جاءت أحداث الأزهر, ومشاهد التخريب التي صاحبت مظاهرات طلاب الإخوان بالجامعة, لتطرح المزيد من علامات الاستفهام حول تراجع منظومة القيم والأخلاق, بين طلاب العلم وأئمة ودعاة المستقبل. علماء الدين يؤكدون أن ما شهدته الجامعة من أحداث تخريبية يتنافي مع القيم الإسلامية, وأن طلب العلم له مكانة عالية في الإسلام, وجعله رسول الله, صلي الله عليه وسلم, بابا من أبواب الجنة وموصلا إليها فقال:( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا للجنة) وضرب لنا المولي تبارك وتعالي مثلا في طلب العلم من العلماء وآداب طلب العلم التي يجب توافرها في الطالب في شخص نبيه موسي, عليه السلام, في قصته مع العبد الصالح الخضر والتي وردت في سورة الكهف. وأوضح العلماء أن طلب العلم الشرعي من أفضل القربات وأجل الطاعات, وله آداب ينبغي أن يتأدب بها طلاب العلم. ويقول الدكتور سعيد عامر, أمين عام لجنة الفتوي بالأزهر الشريف, إن ما حدث في جامعة الأزهر ليس تعبيرا عن رأي, ولا تبليغا عما يعتقد فئة من الناس, ولكنه إفساد في الأرض, ورعب للعباد,( والله لا يحب الفساد), وأماكن العلم لها تقديرها واحترامها وإجلالها, خاصة جامعة الأزهر الشريف, رمز الإسلام في العالم كله, ويجب علي طلاب العلم أن يتأدبوا بآداب الإسلام وبآداب طالب العلم, وهذا لا يكون إلا بالأدب, فيجب علي طالب العلم أن يؤدب نفسه, وأن يهذبها, وأن يمتثل قيم ومبادئ هذا الدين الحنيف, ففي صحيح الحديث,( ليس منا من لم يجل كبيرنا, ويرحم صغيرنا, ويعرف لعالمنا حقه). وأضاف: إن المعلم أثمن درة في تاج الحياة الإنسانية, وأصبح العلم جزءا من نسيج الحياة المعاصرة, ولم يعد هناك أي ضرب من ضروب النشاط الإنساني إلا ويعتمد في تخطيطه, وتطويره علي معطيات العلم والتقنية بجامعة الأزهر, ومن رأي هؤلاء الطلاب في مشهد لا تصدقه عين المشاهد عبر التليفزيون, فلن يصدق نفسه أنه في جامعة الأزهر, فيقول لسان حاله:( هل حقا هؤلاء هم طلبة الأزهر الشريف؟!). وأوضح الدكتور سعيد عامر, أن العنف ليس من وسائل التعبير عن الرأي, وهؤلاء الطلاب أساءوا لأنفسهم أمام العالم أجمع وأساءوا لأسرهم, لأن العلم هو إدراك لحقائق الأشياء, وإدراك لما أنت مقدم عليه, والعلم نقيض الجهل, وإن لم يدرك الطالب ما يفعله فهذا نقيض للعلم, والعلم الذي يدعو إليه الإسلام هو العلم الشامل بشقيه الديني والمادي, أما الشق الديني فهي العلوم التي مصدرها الوحي, ويعني بأمور العقيدة والقيم والتصور العام للوجود والنفس الإنسانية, ونظام المجتمع, وكيف تتعامل مع الآخرين, وكيف تفيد المجتمع, ويحيي الضمائر ويغرس الفضائل, ويوفر الأمن والأمان علي الدماء والأموال والأعراض, فضلا عن أنه يعصم الفكر من الانحراف, ويحول دون استخدامه في التدمير والعدوان, ففي الدعاء المأثور كما روي الإمام مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي( اللهم إني أعوذ بك من أربع: من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع), ويتعجب مما حدث قائلا: إذا كان الطالب لا يوقر العلماء أو العلم الذي تعلمه, أو يدرك أن الحرم الجامعي له قدسيته, فكيف يكون حاله بعد أن يصبح مسئولا أو معلما أو داعيا ؟!. تواضع طلاب العلم من جانبه يقول الدكتور مؤنس إبراهيم, رئيس قسم اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية, إن طالب العلم يتصف بما نستمده من كتاب الله وسنة رسوله, صلي الله عليه وسلم, أن موسي وهو نبي ورسول وواحد من أولي العزم عندما تباهي بعلمه عاتبه الله وذكر له من هو أعلم منه, فهذا يدلنا علي أن طالب العلم يجب أن يكون مهذب النفس, طاهر القلب, متواضعا, يخفض جناح الذل لمعلمه, لذا عندما توجه الكليم موسي عليه السلام, ليلتقي من هو أعلم منه ليتعلم, وقف أمامه خاشعا لا متبجحا ولا متعاليا مخربا مدمرا, يحكي ربنا في سورة الكهف موقفه أمامه وانكساره أمام أستاذه قائلا:( هل أتبعك علي أن تعلمني مما علمت رشدا)؟ فهذا هو الخلق والأدب والتواضع, فكيف لمن تحلي بهذه الأخلاق أن يعتدي علي معلمه, ويعتلي الأسوار, ويخرب الأبنية والجدران, ويلطخ الحوائط, بل إنهم يدمرون ويحرقون مكانا تعلموا فيه, وليست هناك شعارات نرفعها في قلوبنا غير التوحيد بالله, قال الله تعالي:( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)( سورة البينة), وقال صلي الله عليه وسلم:( كن عالما أو متعلما ولا تكن الثالثة فتهلك) والثالثة هي الجدل الذي نعيشه الآن, يقول النبي, صلي الله عليه وسلم, ياغلام إني أعلمك كلمات,( يحفظها ويرويها ابن عباس رضي الله عنهما):( احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, واعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, ولو اجتمعت علي أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفت الصحف), ويقول الله تعالي:( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها). ضوابط حرية التعبير من جانبه قال الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم, عميد كلية أصول الدين بأسيوط, إن حرية التعبير مكفولة للجميع, ولكن بضوابط ومعايير لايجوز الخروج عنها, وليس معني ذلك إباحة التظاهرات في كل وقت وفي كل مكان وعلي كل شيء, فحرية التعبير أيضا لا تعني تعطيل سير العمل بأي حال من الأحوال, لأن تعطيل العمل ليس من الإسلام, بل هو جريمة في حق المتسبب فيها. لذا فيجب علي جميع الطلاب أن يلتفتوا إلي مذاكراتهم ومحاضراتهم ومستقبلهم, ومن يرغب في ممارسة عمل سياسي أو نشاط حزبي فليمارسه خارج أسوار الجامعة, حتي لا يؤثر ذلك بالسلب علي سير العملية التعليمية. وأوضحت الدكتورة مهجة غالب, عميدة كلية الدراسات العربية والإسلامية بنات بالقاهرة, أن الجامعة مؤسسة تعليمية رسالتها وهدفها الأول هو الدراسة وتحصيل العلم قبل أي شيء آخر, وإذا كنا حقا نحب بلدنا كما يردد المتظاهرون من أبنائنا فعلينا أن نترجم ذلك إلي عمل فالطالب الذي يحب بلده عليه أن يجتهد في تحصيل دروسه وينتظم في محاضراته ويساعد زملاءه, لا أن يكون أداة تعطيل وصخب وفوضي, بما يحدثه من تجمعات وتظاهرات تشتت ذهن الآخرين بالصوت العالي. من جانبه دعا الدكتور جمال خباز عميد كلية التربية بتفهنا الأشراف, الطلاب إلي إعمال العقل والنظر إلي مصلحتهم بالانتظام في المحاضرات والبعد عن التظاهرات والمهاترات التي لا تخدمهم في رسالتهم التعليمية, وأشار إلي أن الطالب هو الخاسر الأول من استمرار تلك التظاهرات, فضلا عن تعكير صفو الوضع العام بالبلاد بما يمكن أن تؤدي إليه التظاهرات من اشتباكات ونحو ذلك.