في صمت وهدوء تماما مثل شخصيته الوادعة.. رحل إبراهيم أصلان.. رحل( مالك الحزين) كاتب الرواية البديعة التي لاقت اعجابا وتقديرا لدي النقاد والقراء علي السواء، وجعلته منذ اليوم الأول.. يضع قدما ثابتة وراسخة في عوالم الرواية العربية..لم يتحمل الرجل الرقيق الحس والمشاعر المرض.. ثلاثة أيام قصيرة قضاها في المستشفي ورحل بعدها تاركا خلفه حزنا عميقا وحبا وتقديرا له من أصدقائه ومحبيه وتلاميذه وكل من أتاحت له الظروف الاقتراب منه والتواصل معه.. يدهشك حقا هذا الرجل النبيل, ذو القد النحيل, وصاحب المحيا المبتسم دائما, والنفس الصافية القادرة علي الحب والعطاء والتواصل في بساطة آسرة.. تدهشك تلك الطاقة الفريدة من الحب التي يملكها في قلبه ونفسه: حب الحياة وحب الناس والرغبة في تقديم يد المساعدة والعطاء اللامحدود لمن يخطو أولي خطواته في درب الكتابة.. كتاباته تشبه تماما شخصيته.. بسيطة وعميقة في آن واحد تحمل في طياتها روحا نبيلة وعينين لا تكفان عن التأمل والتفكير في هؤلاء البسطاء المهمشين الذين يعيشون حياة فقيرة مجدبة.. يلهثون خلف رزقهم وقوتهم, وبالكاد يجدون لقمة عيشهم.. يقترب من عوالمهم.. يعايش حياتهم اليومية.. يرصد كل صغيرة وكبيرة.. هو كاتب( التفاصيل).. كاتب الحياة الواقعية بكل ما تحمل من قصص وحكايات.. كاتب( أمكنة) من الطراز الأول.. وربما من هنا تحديدا تكتسب كتابات أصلان خصوصية ودفئا.. هذا كاتب يغوص في أعماق الناس عاكسا( المكان) الذي يعيشون فيه.. فالمكان لديه لا يقل أهمية عن البشر.. كلاهما يؤصل للتفاصيل التي يعشق الكاتب رصدها في جمله وعباراته.. وكما يلتقط فنان الفوتوغرافيا صوره الفنية بكل تفاصيلها الدقيقة الواقعية يلتقط أصلان هو أيضا حكاياته من الأحياء الشعبية الفقيرة التي هي أشبه بلقطات فوتوغرافية عميقة وثاقبة وكاشفة( تصور) معها حياة هؤلاء المهمشين البؤساء.. في حي امبابة.. وتحديدا في منطقة( الكيت كات) تجول قلمه المبدع عاكسا معه لوحة فنية آخاذة لملامح وحكايات البشر في هذا المكان.. فكانت رائعته( مالك الحزين) التي صارت علامة في الأدب الروائي المصري والعربي.. يمتلك أصلان إلي جوار حسه الفني المبدع نفسا سمحة ودودة, تقترب بسهولة ويسر من قلوب الناس فهو يتفهم أوجاعهم ويشاركهم أفراحهم وانتصاراتهم الصغيرة ويتواصل مع تفاصيل عوالمهم بدفء وعذوبة, وتنعكس روحه هذه علي كتاباته وأعماله الإبداعية. في كتابه الأخير( حجرتان وصالة) وهو عبارة عن متتالية قصصية تحكي حياة زوجين عجوزين يعيشان هموم وأوجاع خريف العمر, ينفرط قلبك من كل تلك التفاصيل الصغيرة اليومية والحكايات والمعاناة التي يعرض لها أصلان والتي تحمل معها أحزان الإنسان ومخاوفه حينما يقترب من مرفأ النهاية ويشعر بأنه بات علي( هامش) الحياة.. التقيته منذ أسابيع قليلة في ردهة( الأهرام), وكان يحرص علي المجيء من وقت لأخر حينما تسمح ظروفه بذلك, سلم علي بحرارة ودفء وشد علي يدي ومنحني هذه الابتسامة العذبة التي تنير ملامح وجهه الطيب.. وداعا ياكاتب( مالك الحزين) و(حكايات فضل الله عثمان) و(عصافير النيل).. وداعا أيها الكاتب النبيل..