مع وجود حكومة جديدة يفترض فيها الشفافية والمصداقية, حتي ولو كانت انتقالية كما ينظر لها البعض, وجب عليها ان تكون صادقة ومباشرة في علاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية من الجزور وليس مثل ماكان يحدث من الحكومات المتعاقبة بعد ثورة يناير 2011 وحتي 30 يونيو .2013 حيث يجب التخلص من سياسة رتق الثوب كأسلوب للحل. وهو الأمر الذي دفعني إليلفت نظر الوزارة الي ضرورة تقسيم المشكلة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية إلي شقين, الأول الاختلالات الاقتصادية التابعة والتي تتمحور في: أولا, ركود اقتصادي امتد أكثر من عامين أفضي الي معدلات بطالة وصلت إلي 13%, ثانيا; معدل نمو للناتج القومي أقل من4%, ثالثا, تضخم في الأسعار وصل العام الماضي إلي أكثر من 11% والشهر الماضي فقط, ونتيجة ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه بأكثر من20%, إلي2.5% تضخم حقيقي, رابعا; انخفاض معدل الادخار العائلي الي 11% (وهو من أقل معدلات الادخار بين دول العالم الآخذة في النمو) خامسا, عدم توازن واضح بين الأجور والأسعار, سادسا, عجز مزمن في الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات والميزان التجاري. الأمر الذي ينذر بتحول الركود إلي كساد كامل ما لم تقف الدولة بشجاعة في مواجهة تلك الاختلالات التابعة من خلال حل جذري لأصول المشكلة الاقتصادية والذي يعرف بالاختلالات الهيكلية. الحل يبدأ من خلال نظرة عميقة في هيكل الاقتصاد المصري الذي بات واضحا وجود خلل هيكلي يعرقل أي سياسة اقتصادية, ما لم تعالج من منظور قومي شامل أولا, وضع ضوابط تحكم النظام الاقتصادي في المرحلة القادمة (وهو ما لم ينص عليه الدستور المعطل او مشروع الدستور الحالي 2013), إننا في حاجة إلي الحفاظ علي آليات السوق الحر المنضبط إلي جانب قطاع الأعمال العام (الذي يؤدي دور اجتماعي مهم في هذه المرحلة) مع تدخل الدولة من خلال السياسات المالية والنقدية في الاقتصاد للحفاظ علي التوازن الاقتصادي والاجتماعي, حالة غياب آليات السوق والمنافسة الشريفة. ثانيا; الإبقاء علي القوي الاقتصادية الوطنية والأجنبية المنتجة والتي تجمع بين البواعث الفردية وحقوق العاملين. ثالثا, ارثاء قواعد عدالة توزيع الدخل القومي وتحقيق التوازن الداخلي والخارجي (ولكن ليس علي حساب الفقراء), علي اساس ان كل فرد يدفع نصيبه العادي في فاتورة الدولة, رابعا, رفع مستوي التعليم العام والتعليم المهني (مع الحفاظ علي مجانية التعليم علي كل المستويات واستمرارها للمتفوقين) بمعناها الحقيقي, خامسا, إعادة هيكلة الجهاز الإنتاجي وترتيب أولويات تقسيم القطاعات الانتاجية مثل الزراعة والصناعة والسياحة والتشييد والبناء.... الخ, ولن يتحقق ذلك إلا من خلال صياغة نموذج اقتصادي مختلط يوفق بين قوي السوق الحر وتدخل الدولة, حيث يجمع بين الطابع الاجتماعي المحقق (للعدالة الاجتماعية) والطابع الرأسمالي (المحقق للربح الفردي العدل غير المستغل او المحتكر), في ظل تخطيط شامل (ملزم للقطاع العام) وتخطيط (إشرافي للقطاع الخاص المحلي والأجنبي) ويستلزم ذلك إصلاح ثلاثة محاور أساسية: أولا: إصلاح السياسة المالية; من خلال هيكلة منظمة الضرائب علي أن تحقق العدالة الضريبية من خلال منهج الضرائب التصاعدية ولكن ليس علي حساب محدودي الدخل, بل علي حساب القادرين إعمالا لمبدأ (التضامن القومي المالي) سواء كانت ضرائب مباشرة أو غير مباشرة. والنظر في آليات توزيع الدعم (للحد من تسربه) مع الحفاظ علي دعم السلع الأساسية حتي وإن أثر ذلك علي عجز الموازنة مرحليا. ثانيا: إن كل النجاحات التي قد سبق وحققتها السياسات النقدية في العشرة أعوام الماضية, فقدتها (نفس الإدارة المسئولة عن السياسة النقدية) في أقل من عامين, وذلك لسببين الأول, محاربة ارتفاع سعر الدولار والثاني, الركود الاقتصادي الذي تطلب ضخا نقديا في الأسواق مع عدم وجود تدفقات جديدة كافية. الأمر الذي يتطلب وبسرعة استقطاب قروض خارجية (عربية أو أجنبية) شريطة أن تكون متوسطة أو طويلة الآجل. وذلك لضخ أموال جديدة في الأسواق لدفع عجلة الاستثمار والتنمية. ثالثا: استكمالا لدور السياسة المالية والسياسة النقدية الواجب إصلاحهم هيكليا يجب أن يأتي دور الاستثمارات الجديدة علي أوليات الاصطلاح الهيكلي, فلا يتصور لدولة أن تنمو أو تتقدم بدون ضخ استثمارات جديدة (من الداخل أو الخارج) وعليه يجب إعادة النظر في كل قوانين الاستثمار الحالية لتعدل وفقا لمعطيات المرحلة الجديدة. ثم إعادة النظر في التعامل مع قضايا إهدار المال العام أو التهرب الضريبي أو التعثر الائتماني وتبني سياسات التصالح وفتح باب الرد والتعويضات ولإلغاء فلسفة الحكم بالسجن (إلا في القضايا ذات الطابع الجنائي منها) وهذا يهدف لخلق مناخ استثماري مشجع لعودة المستثمرين المصريين إلي العمل مرة أخري في السوق من جديد في ظل ظروف تحقق العدالة لكل المتعاملين, شريطة ألا تفقد مصر أي حق من حقوقها. إن مثل هذه الحزمة من الإجراءات الهيكلية, وإن كانت سوف تتحقق ما بين ثلاثة إلي خمسة أعوام, إلا أن البدء فيها الآن وحتي قبل انتخابات البرلمان الجديد سوف تؤتي ثمارها الأولي علي الفور من خفض أثر الاختلالات التابعة التي سبق ذكرها ونعاني منها كل يوم علي مدي العامين الماضيين. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب