لقد أهدي الإسلام للإنسانية أسس التعايش السلمي بين الناس والشعوب والمجتمعات وبما أن التنوع البشري سنة إلهية وإرادة الله في خلقه لقوله تعالي"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، وبما أن إرادة الله شاءت أن يكون الناس مختلفين منهم المسلم وغير المسلم, ومنهم من يتحدثون لغات متباينة, والذين يدينون بثقافات متنوعة وبما أن الجميع وسعتهم أرض الله فلابد من منهج للتعايش معا بطريقة سليمة تحفظ للجميع الحقوق والواجبات دون صراع أو عدوان أو تصادم, فالسلام في الإسلام هو الأصل في العلاقات بين كل الناس. ويشير الدكتور نبيل السمالوطي العميد الأسبق لكلية الدراسات الإنسانية وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر إلي أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يعامل كل الناس, مسلمين وغير مسلمين, باحترام لحقوقهم وحرياتهم, والنماذج علي ذلك كثيرة, فقد أجلس نحو60 من نصاري نجران في مسجده الشريف بالمدينةالمنورة ولما حان موعد صلاتهم قاموا متوجهين للشرق ليصلوا, فهب المسلمون لمنعهم, لكن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك وترك الوفد المسيحي يصلي صلاتهم المسيحية باطمئنان في مسجده عليه السلام, وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يزور جيرانه, فعن أنس أن غلاما ليهودي كان يخدم النبي صلي الله عليه وسلم فمرض فزاره الرسول فقال له أسلم فأسلم( صحيح البخاري). والإسلام يبحث عن القواسم المشتركة مع غير المسلمين التي تمكن الجميع من العيش معا في سلام وأمن وأمان حتي مع الكافرين غير المعتدين, وتأكيدا لهذا فقد أكد الرسول صلي الله عليه وسلم حلف الفضول الذي أسس في الجاهلية وكانت أهدافه سامية تتصل بنصرة الحق والمظلوم وتحقق العدل, وقال عنه النبي صلي الله عليه وسلم لو دعيت لمثله أجبت. وقد أرسي الرسول صلي الله عليه وسلم مبادئ أول دولة في الإسلام وهي بداية ظهور الأمة الإسلامية في المدينةالمنورة بعقد الصحيفة التي أبرمه مع يهود المدينة, يعطي اليهود كل حقوق المسلمين في الأمن والسلام والحرية والدفاع المشترك ومن بين بنوده المهمة لهم ما لنا وعليهم ما علينا وجاء فيه كفالة حرية الدين والأمن والدفاع المشترك ضد أي معتد علي المسلمين أو علي اليهود. وهذا يعني أن الدولة الإسلامية تتسع للجميع مسلمين وغير مسلمين بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية والعقلية وفي مقدمتها السلم وعدم الاعتداء وعدم خرق بنود العقد الاجتماعي الدستور الذي ينظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين. ولقد قبل النبي صلي الله عليه وسلم صلح الحديبية مع أنه جائر بالنسبة للمسلمين, وما ذاك إلا بهدف الصلح وتجنب القتال وإراقة الدماء.