جاءت تشريعات الإسلام لتحقيق مصالح الناس, لذا أينما وجدت مصلحة العباد فثم شرع الله, ومن المعلوم أن اتخاذ القرار هو علم وضع الإسلام له ضوابط وشروطا سبق بها غيره من القواعد والمواثيق الوضعية, إذا ما التزم بها متخذ أو صانع القرار, لاشك ينصلح حال المجتمع. وقد دعا علماء الدين إلي ضرورة تطبيق ضوابط وشروط اتخاذ القرار, سواء علي المستوي الفردي او الجماعي او المؤسسي, لما يترتب علي ذلك من تحقيق المصلحة للجميع, محذرين في الوقت نفسه من إصدار القرارات العشوائية لانها تؤدي الي فساد المجتمع واهدار المال العام- سواء كانت اقتصادية او اجتماعية او سياسية أو تعليمية- ويكون ضررها أكثر من نفعها علي جميع الاصعدة, خاصة في تلك الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد حاليا. القرار, كما يقول الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر, هو اختيار بين مجموعة من البدائل لتحقيق مصلحة ما, سواء كانت عامة او خاصة, ومن المعروف ان الاسلام وضع ضوابط وشروطا علمية, وقد طبقها الرسول صلي الله عليه وسلم, وكذلك الخلفاء الراشدون المهديون من بعده وسائر صحابته الكرام رضوان الله تعالي عن الجميع, وقد اثمر تطبيق تلك القواعد والضوابط والشروط ثماره وأتي اثره في مجتمع الدولة الاسلامية بكل اطيافه وعلي كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, فكان بحق مجتمعا تأسس علي العدل والمساواة واحترام الحريات وحقوق الإنسان, ليس للمسلمين وحدهم ولكن لجميع اصحاب الديانات الاخري. المصلحة العامة وأوضح انه إذا كنا نتحدث عن مؤسسات او تنظيمات, كالوزارات والجامعات, او حتي علي مستوي الدولة والمجتمع بشكل عام, فإن القرار يجب ان يستهدف في مجمله تحقيق المصلحة العامة للجميع, وليس تحقيق مصلحة خاصة لفرد او جماعة, مشيرا إلي ان الضوابط والشروط لاتخاذ القرار قد سبق بها الإسلام, وتشمل تلك الضوابط ان يكون القرار صادرا من متخصص ملم بأركان الموضوع الذي سيتم بشأنه اتخاذ القرار, كما يجب ان يكون خبيرا بكل الابعاد المتعلقة بالقرار, ومآلاته, وما يمكن ان يترتب عليه من نتائج. ومن شروط اتخاذ القرار في الإسلام ان يكون قائما علي دراسة وافية ومتعمقة لكل الابعاد, للواقع الاجتماعي الذي يصدر فيه القرار, كما يجب ان يكون القرار ناجما عن مبدأ الشوري, مصداقا لقول الله تعالي وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين, او ان يكون القرار صادرا باسلوب وشكل ديمقراطي, بعد استشارة صانع او متخذ القرار كبار المتخصصين في المجالات المختلفة, وقد فعل ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم, في كثير من المواقف مع صحابته الكرام, لعل ابرزها في موقعة بدر الكبري التي كانت اول معركة حربية يخوضها المسلمون بقيادة رسول الله عليه الصلاة والسلام, ضد مشركي مكة, فكانت الغلبة والنصرة للمسلمين بإذن الله تعالي بعد ان اتخذوا جميع اسباب النصر, والتي كانت من بينها الشوري في اتخاذ القرار, وقد نزل الرسول صلي الله عليه وسلم علي رأي احد الصحابة في تلك المعركة الفاصلة. واشار الدكتور السمالوطي الي انه لابد هنا من التفريق بين امرين مهمين, هما, الاول: متخذ القرار وهذا يكون دائما فردا, كالوزير او رئيس شركة او مصنع او مؤسسة, او رب اسرة او حتي رئيس دولة, الامر الثاني:تشكيل القرار, فالذي يشكل القرار غير الذي يصنعه, وذلك لان مصدر او متخذ القرار, يجب ان يستشير مجموعة من الخبراء والمتخصصين, حتي يصدر القرار بشكل منهجي وعلمي, ويكون محققا للاهداف, وتكون فوائده التي تعود من تطبيقه اكثر بكثير من الاضرار التي تعود من هذا التطبيق. وأوضح أن من شروط اتخاذ القرار الناجح, انه لابد ان يحقق القرار المصلحة العامة للجميع, وليس لشخص او فئة بعينها, فاذا كان القرار في شركة او مصنع او في وزارة او حتي في الاسرة, لابد ان يستهدف مصلحة الجميع دون تمييز علي اساس الجنس او اللون او الدين, مشددا علي ضرورة ان يضع متخذ القرار في الاعتبار الثقافة السائدة في المجتمع, ومراعاة الواقع الاجتماعي له, مثل المعتقدات والعادات والقيم والاعراف والتقاليد, خاصة ان هذه الامور تكون في اغلب الاحيان منتشرة في جميع الاقاليم بصورة تعكس ثقافة كل مجتمع, ومايمثله ذلك من طبيعة معتقدات وافكار اهل هذا المكان, ومفهوم ذلك الكلام, ان يكون القرار ملائما وقابلا للتطبيق في المجتمع, فكم قرار اتخذ من صانع القرار ولم يطبق, لعدم ملاءمته ثقافة وطبيعة اهل هذا المجتمع. كما تتضمن ضوابط اتخاذ القرار توقيت صدور القرار, فقد يكون القرار صائبا, ولكن تأخره ولو لبعض الوقت قد يفقده الكثير من أهميته وقوته, مع مراعاة دائما ألا يتصادم القرار مع ثوابت الدين الحنيف, سواء الثوابت العقائدية او القيمية والاخلاقية, فإنه لايصح اتخاذ قرار-مثلا- يجمع فيه الرجل خمس زوجات في عصمته, او اصدار قرار باباحة التعامل بالربا, لان ذلك مخالف للشريعة. ويجب علي صاحب القرار مهما يكن موقعه أن يكف فورا عن قراره ويعدل عنه متي اكتشف جنوحه أو عدم صحته, أو ظهور مفسدة أكبر من المصلحة المأمولة من القرار, وذلك بالقطع يحسب لصاحب القرار وليس ضده, لأن الرجوع إلي الحق فضيلة. النتائج والآثار وعن نتائج القرارات واثرها في المجتمع سواء بالسلب او الايجاب, يقول الدكتورعبد الغفار هلال الاستاذ بجامعة الازهر: لاشك ان القرار الصائب تكون نتائجه مثمرة ونافعة للمجتمع, فكما يقال ان الامر اذا صلح اوله, صلح آخره, او مابني علي حق فهو حق, ومابني علي باطل فهو باطل, فالقارئ المتمعن والمتأمل لسيرة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم, وايضا صحابته الكرام رضوان الله عليهم, يجد كما هائلا من القرارات التي ادت الي صلاح البشرية كلها ليس في العهد النبوي او في عصرالصحابة فقط, ولكن امتد اثرها النافع الي يومنا هذا, من هذه القرارات, قرار الرسول صلي الله عليه وسلم في حديثه الصحيحمن أحيا ارضا ميتة فهي له, فلك ان تتخيل الخير الذي يترتب علي هذا القرار من اعمار للارض والصحراء الجرداء وتحقيق التنمية للجميع, وتوفير فرص عمل ومسكن للشباب والعاطلين من ابناء الشعب الكادح, وكذلك قرار الخليفة الثاني للمسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, الخاص بحق الرضيع في بيت مال المسلمين, بعد ان كان الحق للمفطوم فقط, وايضا عدم تطبيق حد السرقة في عام الرمادة الذي اشتد فيه القحط والجوع واجدبت السماء علي المسلمين, كما رفض اعطاء الاراضي المفتوحة في الحروب مع الروم للمحاربين, حتي لا يتم حرمان الاجيال القادمة من الحصول علي حقوقهم, وايضا عدم تغيب الجندي في اثناء الحرب عن زوجته اكثر من اربعة اشهر, بعد ان سأل ابنته حفصة كم تصبر المرأة علي فراق زوجها؟. واشار الي ان جميع تلك القرارات صدرت بضوابط وشروط, جعلت منها قواعد علمية لتطبيقها في كل زمان ومكان في اثناء اتخاذ القرار, وجلها قد راعي الامر الواقع واحوال الناس, مما ساعد وأسهم في نجاحها وتحقيق اهدافها وغايتها, موضحا انه علي العكس فان القرار العشوائي الخاطئ الذي لم يراع اي ضوابط ولا شروط اتخاذ القرار, فان نتائجه لاتخفي علي الجميع, من فساد وخراب للذمم وانتشار الرشوة وضياع حقوق المهمشين والفقراء, بالاضافة الي اهدار المال العام دون محاسبة ولا عقوبة, مشددا علي ضرورة نشر وتعليم الثقافة الصحيحة الخاصة بضوابط وشروط اتخاذ القرار, من خلال برامج توعية في مختلف وسائل الاعلام وقيام العلماء والمثقفين والمفكرين والائمة والدعاة بدورهم التربوي والتنويري والدعوي الصحيح.