رؤية مشوشة ومغلوطة هي تلك التي يراها العالم من بعيد في صورة مصطنعه كاذبه ومشوهة تكونت عن طريق الخطأ وتسيء للإسلام والمسلمين وطريقة تفكيرهم ومنهج حياتهم.. المسلمون بشر طبيعيون وأسوياء لهم أحلامهم المشروعة ولهم فضائلهم وقيمهم الأخلاقية ولهم عقولهم التي تمكنهم من التمييز بين الأصدقاء والأعداء. الأصل في الإسلام هو التوازن والاعتدال في حين أن التطرف والإرهاب من الظواهر الاستثنائية والشاذة في حياة المسلمين, شأنهم في ذلك شأن بقية المجتمعات الإنسانية في أنحاء الكرة الأرضية. بهذه الكلمات تتلخص الفكرة التي يقدمها الكتاب الأمريكي من يتحدث باسم الإسلام ؟- كيف يفكر- حقا أكثر من مليار مسلم؟. الكتاب من تأليف أستاذ الأديان والعلاقات الدولية والدراسات الإسلامية الأمريكي جون إسبوزيتو والباحثة المصرية الأمريكية في شئون الإسلام والأديان داليا مجاهد. ويحاول مؤلفا الكتاب أن ينتصرا للإسلام ويصححا الرؤية الخاطئة المأخوذة عن المسلمين وهو موجه للقاريء الغربي المصاب ب الإسلاموفوبيا. عادة عندما يثار تساؤل حول هل نحن علي مشارف حرب شاملة بين الغرب ومليار وثلث المليار مسلم وعندما تبحث وسائل الإعلام عن إجابة علي هذا السؤال فإنها في العادة تتجاهل الآراء الحقيقية للمسلمين في العالم. وهذا الكتاب يمنح الجميع زاوية جديدة للرؤية غير المشوشة بما يقدمه من معلومات موثقة تكشف للعالم أن المسلمين ليسوا بهذا البؤس الذي يروج له. المسلمون في هذا الكتاب ليسوا جيوشا تشهر السيوف وتمتطي الخيول التي تتحفز للانقضاض علي الغربيين الكفار, وليسوا جماعات إرهابية نائمة تتحين الفرصة لإشاعة الخراب والدمار والترويع بين الغربيين, وليسوا كائنات أدمنت قهر النساء وإبقاءهن في سراديب الحريم, ولكنهم مخلوقات طبيعية لا علاقة لها بالصورة السلبية المرسومة لهم في الإعلام الغربي قبل أحداث11 سبتمبر وبعدها. ويخاطب الكتاب القارئ الغربي المعبأ ضد الإسلام والمسلمين بكم هائل ومتراكم من المعلومات المغلوطة والصور النمطية الزائفة, ويحاول في لغة- هي أقرب في معاييرها إلي المنطق الغربي- أن يضع أمام العقل الغربي جملة من الاكتشافات والحقائق التي تمكنه من الوقوف علي حقيقة الإسلام والمسلمين, التي غابت عن وعيه وإدراكه طوال قرون مضت. الكتاب يعد أضخم وأشمل دراسة بحثية قام بها معهد جالوب بالولاياتالمتحدةالأمريكية بين عامي2001 و2007 وشمل عشرات الآلاف من المقابلات مع الفئات العمرية والثقافية المختلفة في35 دولة إسلامية. ويناقش الكتاب ما جذور معاداة أمريكا في العالم الإسلامي؟.. من المتطرفون؟.. هل يرغب المسلمون في الديمقراطية؟.. وإذا كان الأمر كذلك ماذا سيكون شكلها؟.. ماذا تريد المسلمات؟.. إلي آخر هذه الأسئلة التي حاولت أن تعكس معها أصوات مليار مسلم من جموع الشعوب الإسلامية, وربما من هنا تحديدا تكمن أهمية بحث معهد جالوب, إذ إنه تعمد أن يقدم صوت الشعوب وليس القادة أو الخبراء والمتخصصين أو السياسيين, الذين عادة ما يقدمون الإجابات الجاهزة المصاغة في قالب جامد ونمطي, والتي لا تعكس معها بالتأكيد رأي الشعوب أو وجهة نظر الجماهير. وتحت عنوان ديمقراطية أم ثيوقراطية؟ بمعني الحكم الديني, يرصد الكتاب ما يعتبره حقائق سياسية في العالم الإسلامي تدفع مفكرين وصناع سياسة غربيين لعدم الإيمان بوجود ديمقراطية حقيقية في العالم الإسلامي. إذ يفوز الحكام في انتخابات رئاسية بصورة روتينية بنسب تقريبية تتراوح بين90 بالمئة و99.9 بالمئة. وقبل ثورات الربيع العربي فاز رئيس تونس زين العابدين بن علي بنسبة99.4 بالمئة من الأصوات في انتخابات الرئاسة في عام1999 وبنسبة94.5 في عام.2004 وأكد الكتاب أن الحكام بعد الحادي عشر من سبتمبر في بلاد تمتد من مصر إلي أوزبكستان يستخدمون التهديد من القاعدة والإرهاب الدولي, ويصفون كل معارضة بالتطرف من أجل التحكم في الانتخابات وتبرير حكوماتهم الاستبدادية, وعلي سبيل المثال يذكر الكتاب وعد الرئيس المصري حسني مبارك بإلغاء قوانين الطوارئ سيئة السمعة عندما رشح نفسه لإعادة انتخابه في أول انتخابات تتعرض فيها الرئاسة للتحدي في انتخابات الرئاسة في2005, ولكنه رجع عن وعده نظرا للمسائل الأمنية. وأثبتت الدراسة أن مواطني الدول ذات الأغلبية المسلمة يتفقون مع الأمريكيين بنسبة متساوية في رفضهم للهجمات علي المدنيين, ويعتقدون أنه لا يمكن تبريرها من الناحية الأخلاقية, وأن الذين اختاروا العنف والتطرف فإن ما دفعهم إلي ذلك هو السياسة وليس الفقر أو التدين, وعندما طلب ممن استطلعت آراؤهم أن يصفوا أحلامهم بالنسبة للمستقبل فإنهم لم يذكروا أي شيء عن المشاركة في الجهاد وهو الاسم الذي تستخدمه الجماعات المتطرفة لتبرير هجماتها- وإنما تلخصت إجاباتهم في الحصول علي وظيفة أفضل. كما تؤكد نتائج استفتاء جالوب سعة الانتشار لدعم الحريات الديمقراطية وحقوق النساء في العالم الإسلامي, وأن هناك عددا من المبادئ في التقاليد الإسلامية تدعم هذه الحريات, وأن كثيرين من المسلمين يقدرون عددا من المبادئ الديمقراطية علي الرغم من ندرة الديمقراطيات في البلاد الإسلامية, وأنه لا يري المسلمون تعارضا بصفة عامة بين القيم الديمقراطية والمبادئ الإسلامية. ولا تؤيد استطلاعات جالوب أن الوجود العسكري القوي في المنطقة سيكسب الحرب ضد الإرهاب, وتشير إلي أن الحرب الطويلة ضد الإرهاب لن يتم النصر فيها علي ساحة المعركة, ولكن بكسب ولاء الناس في المنطقة, وإذا كان من الواجب شن الحرب الفعالة علي الإرهاب, فإن الاحتلال العسكري لبلاد المسلمين يزيد من عاطفة العداء للأمريكيين, ويهبط بالسلطة الأخلاقية الأمريكية عند الحلفاء, ويسكت أصوات المعتدلين الذين يريدون علاقات أفضل. ويؤكد الكتاب أنه ليس من المحتوم أن يستمر الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي. إنه يتعلق بالسياسة وليس صداما بين المبادئ. ويري الكتاب أن الديمقراطيات أكثر استقرارا من الدكتاتوريات, ففي ظل الحكم الديمقراطي تقل الظروف المساعدة علي تنامي قوي العنف والتشدد. ويربط بين سياسة أمريكا التي يقول إنها تهدف إلي تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط وعواطف الأغلبية الهائلة من أولئك المشاركين في الاستفتاء الذين يقولون إنهم معجبون بالحريات السياسية في الغرب. ويطرح الكتاب تساؤلا: إذا كانت هناك رغبة في الديمقراطية فلماذا لم يكن الطريق إليها إذن أيسر وأسرع؟! وبدلا من تقديم إجابة عن السؤال فإنه يسجل أن الأغلبية في الأردن ومصر وإيران وباكستان وتركيا والمغرب تري أن أمريكا غير جادة في نشر الديمقراطية في هذه الدول. ويقول: إن24% فقط من المصريين والأردنيين يوافقون علي أن أمريكا جادة في إنشاء نظم ديمقراطية, في حين يوافق علي ذلك54% من اللبنانيين. ويضيف أن استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش كانت تتجه لتدعيم التحالفات التاريخية للولايات المتحدة مع الأنظمة العربية الاستبدادية. كما يستعرض الكتاب التنوع الكبير في المجتمعات الإسلامية بامتداد العالم العربي وصولا إلي جنوب شرق آسيا إضافة إلي انتشار المسلمين في الولاياتالمتحدة وأوروبا, حيث يمثل الإسلام الديانة الثانية العظمي في أوروبا, موضحا أن في العالم الإسلامي عددا كبيرا من اللغات والأعراق والعادات, وأن57 دولة يغلب المسلمون علي سكانها, وأن العرب يمثلون20% من السكان المسلمين في العالم. ويقول المؤلفان: إن فشل الحكومات في الدول ذات الأغلبية المسلمة واختطاف الحكام والإرهابيين للإسلام ساعد في تشويه صورة الإسلام في الغرب. وما شهدته الساحة السياسية المصرية فيما بعد ثورة يناير ووصول الإخوان المسلمين للحكم ثم فشلهم والإطاحه بهم هو خير أداة تساعد علي تشويه صورة الإسلام في العالم. وفي استفتاء نشر بالولاياتالمتحدة عام2006 كان لدي46% من الأمريكيين فكرة سلبية عن الإسلام. ويقول مؤلفا الكتاب: إن هجمات11 سبتمبر2001 علي الولاياتالمتحدة وما تلاها من هجمات إرهابية مستمرة في عواصم عربية وأوروبية أدت إلي تنامي الهلع من الإسلام, حتي أصبح المسلمون في موقف المذنب إلي أن تثبت براءتهم وتم اعتبار الإسلام سببا, كما أن اليمين المسيحي في إدارة بوش كان له دور في إلصاق تهمة الشيطنة بالإسلام. ويستشهد الكتاب بتصريح فرانكلين جراهام ابن القسيس بيلي جراهام وخليفته في قناة ان.بي.سي في نهاية عام2001 إذ قال: إن الإسلام ديانة شريرة جدا ومؤذية جدا. وفي سبتمبر2002 وصف القسيس بات روبرتسون في قناة فوكس نبينا محمد صلي الله عليه وسلم بأنه متعصب ذو عين شريرة علي الإطلاق وهو لص وقاطع طريق وقاتل, ولكن الكتاب يشدد علي أن الزعماء الإنجيليين لا يشتركون في هذه النظرة السلبية تجاه الإسلام, وبعضهم يعتبر هذه التصريحات خاطئة. ويسجل الكتاب فيما يشبه التحذير من وجود تشدد داخل العالم الإسلامي وخارجه, أن العالم يتوحد نحو وهم يعتبر الإسلام- لا المسلمين الراديكاليين فحسب- تهديدا للعالم, كما أن أولئك المؤمنين بصدام وشيك للحضارات ليسوا نسخا من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في العالم, ولكنهم كثيرون منا كذلك. الكتاب صدر باللغه الإنجليزية في الولاياتالمتحده في239 صفحة ليعيد للأذهان الصورة الحقيقية التي تظهر تحضر المسلمين ورقي فكرهم وسمو تعاملاتهم وليطرد الصورة الشريره عن همجية المسلمين وعنفهم وميلهم للنزعه البربرية. وعن جون إسبوزيتو مؤلف الكتاب فهو أستاذ الأديان والعلاقات الدولية والدراسات الإسلامية ومؤسس ومدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون في العاصمة الأمريكيةواشنطن. ويرأس إسبوزيتو تحرير موسوعة أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث, وكتاب أكسفورد حول التاريخ الإسلامي. وقد صدر له حتي الآن عديد من المؤلفات أغلبها عن الإسلام والحركات الإسلامية والعلاقة بين الإسلام والغرب. وساهم جون إسبوزيتو في عدد من المناظرات والمحاضرات والمؤتمرات التي تسعي إلي الحوار بين الأديان والثقافات والتخلص من التصورات الخاطئة خاصة من قبل الغرب تجاه الإسلام. وعن داليا مجاهد مؤلفة الكتاب فهي رئيسة مركز جالوب للدراسات الاسلامية والذي يقوم بابحاث وإحصاءات تتعلق بالمسلمين في جميع أنحاء العالم. وهي تعمل منذ سنوات في تقريب وجهات النظر بين المسلمين والغرب وشاركت في العديد من الأنشطة التي تهدف إلي تحسين صورة الاسلام في الغرب. وهي المسلمة الوحيدة في المجلس الاستشاري الخاص باوباما للأديان والذي يضم25 طائفة وشخصيات علمانية.