تعيش المجتمعات العربية في حالة من التخبط وإزدواجية المعايير فيما بتعلق بالمرأة فتسلبها حقوقها مع استقرار الأوضاع, وتعترف بدورها الرائد وتمجده وتوظفه وقت الحاجة.. يعلق الرجل أخطاءه علي شماعتها ثم يلجأ إليها فقط حين تضييق به السبل بعد أن يدرك أنها الوطن والملاذ.. يستعين بها في مقدمة المظاهرات كدرع لا يكسر, حيث ترفض أي قوات أمن شريفة التعرض لها أو التضحية بها كما يفعل من يستغلونها, ويستخدمها وهو خلف القضبان لتسيير وتوجيه من بالخارج كما يحدث حاليا في مصر.. وفي كل دور يكتبه لها القدر تنجح بتفوق. فها هي ترتدي الزي العسكري وتمسك بالسلاح وتنزل إلي ساحة المعارك في قلب سوريا لتثأر لموت الإبن أو الزوج أو لتدافع عن حلم الحرية البعيد.. تتعلم من فنون القتال ما يعجز عنه الرجال إيمانا بدورها ليست فقط كأم إنما كمواطنة يجب أن تشارك في ثورة شعبها.. قد يستغل البعض هذا الدور ويوجهها في الطريق الخاطئ كما حدث من تنظيم القاعدة في سوريا,عندما دعا المجاهدات إلي ما يسمي بجهاد النكاح- مقتصرا دورها العظيم في عمل مشين يسلب كرامتها وعزتها ولا يبقي منها سوي نفس ذليلة تحاول نسيان الماضي. القتال شيء والنقاب شيء آخر ففي الفترة الأخيرة قررت جبهة النصرة- فرع تنظيم القاعدة في سوريا- الاستعانة بالنساء في حربها ضد النظام.. ونسي مجاهدي التنظيم حديثهم عن عورة المرأة ومحاولاتهم الدائمة لتهميش دورها. الآن والآن فقط أصبح لها دورا, وأصبح الاستعانة بها في الصفوف الأمامية ضرورة ملحة.. بعد أن كان مجرد خروجها من البيت جريمة تعاقب عليها, فمنذ أيام تداولت المواقع الإلكترونية صورا لكتائب نسائية تنتمي للمعارضة السورية.. ظهرن يرتدين النقاب والملابس العسكرية ويحملن بنادق كلاشنيكوف بعد أن أطلقن علي أنفسهن كتيبة أمنا عائشة. وتقولإحدي المشاركات في الكتيبة- في حديث لإحدي القنوات السورية- أنها انضمت للكتيبة لإعلاء كلمة الله في الأرض ولتكون عونا وسندا للمجاهدين في صفوف الجيش الحر. وكتيبة أمنا عائشة لم تكن الأولي فقد سبقتها كتائب تم تشكيلها من نساء في عدة محافظات سورية تقاتل بجانب الجيش الحر.. ومن أبرزها كتائب بنت الوليد ورابطة حرائر دير الزور.. هذا بالإضافة لنساء حمصيات أعلن بشكل فردي حملهن للسلاح لمقاتلة النظام.. فها هي ثويبة كنفاني مهندسة بترول تركت عائلتها وجاءت من كندا إيمانا منها بأن الجهاد بجانب الجيش الحر هو الوسيلة الوحيدة لإسقاط نظام الأسد. أما القناصة جيفارا قناصة حلب- كما يلقبونها- فهي مدرسة لغة إنجليزية(63 عاما)تحمل دائما بندقية فن فال كلاشنيكوف معدة للقنص تجلس علي كرسي أسود تم إخراجه من أحد المكاتب المدمرة, ثم تختبئ لتترصد جنود الأسد.. لم تنس جيفارا أبدا كونها امرأة يجب أن تحافظ علي مظهرها.. فهي ترتدي سترة عسكرية وبنطلون( جينز) وتنتعل حذاء كاكيا منسجما جدا مع ألوان الحرب.. ترتدي الحجاب وتضع( المكياج) بالإضافة إلي النظارة الشمسية ذات الإطار الأخضر. وعنما سألت عن إصرارها علي المشاركة في الحرب علي النظام أرجعت سبب تطوعها للعمل مع الجيش الحر لمقتل الكثير من طلابها علي يد قوات الأسد خلال مظاهرة مناهضة للنظام. أما في حي الشيخ مقصود شمال حلب اتخذن المقاتلات السوريات من صالون نسائي لتصفيف الشعر كوافير مقرا لهن.. وقائدة المجموعة وعمرها92 سنة واسمها انجيزيك تقود مجموعة من المقاتلين من الرجال والنساء.. انجيزيك لا تؤمن بالحياة العائلية- فالثائرات لا يتزوجن بل يكملن حياتهن في ساحة القتال- وهي تتجول في شوارع الشيخ مقصود بصحبة اللاسلكي والمسدس علي صدرها.. وتري أن المرأة السورية عليها القيام بثورتين الأولي علي النظام والثانية علي المجتمع الذي لا يزال يعتبر المرأة قاصرا أو عنصرا ليس له دور سوي الاهتمام بالبيت ورعاية الأطفال. وفي المقابل يستعين الرئيس السوري بشار الأسد بكتائب نسائية في حربه ضد المعارضة.. الكتائب أطلق عليها اسم لبؤات الدفاع الوطني, وتم تدريبهن علي استخدام السلاح والبنادق واقتحام الحواجز في محاولة من النظام لسد تلك الفجوة داخل الجيش السوري بسبب كثرة الانشقاقات. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية فأنه علي الرغم من أن واجباتهن تبدو مقتصرة علي المراقبة في نقاط التفتيش وحراسة الأحياء التابعة للنظام, إلا أن وجودهن علي مداخل تلك المدن يجعلهن في الصفوف الأولي للمعركة.. وشبهتهم الصحيفة كتائب الأسد النسائية بتلك اللاتي كن يحرسن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي والذي اشتهر بإحاطة نفسه بالنساء واضطهاده للإسلاميين. وفي الشمال تدار معركة أخري أبطالها فتيات كرديات جميلات تحاربن مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة.. وتدور المعركة حول بلدة قريبة من الحدود السورية التركية نظرا لتمتعها بموقع استراتيجي مهم وتحكمها في عدة طرق تؤدي إلي الحدود.. وحتي الآن فإن مقاتلات الفصائل الكردية كسبن جولات المعركة في رأس العين وتمكن من طرد عناصر جبهة النصرة التابعة للقاعدة من البلدة بعد أن قاموا بتخريب بعض البيوت والمحلات بحثا عن الكحول, وفرض النقاب علي النساء خلال تجولهن في الشوارع. جهاد النكاح حقيقة مؤلمة وبينما تبتكر المرأة وسائل عديدة للدفاع عن الوطن ظهر نوع أخر من الجهاد ابتدعه تنظيم القاعدة في سوريا يسمي بجهاد النكاح بعد أن صدرت فتوي مجهولة المصدر تجيز ذهاب المرأة إلي سوريا لممارسته مع عناصر التنظيم في جبهة النصرة للتخفيف عن مقاتليه. وللإسف نجحت القاعدة بمساعدة عناصرها الإعلامية في الترويج له.. وبالفعل ذهب مئات التونسيات كمتطوعات إلي الأراضي السورية لممارسة جهاد النكاح, هذا بالإضافة إلي نظائرهن السوريات والعراقيات.. وكلهن رجعن بقصص بشعة لا يستطيع العقل تصورها, وذلك بعد أن أيقن أن ما يحدث هناك أبعد ما يكون عن الجهاد أو الإسلام, بل هو ستار لنوع من الدعارة الدولية يمارسها تنظيم القاعدة. القصص مؤلمة وغريبة وأبطالها فتيات لم تتعد أعمارهن81 عاما أجبرن علي معاشرة عناصر القاعدة من مختلف الجنسيات ممن كانوا يتناوبون عليهن من خلال جداول تعلق أول كل أسبوع.. وانتهت قصص جهادهن المزور في سوريا بالهروب من شبح الموت بعد أن شاهدن رجال القاعدة يقتلون رفيقات الجهاد رميا بالرصاص بعد أن انتهت مهمتهن وعلموا بوجود وافدات جدد. معظم الفتيات عدن إلي بلادهن يحملن أطفالا لا يعرفون من آبائهم بالإضافة إلي أمراض ستنهي حياتهن وهن في عمر الزهور, أما من كتب الله لها النجاة, ستظل الذكريات المرة تؤرقها وستقضي باقي سنين العمر في الحسرة والندم لأنها ببساطة هي من ختارت أن تكون من مقاتلات النكاح.