أحدث أسرار سيناء وادي جديد اسمه السر والقوارير يسبح فوق دلتا تجري عكس دلتا النيل, تقع بين جبل المغارة وجبل الحلال الذي يترقب عمليات تحريره خلال ساعات, كشفت عنه دراسة علمية بين جامعة بوسطن وجامعة الأزهر,ويشرف عليها الدكتور فاروق الباز, تقدر مساحة الوادي الجديد بنحو330 كيلومترا مربعا. فسيناء واجهة مصر الشمالية الشرقية المهمة منذ عهد أجدادنا القدماء وضحي في سبيلها الكثير من أبناء الوطن. وبرغم هذا وعلي مدي 30 عاما مضت لم تنل حظها من التنمية الحقيقية بسبب الفراغ الأمني الذي راعي تحقيق أمن إسرائيل أولا واقتصرت التنمية فقط علي مدن ساحلية في الجنوب وظل الشمال يعاني قلة الموارد وسوء الأوضاع الاقتصادية. مع إن الحقائق تقول إن شمال سيناء من أفضل المناطق علي مستوي الجمهورية التي يمكن تنميتها بشكل مستدام باستخدام مصادر المياه الجوفية المتجددة لان المنطقة تستقبل أعلي معدل للأمطار في مصر بأكملها. سألت العالم الجيولوجي الكبير الدكتور فاروق الباز قبل استعراض نتائج الدراسة ماهي حكايتك مع سيناء وهل صحيح أنها سبب قربك من الرئيس السادات؟ فرد مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن, ببساطته المعهودة: كنت معجبا عن بعد بشخصية الرئيس السادات لكن هذا الإعجاب تحول إلي صداقة بسبب اهتمامه ودعمه لإنماء سيناء في العصر الحديث, وبدأ بالفعل التخطيط لعدد من المشاريع في السبعينيات وبداية الثمانينيات بمعرفة الوزير القدير المهندس حسب الله الكفراوي ومنها استزراعأراضي في سهل القاع بجنوب غرب سيناء باستخدام المياه الجوفية. وهنا تأتي أهمية الدراسة العلمية التي تفتح أملا لدخول سيناء عصر تحول الأحلام إلي حقائق مع اقتراب إعلان سيناء خالية من الإرهاب, بعد الحملة الشاملة التي يقوم بها الجيش والأمن المصري لتطهيرها من بؤر الإرهاب التي تسللت إليها بفضل العزلة والإهمال معززا بغض الطرف من النظام الإخواني الذي سرق مصر كلها لمدة عام حتي قامت ثورة يونيو. الدراسة التي تحمل الأمل لسيناء مع المناخ السياسي الجديد, بدأت في التسعينيات عن شمال سيناء بمجموعة علمية من معهد الصحراء والمساحة الجيولوجية ومركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن تحت إشراف الدكتور عادل البلتاجي وكيل وزاره الزراعة في ذلك الوقت. نتج عن هذه الدراسة تحديد أودية شمال سيناء وتاريخ تطورها واقتراح استزراع أراضيها باستخدام مياهها الجوفية. مع إن نتائج هذه الدراسات ظهرت في كتاب أصدره مركز الصحراء ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ. لابديل عن المياه الجوفية وهنا تأتي أهمية الدراسة العلمية المستفيضة لشمال سيناء كرسالة لنيل درجة الدكتوراة للباحث مصطفي أبوبكر بجامعة الأزهر وبتعاون مشترك مع جامعة بوسطن تحت إشراف العالم الدكتور فاروق الباز. أوضحت الدراسة أنه لا بديل عن استخدام المياه الجوفية المتجددة كواحدة من أهم المصادر الطبيعية للحياة في سيناء. علاوة علي ذلك, فشمال سيناء تمثل مكانا مثاليا لتنمية زراعية وسكانية فهي تتميز بمناخها المعتدل وتعتبر قريبة نسبيا من المدن المزدحمة بالسكان مثل العريش ومدن قناة السويس. الفكرة الرئيسية من الدراسة تتلخص في اقتراح البدء في تنمية زراعية مستدامة في منطقة السر والقوارير باستخدام المياه الجوفية المتجددة و باستغلال مياه الأمطار الموسمية والتي تمثل أعلي كمية للأمطار في مصر بأكملها. استندت فكرة هذا المقترح إلي نتائج الدراسة في المنطقة والتي تم نشرها في أحد أهم المجلات العلمية في هذا التخصص. هذه النتائج أظهرت للمرة الأولي المجري المندثر والبحيرات القديمة لوادي العريش والتي كانت مليئة بالماء في العصور المطيرة التي انتهي آخرها منذ ما يقرب من 5000 سنة. اعتمدت الدراسة علي دمج بيانات الصور الفضائية والتأكيد الحقلي بمعدات الجيوفيزياء والدراسات الميدانية, بالإضافة إلي معالجة وتفسير مجموعة واسعة من بيانات صور الرادار التي أظهرت أن المجري القديم لوادي العريش كان يتدفق غرب جبل الحلال ويمر بمنطقة السر والقوارير بطول حوالي110 كيلو أمتار وعرض مجراه يتراوح ما بين 500-3000 متر. رسوبيات هذا النهر القديم تم اكتشافها تحت غطاء رقيق من الرمال. إضافة الي ذلك تم تحديد3 مواقع لبحيرات قديمة تكونت في منخفضات خلف جبال خريم وطلعة البدن والحلال والتي يعتقد احتواؤها علي المياه الجوفية. اقترحت نتائج الدراسه شق قناة بطول2 كيلومتر وعمق 6 أمتار عند وادي أبو سويير, جنوب غرب طلعة البدن, لكي توصل المجري الحالي لوادي العريش بمجراه القديم. هذه القناة سوف تحول مسار مياه السيول الموسمية الي منطقة منبسطة غرب جبل الحلال بها حولي 350 ألف فدان صالحة للاستصلاح الزراعي. هذه المنطقة تمثل أرضا واعدة للتنمية الزراعية بما فيها من كميات كبيرة من التربة الصالحة للزراعة. علاوة علي ذلك, فإنها تحتوي علي مياه جوفية ذات معدل ملوحة منخفض نسبيا, كما أن خزانات المياه الجوفية العميقة في الحجر الرملي النوبي توجد فيها علي عمق قليل. إعادة توجيه مسار السيول سوف يساعد علي الحد من الآثار السلبية المدمرة للسيول علي مدينة العريش ويزيد من استغلال مياه الأمطار, مما يسهم مع النهر الجوفي في توفير حياة مستقرة لأهل المنطقة في إنشاء قري ومدن تعتمد علي الاستثمار والإنتاج الزراعي, لقطع الطريق علي التجارة المحرمة التي تتخفي وراءها مافيا التهريب وتجارة السلاح والمخدرات, وكذلك التطرف باسم الدين الذي يجعل المنطقة وأهلها في أيدي العصابات الوافدة. وقد أظهرت الأبحاث ان كمية الأمطار التي هطلت علي شمال سيناء في يناير 2010 تقدر بأكثر من 220 مليون متر مكعب من المياه وأدت الي هدم 780 منزلا و قدرت خسائرها بحوالي25 مليون دولار, إضافة لضياع معظم المياه في البحر. نزيف المياه العذبة في البحر القناة المقترحة سوف تقلل من مخاطر السيول المدمرة علي مدينة العريش, وتزيد استفادة المجتمع من الأمطار الموسمية بدلا من فقدان ملايين الأمتار المكعبة من المياه العذبة في البحر. كما أن تحويل مسار السيول سوف يسهم في زيادة تغذية مياه الأمطار للخزان الجوفي والذي يؤهل ارتفاع منسوب المياه الجوفية ويساعد علي تجدد الخزان. كذلك أوضحت الدراسة أن سد الروافعة الذي يحمي مدينة العريش حاليا لا يصلح علي الاطلاق, فمكان السد بعد مضيق جبل الحلال( ضيقة الحلال) يجعل من الصعب السيطرة علي السيل بعد زيادة سرعته وتركيزه, كما أن سعة التخزين القصوي للسد هي 5 ملايين متر مكعب في حين أن السيول التي عبرت السد وأضرت بالعريش في ذلك الوقت تزيد علي أربع أضعاف هذه السعة. لذلك فلا بد أيضا من إضافة سد جنوب ضيقة الحلال للحد من مخاطر السيول مستقبلا. كما أن تخزين المياه جنوب جبل الحلال يؤهل تجديد خزان المياه الجوفية في شمال سيناء علي وجه العموم. ويأمل الباحث الدكتور مصطفي أبو بكر أن تؤدي نتائج هذه الأبحاث العلمية الجديدة إلي أن تساعد الحكومة علي التخطيط للعبور الجديد من التخلف إلي تنمية شبه جزيرة سيناء, وربما تبدأ القوات المسلحة المصرية في تنفيذ العمل المقترح لارساء المناخ الصالح لانماء سيناء الشمالية.