حين قرأت رواية جارثيا ماركيز عن ذلك الديكتاتور الذي قام بقتل من يعرفون تاريخه المزدحم بالخزي, وأمر بطهي جثثهم وتقديمها علي العشاء لجموع يبحث عن إرهابها لتتبعه خشية الجبروت, حين قرأت تلك السطور تذكرت أصحاب العقائد الفاسدة الذين يقومون بطهي عقول وأحاسيس أتباعهم بما يجعلهم غير قادرين علي التفكير. ولذلك لم أندهش من قدرة خيرت الشاطر علي النفاذ عبر تنظيم خاص أنشأه داخل جماعة المتأسلمين ويحركه عبر تسريب التعليمات كما نشرت بوابة الأهرام في منتصف ليل السادس من أكتوبر, يحدث ذلك وهو داخل سجنه, وحمل هذا الخبر الموثق تفسيرا لماسمعته من هذيان أحد أعضاء تحالف دعم الشرعية, وهو الاسم المدني الذي يغلف تعصب المتأسلمين الجدد, قال الرجل إن مليونية خرجت من حلمية الزيتون صباح السادس من أكتوبر2013 للمناداة بعودة محمد مرسي, ولم أندهش لقدرة تنظيمات علي إجتثاث كثير من الأمخاخ من أماكنها الطبيعية, فهذه التنظيمات وراءها سلسال طويل من لعبة صياغة وعي التابعين بمبدأ السمع والطاعة, فتكذيب الواقع الحي أمر مباح إذا ما قال كبيرهم إن من خرج من حلمية الزيتون هو مظاهرة مليونية, فعلي الأتباع تصديق ذلك, تماما كما تم من قبل من بيع وهم الرؤيا بأن محمدا صلي الله عليه وسلم صلي خلف محمد مرسي في أثناء اعتصام رابعة, وقد قيلت تلك الهلاوس لخداع البسطاء الفقراء القادمين من الريف والصعيد كي يضمنوا وجبتي السحور والإفطار الرمضاني مجانا, فضلا عن بدل نقدي مباشر, ولم ينبه أحد هؤلاء إلي أن هناك رغبة في صناعة مظلومية جديدة للجماعة, فكان بعض من القتلة المنتمين للمتأسلمين يوجهون رصاصاتهم لمن ساروا في تلك المظاهرة التي قطعت الطريق من ميدان رابعة إلي طريق المنصة, لتحلم باحتلال مطلع كوبري السادس من أكتوبر, وقد رأيت بعيوني وببطء شديد فيلما تم تصويره في أثناء تلك الليلة, وكيف كان هناك من يطلق الرصاص داخل المظاهرة علي من يسير أمامه, ومنذ ذلك الحين صرت متيقنا أن من قتل العديد من شهداء ميادين ثورة يناير من المحتمل أن يكون ضمن فريق القتلة المغسولة أدمغتهم أيضا, وطبعا لم ينبه أحد هؤلاء البسطاء إلي أن من أهم ما في تاريخ حسن البنا مؤسس تلك الجماعة هو قدرته علي التخلي عن الأتباع لحظة الخطر, فهو من قال عن قتلة النقراشي أنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين, وطبعا لا أحد فينا ينسي كيف كان صفوت حجازي يحكي في ليالي رمضان عن انتصار محمد مرسي القادم لا محالة, ثم هروبه في ملابس سيدة منتقبة عندما أحس بفض الاعتصام, وكأن هرب قادة الجماعة هو طريق نجاة أي منهم, وكلنا علمنا كيف هرب العديد من قادتهم متبرئين من كلماتهم في عصر التسجيل بالصوت والصورة عبر الجزيرة مباشر. وذاكرتي لا تنسي قدرة تلك الجماعة علي تزوير الدين وتطويع بعض من نصوصه لتكون مطية سهلة لغسل العقول. ولاأحد ينسي علي سبيل المثال لا الحصر ماجاء علي لسان وزير العدل الأسبق المستشار أحمد مكي, حين نبه محمد مرسي إلي أنه حنث بالقسم علي الولاء للدستور, بعد إصداره إعلانه الدستوري المشين والمعيب, فرد مرسي عليه وفيها إيه يعني؟؟ حاأصوم ثلاثة أيام وأعفي نفسي من هذا القسم. وأطل علينا أكتوبر هذا العام ليكون الاحتفال مختلفا, فهو احتفال بسقوط مبدأ التجارة بالدين وبتزويره الذي احترفه المتأسلمون الجدد. وهنا أتذكر كلمات لكلود جوليان وهو من أهم رؤساء تحرير الموند دبلوماتك في الثمانينيات من القرن العشرين, قال إن القرن العشرين يستحق أن يوصف بأنه حمل في طياته تأسيسا جديدا للتجارة بالدين, فضلا عن توغل التجارة بفكرة الثورة التي أقامت ديكتاتوريات هائلة كديكتاتورية هتلر وموسوليني, فكل منهم أقام من آرائه جمودا سجن فيه أتباعه ولأن كلود جوليان لم يدرس حقائق إدعاء التأسلم لم يذكر حسن البنا ضمن تلك الجوقة الذي ابتلي بها القرن العشرين. ورغم مرارة ونضج ما عشناه من أسي عبر سنوات طويلة, صار علينا أن نواجه مسئولية علاج هؤلاء المغسولة عقولهم, وأن نمنع إمداد تلك الجماعة بمزيد من المنضمين لقافلة اليأس من الحياة, ولذلك يقع علي عاتق الفريق أول عبدالفتاح السيسي رحلة بناء الأمل بشكل عملي, فمنصبه كنائب أول لرئيس الوزراء يقتضي بل ويفرض ضرورة وضع الحكومة التي هو عضو بها في صورة رسم خريطة الأمل في خطة تنمية مدروسة, فنحن كما أفشلنا خطط المستعمرين الجدد, بثورة الثلاثين من يونيو نحتاج إلي رؤية كيف يمكن أن نصنع المستقبل بعيدا عن لصوص الثورات ولصوص عقول الأجيال الشابة التي عرفت كيف تثور, ولكن لم يقدها أحد في طريق بناء المستقبل بشكل عملي, ورغم جدية كثير من أعضاء تلك الحكومة إلا أن منهج عملها ليس مشوبا بالبطء فقط, ولكن بالعجز عن رؤية طريق إلي العدل الإجتماعي وإصلاح التعليم الجامعي والعام بشكل فعال وسريع. وطبعا لاداعي لتذكير جميع الأحزاب الموجودة علي الساحة بعجزها عن الوصول إلي قاع المجتمع المزدحم بالأسي, ولذلك فالجيش لايتحمل فقط مسئولية تأسيس الأمن, ولكن من دور قائده أن يشرح الواقع لأعضاء تلك الحكومة حتي تخرج من شرنقة الوقوف محلك سر في انتظار معجزة ما. لأن صناديق الانتخابات المقبلة عليها ألا تحمل إلينا متأسلمين جددا يبيعون وهما جديدا, فليس في العمر وقت نضيعه مع تجار الدين أو تجار الثورات. لمزيد من مقالات منير عامر