالي فيسترفيله يوم محاكمة الرئيس المعزول مرسي الحكومة الانتقالية في مصر بأن تثبت التزامها بسيادة القانون والعودة سريعا للنظام الدستوري وأن تبدأ عملية سياسية شاملة مفتوحة امام كل القوي السياسية التي تنبذ العنف وتحترم المباديء الديمقراطية. ومع ذلك فإن للحزب الإشتراكي الديموقراطي, الذي ينتهج تقليديا سياسة اكثر إنفتاحا علي العالمين العربي والإسلامي, تصورا اكثر إيجابية لكيفية التعامل مع مصر في المرحلة المقبلة لا يقوم فقط علي ربط المساعدات والدعم لمصر بما تحققه من تقدم في المسار الديمقراطي وانما يقوم ايضا علي تقديم الدعم لمصر لتحقيق هذا الهدف. الخطوط العريضة لهذا التصور وضعها وزير خارجية المانيا الاشتراكي السابق- وربما القادم ايضا؟- فرانس فالتر شتاينماير مع خبراء الحزب تحت عنوان خطة مارشال لدول الربيع العربي. والفكرة الرئيسية التي تقوم عليها هذه الخطة كما يقول رولف موتسينيش مسؤل الشئون الخارجية في الكتلة البرلمانية للاشتراكيين هي الاعتراف مبدئيا بأن تأثير المانيا والإتحاد الاوروبي علي سير التطورات في مصر ودول الربيع العربي اصبح شبه منعدما! ولكن لأن كل ما يحدث في هذه الدول وخصيصا مصر يؤثر علي اوروبا بل يمكن ان يشكل خطرا عليها( تصدير الإرهاب وموجات الهجرة إلخ) فإن من مصلحة المانيا والإتحاد الأوروبي الإبقاء علي خطوط الإتصال مفتوحة مع اطراف الأزمة والحوار مع كل الاطراف في مصر مثلا مع الضغط للتوصل لحل سياسي للصراع الدائر وإقناع المسئولين بأن إقصاء أو تهميش تيار الإخوان المسلمين وغيره من القوي الإسلامية لن يؤدي سوي إلي تحولها لمزيد من العنف والتطرف. غير ان ذلك النشاط الألماني والأوروبي من وجهة نظر الاشتراكيين الألمان لابد ان تصحبه إجراءات حاسمة لمنع تآكل إقتصاديات هذه الدول وانهيارها, مثل التوسع في تقديم الدعم الاقتصادي وفتح أسواق اوروبا امام الصادرات الزراعية لمصر وهذه الدول وابرام إتفاقات معها لتصدير الخدمات والعمالة المتخصصة إلي أوروبا وأن المانيا تدعم تأسيس الشركات الصناعية في مصر ذات معدلات التشغيل المرتفعة لمواجهة البطالة بين الشباب. مع التوسع في الزيارات المشتركة للبرلمانيين علي ضفتي المتوسط وكذلك تنشيط الدبلوماسية الشعبية لمزيد من الثقة. ايضا يؤكد السياسي الإشتراكي البارز علي اهمية رفع مستوي التعاون بين الاتحاد الأرووبي من جهة والمنظمات العربية لإقليمية من جهة اخري مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي. اما إلي اي مدي سيتمكن الإشتراكيون من تنفيذ خطتهم في ظل حكومة تقودها المستشارة انجيلا ميركل فهذا سؤال اخر لا يمكن الإجابة عليه.