سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصر أمام لحظة حقيقة .. هيكل: نعيش لحظة كسر القيد لو أن أحداً توقف أمام فوران الميدان، لأدرك علي الفور أنها لحظة الحرية.. لحظة رفض أي ملاحظة أو نصيحة، حتي وإن جاءت من جيل الآباء
لم أذهب إلي الميدان.. لأنني أحسست أنها ثورة جيل آخر لابد أن يأخذ حقه كاملاً دون مؤثرات مبارك روج للتيار الإسلامي كنقيض.. فأصبح البديل هذا الشبح الهائم من حقه أن يتقدم ويحگم مادام ذلك اختيار الجماهير ليس من الإنصاف افتراض أن الدنيا تغيرت بينما ظل الإخوان علي حالهم منذ العشرينات »الأستاذ« يتحدث إلي » الأخبار « بعد عام علي ثورة يناير لماذا وقع الصدام بين الشباب والمجلس العسكري ؟! في العادة لا يتحقق مطلب الهدوء إلا بعد أن تنتهي حالة النشوة بالحرية واليقين منها قبل تسليم السلطة وبعدها.. ستظل في هذا البلد قوات مسلحة وشباب يريد الحرية ويطلب العدل والتقدم أستاذ هيكل، في الجزء الأول من حوارنا، قلت أن في ثورة 52 يناير ثلاثة أطراف هي جموع الشباب الذين صنعوا التفجير الثوري، و المجلس الأعلي للقوات المسلحة، والأحزاب. وقلت أن الأطراف الثلاثة وقعوا في مأزق، ربما لم يكن من صنعهم، لأنهم جميعا ارتطموا بالقدر. تحدثت تفصيلا عن القوات المسلحة، وجاء دور الطرف الثاني وهو الشباب. أود - دون أن أقطع اتصال الموضوع- أن أسألك: هناك حركات ثورية ممن تدعو المجلس الأعلي إلي ترك السلطة فورا، دون أن تحدد بديلا واضحا وهناك أصوات تدعو إلي تفكيك مؤسسات الدولة كالقضاء والشرطة والقوات المسلحة وإعادة تشكيلها دون أن تقول لنا: كيف ولماذا؟.. وعبر الفضاء الالكتروني يحتشد الشباب خلف هذه الدعوات. إلي أي مدي قد تتداخل الحدود بين العمل الثوري، والفعل الفوضوي؟ الأستاذ هيكل: وصلنا إلي الطرف الثاني من أطراف مأساة الارتطام بالقدر - وهو طرف »الشباب«. نحن هنا في حاجة إلي توصيف عادل لأحوال الشباب المصري في هذه اللحظة، ذلك أن أي ثورة من أجل الحرية والعدل والتقدم لها حالة أولي طبيعية، بمعني أن طلب الحرية وهو أول المطالب يأخذ الحرية بطبائع الأمور إلي مداها، حتي بالتجاوز في حدودها، وهذا حال عرفته كل الشعوب التي دفعها تطورها التاريخي إلي الثورة، لأن أول خطوة في الثورة بالطبع هي كسر القيود، والقيود علي المجتمعات ليست سلاسل تنكسر فيها حلقة، فتصبح السلسلة كلها عديمة الفائدة. القيود في المجتمعات أكثر من سلاسل، وحالة »الأسير« تختلف عن حالة »الثائر«، فالأسير يكسر السلسلة ويجري، لكنه في حالة الثورة فإن الثائر يكسر السلسلة ويبقي لكي يصنع عالما جديدا يتصوره ويجاهد لتحقيقه، معني ذلك أن عملية تحرره أي ممارسة حريته تأخذه بعيدا إلي أوضاع اجتماعية قائمة، وإلي سلطات حاكمة، وإلي ترسانات قوانين تسري عليه، ولكنها علي غير ما يتمني ويطلب. وعلي السطح فإن هذه الحالة من طلب الحرية وممارستها تبدو أمام كل السلطات المسئولة عن "النظام" عملية ممارسة للفوضي وليس للحرية، ويبدو مطلب الحرية وممارسته متجاوزا للمألوف الذي جري العُرف عليه. وهذه أحوال عرفتها ثورات أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية عرفت كلها أن حالة الثورة الأولي هي حالة ما يسمونه في العلوم السياسية »أناركي« Anarchy وهي كلمة شاع استعمالها أخيرا دون تحديد وتدقيق في معناها ودلالتها، وترجمتها الدقيقة هي "الحركة دون قيادة"، وهذا ما جري في ثورة 25 يناير 2011 كما جري في ثورات من قبل عاشتها شعوب أخري في العالم كله. وهنا يلزمنا أن نتنبه إلي معني "أناركي"، فالكلمة لا تعني »الفوضي« Chaos ولا تعني »العدمية« Nihilism وإنما تعني "الحركة دون قيادة"، أي ممارسة الحرية دون مرجعية معترف لها بمشروعية التوجيه. عندما يتحدث بعض المتحدثين عن تفرق قوي الشباب ويعدون بالأرقام أن التنظيمات الشبابية التي انبثقت عن ميدان التحرير زادت علي 240 جماعة، فإنهم ينسون طبيعة المرحلة. ويمكن أن يُقال أن بعض التنظيم كان لازما بسبب الظروف الخاصة لمصر، لكن أحدا لا يجوز له أن ينسي أن قوانين الثورة وطبائع الثورات لا تستثني مصر، وإنما هي ظاهرة إنسانية وتاريخية وعالمية. الثورة في أول خطوة منها تكسر القيود، وفي لحظة كسرها للقيود فإن إحساسها الطبيعي أن كل شيء ممكن، والغريب أن شعار حالة "الأناركي"... حالة السيولة الثورية في ثورات أوروبا سنة 1848... كان يقول "كن عمليا واطلب المستحيل"!! ولو أن أحدا توقف أمام فوران الميدان، واهتم -أكثر بحالة الفوران العام في البلد - لأدرك علي الفور أنها لحظة كسر القيد.. لحظة الحرية.. لحظة رفض أي ملاحظة أو نصيحة، والاستمرار في الممارسة حتي وإن جاءت الملاحظة والنصيحة من جيل الآباء. قد تُدهش إذا قلت لك أنني شخصيا لم أذهب إلي الميدان ولا مرة، لا دخلت إليه، ولا خرجت منه، فقد كان إ حساسي من أول لحظة أنها ثورة جيل آخر، وعصر آخر، وشباب آخر، ولابد أن يأخذ حقه كاملا في تصرفه دون مؤثرات!! ومع أني دُعيت مرات عديدة من بعض جماعات الميدان إلي زيارته، فقد اعتذرت، ملتزما بحدود وجدتها لائقة، بل أكثر من ذلك فقد نصحت كثيرين من جيلي والأجيال القريبة منه بأن يتركوا الميدان لأصحابه، حتي لا يشوش عليهم أحد، لكي تكون الفرصة مفتوحة لفكرهم وزمانهم، فإذا أراد أصحاب الميدان أن يسألوا حين يشاءون فيما يشاءون، فليساعدوا الشباب بآرائهم بمقدار ما يقبلوه، وقد حدث بالفعل أنني استقبلت عشرات الوفود من شباب الميدان، جاءوا وسألوا، أو جاءوا وناقشوا، أو جاءوا واختلفوا. وكان ظني ولايزال أن زوار الميدان من غير أهله أرهقوا أصحابه، وأضافوا إلي حيرتهم أكثر مما ساعدهم بنصائح لا يسمعها أحد، ببساطة لأنها قادمة من بعيد بالزمن - من بعيد بالتجربة - ومن بعيد حتي بطبيعة لحظة الثورة. لحظة الثورة لحظة نشوة تغري بكسر القيود والبقاء لصنع عالم جديد... لأن شباب الثورة يتصور أن في وسعه تغيير العالم بأسره... وفي العادة وفي السوابق التاريخية أنه لا يتحقق مطلب "الهدوء" إلا بعد أن تنتهي حالة النشوة بالحرية وحالة اليقين منها، وبعد ذلك وليس قبله يجيء "الهدوء"، ويحل دور السؤال عن الطريق إلي تحقيق بقية المطالب الثورية بعد الحرية: مطلب العدل، ومطلب التقدم. أي أن الحرية لابد أن تكون واثقة من نفسها، مطمئنة إلي جوارها، حتي تصل إلي السؤال عن كيفية تحقيق بقية المطالب، وهنا يعود النظام. بمعني أن النظام أو التنظيم يلحق بالحرية ولا يسبقها، ويبقي بالثقة في وجودها، والتحقق من ضمانها، وهذا يقتضي أكثر من وعد وأكثر من تعهد يتقدم به أي طرف مهما كان. ومن واقع سوء الفهم بين الأطراف أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة طلب النظام غداة سقوط التوريث، وسقوط رأس النظام القديم، وكان ذلك من شبه المستحيلات، كما أن التصدي لفرض النظام بقوة أي سلطة كان أيضا من شبه المستحيلات. لاحظ بعد ذلك عاملا يستحق الاهتمام وهو عنصر »التراكم« - فالقهر طال زمانه، والكذب طالت حباله، والوعود تكررت، والعهود فاضت، ولم يحدث شيء، وكذلك فإن »القضية« التي نراها ليست نبت ظروفها وساعتها، ولكنها طبقات فوق طبقات من الأمل وخيبة الأمل، من الرجاء واليأس. وإذا بدا أن الشباب ومعه جماهير الناس لا يصدقون، فالمشكلة أبعد من مجرد شك، لأن جذورا كثيرة ضربت وغاصت في التربة، واقتلاع الجذور عملية شاقة تقتضي صبرا واعيا، وأبسط الوعي أن لا يتسرع أحد من اللحظة الأولي إلي الحزم، ثم يحزم ويتراجع، ثم يلتف ويتجدد الخطر!! قلت: سوء الفهم بين المجلس الأعلي والشباب، تحول إلي صدام، كيف يمكن فك الاشتباك، وعلاج الجراح؟! الأستاذ هيكل: من المفارقات أن المجلس الأعلي كان نظريا واعيا لخطر الصدام، وقد سمعت ممن أتيح لي أن ألقاهم بنفسي - عدد محدود من أعضائه - أنهم يتحاشون بكل وسيلة حدوث صدام، وقولهم: إن سلاح الجيش ليس سلاح أمن، ولكنه سلاح قتال، وإذا جري استعماله فهي الكارثة بعينها، والمحظور الذي يجب توقيه، لكن المشاكل في ظروف الثورة تنشأ بسوء الفهم، وغياب الحوار الحقيقي وليس الحوار الأبوي أو السلطوي بين الأطراف، وكذلك وقع بعض ما كان يجب أن لا يقع بين المجلس العسكري وبين الشباب، وهذا مأزق لابد من معالجة آثاره، بصرف النظر عما انتهت إليه نتائج الانتخابات النيابية. الحقيقة أن سوء الفهم الذي وقع ترك جراحا لابد من علاجها، وعلي النقيض فقد جري توسيع الجِراح بتوزيع اتهامات بغير سند، وبالطبع فإن أحدا لم يتصور أن حالة ثورية كتلك الحالة التي وقعت في مصر يمكن أن تجيء بكل عوارضها وظروفها دون أن تحاول بعض القوي من قريب أو من بعيد أن تتداخل فيها وأن تحاول توجيهها، فمثل ذلك جري وهو طبيعي، بمعني أنه مما يجوز حدوثه، لكن إدارة بلد في حالة ثورية تقتضي روية أكثر في توصيف الأعراض وفي علاجها، وفي فهم الأوضاع، وتدقيق الوقائع. والحقيقة أنني أعرف مباشرة مشاعر جماعات من الشباب جاءوا إلي مكتبي وحكوا أمامي عن أسباب ضيقهم إلي حد المرارة مما واجهوا، لكنهم برغم ذلك كانوا علي استعداد للفهم. قالوا لي.. »من جماعة 6 أبريل مثلا« أنهم لا يتصورون نسيان حق الشهداء. وقلت.. أن هذا مشروع، وهو واجب، وهو حق مقدس، وهو ليس قضية تعويضات مالية فحسب، وإنما أكثر بكثير، مع الحذر من أن يتحول الحق المقدس إلي ثارات قبائل عقيمة تطلب الثأر، وتقتص للدم بالدم. وطال الحوار وشعُرت أنهم تفهَّموا. ما أريد قوله هو أن حالة الارتطام بالقدر لا يمكن الاستسلام لها في العلاقة بين المجلس الأعلي وبين جماعات الشباب، ولا حتي بعد الموعد المقرر لتسليم المجلس الأعلي سلطته إلي المدنيين، ذلك أنه قبل تسليم السلطة وبعدها سوف تظل في هذا البلد قوات مسلحة، وشباب يريد أن يطمئن إلي الحرية حتي يستطيع أن يثق أنها تأكدت، ويخطو إلي مطلب العدل ومطلب التقدم!! نجيء إلي الطرف الثالث - القوي السياسية والأحزاب القديمة والجديدة. والأحزاب القديمة كانت قبل ثورة 25 يناير ثلاثة أنواع. - أحزاب من بقايا أزمنة سبقت، وأهداف اختفت دواعيها، وأساليب تغيرت!! - وأحزاب جديدة هي في الواقع مشروعات تحت الإنشاء، وبعضها لعب أدوارا تستحق الاحترام... قبل ثورة 25 يناير، كانت »جماعات من أجل التغيير« وجماعة »كفاية«، وغيرها...«، وكان معظم هذه المجموعات يستند إلي قيادة عدد من الرجال المستقلين، ومجموعات من النشطين السياسيين، ومجموعات الشباب المتحمسين، لكن هؤلاء جميعا بقوا مشروعات تنتظر اختبار المستقبل، وقد كان لهؤلاء جميعا ولغيرهم - مناصرون في الإعلام الخاص... وهذا الإعلام الخاص تطوَّر في السنوات الأخيرة، وعلا صوته، ولمعت أسماء مقدميه نساءً ورجالا، وشدوا اهتمام جماهير واسعة، لكن ذلك ظل في مجال الإعلام يؤثر سياسيا بالطبع، لكنه ليس طرفا في التنظيم السياسي. ثم ظهر في الشهور الأخيرة قبل الثورة عدد من النجوم يحملون أسماء معروفة ومشهورة، ولم يتحمل أحد من هؤلاء النجوم مسئولية قيادة ثورة، ولكنهم خصوصا رجال مثل "محمد البرادعي" و"عمرو موسي" و"عبد المنعم أبو الفتوح" و"حمدين صباحي" و"البسطويسي" - أدوا خدمة كبري من حيث أثبتوا أن هناك بدائل كثيرة محترمة وصالحه للرئاسة، فقد كان القول أيام صعود مشروع التوريث أن الابن يستحق أن يخلف أباه لسبب أساسي هو أنه ليس علي الساحة رجل يصلح الآن أو يقدر، وعليه فلماذا نحرمه من حقه كمواطن مؤهل، يعرف كل شيء لأنه يمارس سلطة الرئاسة فعلا - وهل يُعقَل أن يُحرَم من الحق لمجرد أنه ابن الرئيس، وأليس ذلك إنكارا لحقه كمواطن؟!! دخول هؤلاء النجوم أثبت أن مقولة اللابديل غير صحيحة، وأن الأمة لا تحتاج إلي توريث، ثم اختلفت الصورة بعد ثورة 25 يناير، لأن الساحة تغيرت بالكامل، ولم يعد مجال البحث عن البدائل محصورا، بل أصبح ممكنا أن تجيء البدائل من داخل العمل السياسي وحيويته الظاهرة سابقة ولاحقة، المهم أن الباب انفتح علي مصراعيه، وسقط الحصار الذي كان مفروضا علي الساحة السياسية. والطرف الثالث هو الإخوان المسلمين، وكان ذلك هو التيار الذي ظهر قويا علي الساحة بعد ثورة 25 يناير، خصوصا عندما انفتح المجال أمامه واسعا بسوء الفهم الذي وقع بين الشباب، وبين المجلس الأعلي للقوات المسلحة - الخلاف بين الطرفين عطَّل كليهما، وفتح فجوة أوسع تدفق منها التيار الإسلامي. وكان الإخوان قبل ثورة 25 يناير في حالة كمون وفي حالة حشد، بمنطق الحذر في "المنشط والمكره" كما يقولون، لكن الظروف ساعدتهم - وذلك حقهم لا يصح لأحد أن يحاسبهم عليه، خصوصا بالنظر إلي عدة عوامل: - الأول: أن "الوعد الإخواني" كان بالفعل معبرا عن فكرة تحوم حول آفاق المنطقة، تبحث عن منفذ لها وموقع، تذكر أنت أن مطلع مبادئ المانيفستو الشيوعي الذي كتبه »ماركس وانجلز« في خضم ثورات أوروبا سنة 1848 عبارة مشهورة تقول "هناك شبح يحوم حول آفاق أوروبا، هو شبح الشيوعية"، كان ذلك صحيحا في وقته حتي جاءت الشيوعية إلي روسيا فعلا بقيادة "لينين"، ذلك تقريبا أقرب مثال تاريخي لوضع التيار الإسلامي بالنسبة لعالمه. - وثاني الأسباب: أن التيار الإسلامي تفوَّق علي غيره من الأطراف في معركة الاقتراب من الجماهير، وأظن - مثلا - أن دور عناصره في ظروف ذلك الزلزال الذي ضرب مصر سنة 1992 كان نموذجا معبرا، بينما كانت الحكومة القائمة في ذلك الوقت وهي وزارة "عاطف صدقي" مأخوذة بالزلزال وتبعاته، تحرك الإخوان المسلمين في مصر بحيوية وقوة ونزلوا إلي الناس ومعهم، وقاموا بدور يستحق الإعجاب، فقدموا أنفسهم للناس ليس كدعاة بالمواعظ، ولكن كنشطاء بقوة الفعل وكفاءته. - هناك سبب ثالث: وهو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تواجدت في الساحة المصرية بشدة، وبين ما فعلته أنها رفعت حظرا سياسيا كانت تفرضه علي الإخوان في سنوات المعركة ضد الإرهاب الإسلامي كما أسموه، من الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، وحتي سقوط برجي التجارة في نيويورك سنة 2001. درس أفغانستان كان موحيا، فقد جري تعاون بين الولاياتالمتحدة وبين التيار الإسلامي بجبهته العريضة، كل منهما لأسبابه في الجهاد ضد الإلحاد الشيوعي في أفغانستان، وخلق التعاون العملي نوعا من معاودة التفكير السياسي، ومع اتجاه الولاياتالمتحدة إلي إغراق المنطقة في بحر من الخلافات المذهبية إسلامية - إسلامية، أي بين السنة والشيعة، فإن الولاياتالمتحدة كانت في حاجة إلي سند سني، وتلك مهمة عُهد بها في البداية إلي حلف مصري سعودي يشارك معها باسم السنة في التصدي لإيران الشيعية، لكن الحلف المصري السعودي - السني - لم يستطع أن يمضي في المعركة بنجاح، وكذلك جري البحث عن شريك آخر أكثر فاعلية، وكذلك أكثر مصداقية. وأظن أن التحدي الحقيقي أمام الإخوان بعد نجاحهم في السنوات الأخيرة سوف يواجه نقطته الحاسمة، وهي ما إذا كان الإخوان المسلمون بعد السلطة علي استعداد للمُضي والتصعيد في فتنة الخلافات المذهبية في دار الإسلام، بينما الولاياتالمتحدةالأمريكية تشجع وتدفع، وإسرائيل تنتظر وترجو!! أريد أن أقول بوضوح أنني لست أحد المتحمسين لزحف التيار الإسلامي علي السلطة وسيطرته عليها، وإن كنت باستمرار أحد المطالبين بحق هذا التيار في التعبير عن نفسه بالسياسة عن طريق المبادئ السامية في الإسلام، ثم دخول السباق الانتخابي في ظرف يعطي الفرصة للجميع، خصوصا إذا كان بين هؤلاء الجميع طلائع من قاموا بالثورة، أو علي الأقل فتحوا الطرق أمامها. ومع ذلك فهناك حقائق لا يصح لأحد أن يتجاهلها: - أولا: أن المجلس العسكري خلط بين رؤيته وبين رؤية الثورة، فهو لم يكن يريد التوريث، لكنه لم يستطع أن يتصور أكثر من ذلك، في حين أن الشباب والشعب كله كانوا في حالة ثورة، حتي وإن كانوا لم يحددوا بدقة مطالبها، فقد كانوا في حاجة إلي وقت، والنتيجة أن المجلس العسكري ركز علي تعديلات دستورية جري تصنيعها لصالح التوريث، ورسم للمستقبل مسارا في هذا النفق الضيق!! - وثانيا: أن الارتباك ساد مرحلة التفكير والتخطيط والعمل للمرحلة الانتقالية، فقد بدأت هذه بالانتخابات، وأظن أنه كان علينا أن نبدأ بالدستور. ولأن وضع الدستور كان يستغرق وقتا، لأن الدساتير ليست كتابة نصوص أو نقل مواد بأكملها من دساتير سبقت، وخوفا من أن تطول المرحلة الانتقالية، مع انفراد المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالسلطة العُليا فيها - فإن الخُطي بدت متسرعة، ومتعثرة في نفس الوقت. وبدا القرار السياسي المصري وكأنه قطار يسير علي قضبان، ولا يملك أن يخرج عنها، لا يراجع خطأ ولا يصحح مسارا، وحتي إذا أدرك في لحظة من اللحظات أنه يسير علي غير طريق السلامة، فإن عجلات القطار تجري تسابق الزمن رغم معرفة كل ركاب القطار بمن فيهم سائقوه أنهم ليسوا علي الطريق المطلوب أو المنشود!! هنا.. يخرج »الأستاذ« ملفا من أحد أدراج مكتبه، يحوي نسخة من مداولات أعضاء لجنة وضع دستور 3291، ويطلعني »الأستاذ« علي نصوص من المناقشات المطولة، مؤكدا أن هناك فرقا بين وضع الدستور ونقل الدستور، ثم تبدت ملاحظة مهمة أن اللجنة التي وضعت دستور 32 وهو من أحسن الدساتير في تاريخ مصر، تشكلت بقرار من الملك فؤاد الأول، وكان حزب الوفد غير موافق عليها وأسماها »لجنة الأشقياء«، ثم عاد بعد ذلك وتمسك بهذا الدستور. ثم يعود الأستاذ هيكل إلي سياق حديثه عن الحقائق التي لا يصح تجاهلها قائلا: السبب الثالث: أن الظروف التي سبقت المعركة الانتخابية الأخيرة أعطت للتيار الإسلامي فرصة تزيد علي حجمه، لكن ما هو أهم أن النتائج جاءت لصالحه، وهذه هي الحقيقة الأكبر التي تشهد له و تزكيه، بصرف النظر عن رأيي أو رأي غيري. - والسبب الرابع: أن هذا الشبح الهائم حول العالم الإسلامي له الحق - مادام ذلك اختيار الجماهير الأوسع أن يتقدم، وأن يحكم، وربما أن ذلك أفضل علي المدي البعيد، لأن مواجهة لحظة قلق وتوجس من مجيء التيار الإسلامي إلي السلطة ساعة، أسلم من الحياة في خوف منها طول العمر، وإذن فالأفضل أن يجيء هذا التيار، وأن يأخذ فرصته بعدلٍ وأمانة. - والسبب الخامس: وهو سبب نفسي هو أن نظام "مبارك" حاول استعمال التيار الإسلامي شبحا يهدد به معارضيه، إما أن يقبلوا بحكمه وبتوريث ابنه، وإما فإن عليهم أن يستعدوا للتيار الإسلامي. ويقينا فإن "مبارك" حين روَّج للتيار الإسلامي كنقيض، فإنه رجَّحه كبديل، خصوصا وأن بقية القوي السياسية في مصر غيره لم تكن قادرة أو جاهزة، وأظن أن هذه نقطة مهمة تفسر قبولا نفسيا للإخوان، يُضاف إلي استعدادهم وحشدهم!! - هناك سبب إضافي يمكن عده سادسا، وهو أن تيار الإسلام السياسي بالضرورة لابد سري عليه ما سري علي كل القوي الحية في أي مجتمع، فليس من الإنصاف افتراض أن الدنيا كلها تغيرت، ولكن الإخوان المسلمين وغيرهم ظلوا علي الحال الذي كانوا عليه في كل عقود القرن الماضي من عشرينات ذلك القرن وحتي نهايته وبداية قرن غيره، فهم لابد بالتأكيد تغيروا، ولابد أن أفكار العصر وصلت إليهم، مع العلم بأنهم باليقين لحقوا بأدوات العصر واستعملوها، بل ظني أنهم أتقنوا استعمالها أكثر من غيرهم، لأنهم كانوا في حاجة إليها - ولو بدواعي الأمن - أكفأ من الآخرين، ومن الصعب تصور أن الإخوان مثلا دخلوا عالم الفضاء الإلكتروني بأدوات صماء تؤدي ولا تؤثر، وتقوم بدور الوصل وتحجب دور المعرفة. والاختبار الذي ينتظرهم هو إلي أي مدي سوف يكون فهم العصر مواكبا لكفاءة استخدام وسائله!! هذه كلها اعتبارات جديرة بأن تُراعي، وواجب الجميع يحتم عليهم أن يقبلوا برضي طوعي حقيقي، دون مناورة، ودون عراقيل، ودون تحين الفرص للذرائع، لأن التيار الإسلامي له حق الفرصة كاملا غير مشوب بشائبة، بحيث يمكن تقييم أدائه تقييما عادلا ونزيها. وإذا نجح فإن نجاحه إضافة، وإذا لم ينجح فإن فشله راحة، حيث إنه يستبعد احتمالا معلقا بظنون مسبقة لم تتعرض لاختبار التجربة في بعض اللحظات شعرت بالقلق عندما سمعت من يقول لي: لا أظنهم يقبلون، والقائل يقصد المجلس العسكري... أن يدخلوا التاريخ، باعتبارهم الناس الذين سلَّموا البلد إلي الإخوان المسلمين، وكان ردي: أنني سمعت نفس الجملة تقريبا بلسان الچنرال »الشاذلي بن جديد« في الجزائر، وبسببها دخل ذلك البلد في حرب أهلية طاحنة، دامت سنوات طويلة. ومن حسن الحظ أن ذلك لم يتكرر في مصر، فلم يقبل الناس بإعطاء الفرصة للإخوان المسلمين فقط، وإنما رضي المجلس العسكري أيضا!! أكثر من ذلك فإنه لابد من اعتبار حق الإخوان في الصواب والخطأ، فهؤلاء ناس لم يمارسوا السلطة من قبل، وبعض أجهزة الحكم في السابق كان مبرر وجودها في حد ذاته هو الحرب عليهم، ومن الحق أن يوضع ذلك في الحساب، وإلا فهو التربص، وتمني الفشل، وذلك ضار بالوطن قبل ضرره بالإخوان، هذا مع العلم أن المشاكل ثقيلة، والمواريث مزعجة!! هناك مسألة أخري لا تقل أهمية، وهي أن العملية الانتخابية ومجيء مجلس نيابي منتخب انتخابا حرا وشرعيا إلي الساحة، سواء بأغلبية للتيار الإسلامي أو لغيره - أضافت في حد ذاتها وبصرف النظر عن أي اعتبار آخر - عنصر تأمين وتماسك للبلد، من حيث أنها ملأت فجوة مؤسسية تسند الساحة السياسية كلها، فقبل انتخابات مجلس الشعب كانت هناك فجوة مؤسسية لا مبرر لها، وعندما امتلأت هذه الفجوة بمجلس نيابي مُنتخب فإن طبوغرافيا هذه الساحة السياسية بانت لها تضاريس تستند علي أرضية متماسكة، وهذا مكسب كبير. كان بودي أن أضيف تصورا عن دور السلفيين وأحزابهم في البرلمان الجديد، لكني أرد نفسي لأني لا أعرف ما يكفيني للحديث عنهم، أعرف شيئا عن السلفية، وأعرف شيئا عن السلفيين، وأري أحيانا مظاهر نشاطهم في مصر، لكني علي استعداد للاعتراف أن حجم نجاحهم جاء مفاجئا لي، ولابد أن وراء هذا النجاح عناصر وعوامل لم أرها، وأظن أن كثيرين غيري لم يروها. ولست من أنصار التسرع برأي في شأنهم، فقد سمعنا بعض التصريحات، ورأينا بعض الصور، لكن الحركات السياسية لا تُقاس بفرقعات فردية، فكل حركة سياسية في العالم لها فولكلورها السياسي، ورؤية حركات هذا الفولكلور أو سماع صخبه، لا يؤهل للحكم عليه، وفي حالة الظهور المفاجئ للقوي السياسية فإن الانتظار بعض الوقت أنفع، حتي يبدأ الخطاب المعتمد، أو تظهر الحركة المقصودة!! علي مدار عام، زادت حدة التحديات التي نواجهها ومازلنا، كيف ترتب هذه التحديات حسب أولوياتها، وهل نملك ترف انتظار انتهاء الفترة الانتقالية للتعامل معها؟! الأستاذ هيكل: أمامنا ثلاث قضايا لا تحتمل الانتظار، وكلها مسائل بقاء أو انحلال، صحة أو مرض عضال: - الأولي: هي قضية الوحدة الوطنية لشعب فيه المسلمون وفيه المسيحيون، والمشكلة الطائفية واضحة لا تحتاج مني إلي شرح أو تفصيل، وكان المعتمد البريطاني الأشهر اللورد "كرومر" علي حق حينما قال في كتابه »مصر الحديثة« - مستخلصا تجربته الطويلة في مصر، أنه رأي في مصر مصريين بعضهم يصلي في مسجد، وبعضهم يصلي في كنيسة، ولا فارق بين الاثنين غير ذلك. وبصراحة فليس يجدي أن يحاول بعض الناس تقليل عدد المصريين المسيحيين في نسبة السكان، وفي مقابل ذلك يتزيد في نسبة نصيبهم في ملكية الثروة. ثم يترتب علي ذلك أن ما يضيع منهم بالسياسة يجري تعويضه بالاقتصاد. بمعني أن المواطنة مواطنة، ليس فيها أغلبية وليس فيها أقلية، وإنما فيها حقوق متساوية لكل مواطن. وليس طبيعيا في ظل دولة المواطنة أن لا يكون هناك محافظ مسيحي إلا علي سبيل الاستثناء - أو مدير جامعة - أو سفير من الدرجة الأولي - أو وزير واحد أو اثنين يتكرر اسمه أو اسماهما، لأن هناك خانة لابد من سدها. وأظن أن الصديق الدكتور »بطرس غالي« كان معبرا بدقة عن هذا الوضع، وهو لا يقصد حين قال لي ذات مرة: "لم تكن أي أخبار عن تعديل وزاري وشيك تقلقني عندما كنت في الوزارة، كنت واثقا تماما أنني ضمن الباقين في الوزارة بعد التعديل، ليس لأنهم يعرفون أن لي مزايا يقدرونها، ولكن لأنهم في حاجة لوزير قبطي يعرفونه!!". والقول صادق، وهو ساخر في نفس الوقت، وهو كذلك محزن في المحصلة الأخيرة!! سوف أتجاسر وأسأل سؤالاً صريحا ومباشرا: أليس لافتا أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليس فيه - كما يبدو لي، وأرجو أن يصححني أحد إذا كان هناك من لا أعرفه - مواطن قبطي واحد بين أكثر من عشرين قائدا؟!! في مجلس ثورة 23 يوليو 1952 لم يكن هناك مواطن قبطي في المجلس، لأن ذلك المجلس بدأ جمعية للعمل السري تحت الأرض، ومخالفا للنظام، وهذا عادة نوع من النشاط يفضل المواطنون الأقباط تجنبه، لكن المجلس الأعلي للقوات المسلحة مشكَّل علي أساس الوظيفة - علي أساس القيادات التي وصلت إلي أعلي الرتب في أسلحتها، وذلك وضع يختلف. في تنظيم سري مثل مجلس قيادة الثورة في 23 يوليو، كانت المشكلة مفهومة، وأما بين أكثر من عشرين قائداً وصلوا إلي أعلي الرتب، فكيف يمكن لأحد أن يفهم إلا أن هناك خطأ ما بمنطق الأمور. في حرب أكتوبر 1973 كان اللواء »فؤاد عزيز غالي« قائدا لجيش بأكمله، وبعد أربعين سنة لا يُعقل أن لا يكون هناك مواطن قبطي ضمن عشرين قيادة عُليا!! كذلك لا يجوز أن يكون بناء الكنيسة في حاجة إلي إجراء خاص يختلف عن الإجراء الخاص ببناء مسجد، ولا أريد أن أستفيض في الشرح أكثر، وإنما يكفي التذكير بأن حق المواطنة هو حق المواطنة، والاختيار بين المواطنين يكون علي أساس الكفاءة في الأداء، والصلاحية للمسئولية، وليس هناك أساس غير ذلك ولا يصح أن يكون، مع ملاحظة أن الأربعين سنة الأخيرة تركت - بالتمييز بين المواطنين - عوالق شك واضطراب في العلاقة لابد من إزاحتها، ومن المفارقات أن توضع مسئولية علاج هذه العوالق علي التيار الإسلامي، ومع ذلك فظني أنه أقدر من غيره علي العلاج، لأنه بما يمكن أن يقوم به - إذا قام به - يكون أكثر مصداقية من غيره. هناك قضية ثانية وهي موازية بالضبط لقضية الوحدة الوطنية، وهي قضية نهر النيل ومياهه، وهذه قضية تعرضت لإهمال جسيم، رغم أنها مسألة حياة أو موت، فقد كانت مصر في يوم من الأيام في قلب أفريقيا، ومن حول منابع النيل، وكانت قادرة، والحقيقة أن قضية مياه النيل لا تحتمل التهاون، فنحن نعيش علي مصدر واحد للمياه، ومنابعه خارج هذا الوطن المصري، وهي أيضا خارج السيطرة حتي إذا توافرت إمكانياتها، لأن القدرة عليها لا تتعلق بالقوة العسكرية، فهذا النوع من القوة في هذه الحالة مستحيل، وإذن فلابد من قدرة للتواجد الضروري بوسائل السياسة وفيها الاقتصاد والثقافة، لكن السياسة مورست بالإهمال الجسيم في الأربعين سنة الأخيرة، سياسة ذلك العصر انبهرت بأوروبا وأمريكا، وأدارت ظهر لأفريقيا بينما حياتها هناك!! ثم إن شطارة السياسة مارست دورها خلال هذه الأربعين سنة بمزيج من السطحية أو الاستعلاء، باعتماد منطق أن زيارة رسمية بين وقت وآخر، ووفد يروح ويجيء سنة بعد سنة، وتصريحات مطمئنة من هنا وهناك، ثم يتصور بعضهم أن تلك كفالة تكفي لضمان المصالح، وهو نوع من العبث. لأن ضمان المصالح تربطه سياسة مستمرة - وشراكة متصلة - وتعاون لا يكل ولا يمل، ولا يمكن أن يكون رحلة، أو مأدبة، أو تبادل أوسمة تتحول إلي صور علي الصحف وعلي الشاشات، ثم ينتهي الموضوع لنصل إلي ما وصلنا إليه فعلا. وهنا أريد إن أقول أن مشكلة المياه بدأت فعلا، وإذا كان هناك من يريد دليلا فليتفضل، ويقيس منسوب المياه الحالي في خزان "السد العالي" في بحيرة ناصر، وسوف يكتشف أنه منذ أربع سنوات وحتي الآن، أن مصر تسحب من هذه البحيرة بعض مخزونها لتعويض النقص فيما يصل إليها من مياه النيل، وأجدني علي استعداد لأن أجازف وأقول إنه في ظرف أربع سنوات أخري سوف تواجه مصر أزمة مياه، ليس فقط أن الماء المتدفق سوف يقل، بل أيضا أن خزانات المياه الجوفية التي زاد الاعتماد عليها في السنوات الأخيرة تنضب. تجربة مبارك هي ذاتها تجربة بيوت توظيف الأموال هذا ما جري علي يد »مادوف مصر«! ونحن الآن نستهلك من المياه ما مقداره 65 مليار متر مكعب قابلة للزيادة، خصوصا مع الأمل في عودة نشيطة لعمليات استصلاح أراضٍ جديدة. وعليه فهي قضية لا تحتمل الانتظار، ولا تقبل التأجيل، كما أن الارتجال ليس بين الحلول المطروحة.
نجيء إلي المشكلة الاقتصادية وهذه هي المشكلة التي تلقي بظلالها علي الوضع الآن كله، وأظن أن تصويرها الصحيح يكفي فيه بعض الأرقام، توضح حجم النهب وحجم القصور التي نزلت علي الاقتصاد المصري: لعلي أزعم أنني لكي أتقصي، قابلت وناقشت كل رجل له صلة بالملف الاقتصادي سواء كان في مصر أو خارجها - قابلت في مصر وناقشت أعدادا من رؤساء الوزارة، ومسئولين من البنك المركزي، ووزراء للمالية والاقتصاد، وأستطيع أن أقول والمسئولية عليَّ وحدي، أن الصورة بالأرقام مثيرة للانزعاج: - حجم الأموال التي خرجت من مصر لدواع غير مشروعة، قانونية في الإجراءات فقط، وإن تكن غير شرعية في الجوهر، وفي عهد تحول إلي دولة فساد وليس فقط فساد دولة، لأن التصرفات فيه جرت بقانون يطوع للمصالح الحاكمة أن تفعل ما تريد، محمية بنص مكتوب، حجم هذه الأموال التي خرجت من مصر في تلك الظروف وصل إلي ما بين 250 إلي 300 مليار دولار. - حجم الدين العام الداخلي وصل إلي 200 مليار دولار »أي ما يزيد علي تريليون جنيه مصري«. بينما حجم الدين الخارجي في حدود 36 مليار دولار »أي 300 مليار جنيه«. - حجم العجز في الموازنة هذه السنة المالية - 2012 يتراوح ما بين إلي 35 مليار دولار، أي ما بين 160 إلي 170 مليار جنيه، أي أن العجز يصل إلي أكثر من 10٪ من الدخل القومي. معني ذلك أن حجم العجز اليومي - لاحظ أنني أقول اليومي - 500 مليون جنيه. - حجم الاحتياطي لدي البنك المركزي كان 36 مليار دولار في بداية عام 2011، ونزل إلي 18 ملياراً »مع العلم أن ثلاثة مليارات منه سبائك ذهب لا يمكن التصرف فيه«. - حجم البطالة وصل إلي ما بين 17 - إلي 20 مليون عاطل. - حجم الضائع من التدفقات نتيجة قصور السياحة، وعزوف الاستثمارات عما كان متوقعا هذا العام يصل تقديره إلي ما بين 20 - 25 مليار دولار » 120 مليار جنيه«. وإذن فالأزمة طاحنة، والجاهزون للمساعدة حتي هذه اللحظة في حالة غياب، كل منهم لأسبابه: - الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تساعد لأنها في صدد أن تضغط لمزيد من التطويع. - والقادرون علي المساعدة في العالم العربي مترددون، ولكل منهم أسبابه، لكن أخلصهم نية يقول وقد سمعتها بنفسي: "نحن نريد أن نساعد الشعب المصري، ولكن لا نريد أن نسد العجز في ميزانية جارية، وإنما نريد أن نساعد أوضاعا دائمة، ولا نساعد أوضاعا مؤقتة، وإلا فمعني ذلك أننا سوف نطالب بالمساعدة مرتين، مرة لوضع مؤقت، ومرة ثانية لوضع دائم يجيء ويطالب من جديد!!". هذه هي الحقائق بالأرقام، فماذا نري؟!! هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، قطعا لم تنشأ بعد ثورة 52 يناير، كيف أمكن - في رأيك- مداراتها والتغطية عليها طوال سنوات حكم مبارك؟! الأستاذ هيكل : لك الحق في هذا السؤال: بالفعل كيف أمكن مداراة هذه الأوضاع كلها، فلم تظهر درجة ترديها إلا بعد الثورة في يناير 2011 وبعدها فقط انكشف الغطاء، مع أن هذه العملية شابتها أغراض حاولت ومازالت تحاول التمويه والتضليل. إذا أردت تصويرا حقيقيا لما جري، فأرجو أن لا تندهش إذا طلبت إليك أن تتذكر تجربة بيوت توظيف الأموال، سواء هنا في مصر أو خارجها، إننا شاهدنا وتابعنا تلاعبهم وعبثهم بمدخرات الناس وبأموالهم في مصر - وشاهدنا وتابعنا ما جري خارج مصر كما عرفنا من قصة شهيرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها، وهي قصة »برنارد مادوف«. أصحاب بيوت توظيف الأموال في مصر وأنت تعرف أسماءهم، وتذكر وقائع قضاياهم، كانوا يتلاعبون في الملايين من الجنيهات، وأما رجل مثل »برنارد مادوف« فقد تلاعب في عشرات البلايين من الدولارات. سياسة بيوت توظيف الأموال دائما تمر بمراحل: - حملة إعلانية واسعة تعطي صورا مغرية ومثيرة لشهية من يطلب استثمار مدخراته، أو زيادة ثروته، والحملة تعطيه أحلاما وردية تصل إلي حد الخيال أحيانا. - أجواء تخلق نوعا من الثقة العمياء عن طريق تقديم فوائد ومزايا يشيع خبرها بين الناس إلي درجة الأساطير، وتصل إلي حد إخراج الحذر من مكمنه كما يقولون!! - ثم تتسع العمليات وتتوسع علي أساس أن يأخذ القائمون عليها ما يشاءون، ويمنحوا أنفسهم كما يريدون، ويمارسوا حياتهم كما يشتهون، ويحتفظوا لأنفسهم ولأهلهم بما يروا أنه يؤمِّنهم طول الحياة. - وعندما تقع الخسارة في بعض العمليات، أو حين تقصر الموارد علي تدوير السداد، فهم يأخذون من هنا للتستُّر علي هناك، ومن هناك علي هنا، وسداد المطلوب ممكن طول الوقت طالما ظل تدفق الودائع طول الوقت. - وسوف تظل الساقية تدور.. ترفع وتصب.. وتجري مياهها وتواصل جريانها طالما استطاع الثور الدوار حول الساقية معصوب العينين لا يري، ولا يريد أن يري. - فإذا واجه أزمة، فالبنوك جاهزة لإقراضه، وسمعته وثقة الناس فيه هي الضمان. - فإذا جاء طارئ غير محسوب، وتوقف التدفق وجف المجري، انكشف القاع وحجارته. هذا ما كان يفعله "مادوف" حتي جاء وقت وصلت فيه الودائع عنده إلي خمسين مليار دولار حسب الوثائق التي قُدِّمَت للمحكمة. كان عمله ناجحا والثقة فيه كاملة، والودائع تتدفق عليه وهو يكاد يصد تدفقها صدا، فالرجل ساحر يحول التراب إلي ذهب، والرجل فاعل خير، وهو يريد الغِني لكل الناس، وقد تفاني وأدخل معه ابنيه شريكين له، لكنه لا يستطيع أن يفعل أكثر، لأنه لا يقدر علي ائتمان إنسان غير نفسه وبالكثير غير ابنيه وزوجته. ولم يخطر ببال أحد من مودعيه أن يشك فيه، حتي رجل مثل "هنري كيسنجر" كان يأتمنه علي خمسة ملايين من الدولارات سقط في الفخ، وبالنسبة لأي مستثمر في أمريكا فإنه إذا كان هناك رجل واعٍ وحريص مثل »كيسنجر« يستثمر عند »مادوف« فمن إذن له الحق أن يشك أو حتي يسأل؟!! فجأة وقعت أزمة البنوك الأمريكية، وتوقفت البنوك عن تقديم القروض، وظهرت الفجوة واسعة، وعند الفحص تبين أن الفجوة ابتلعت كل الثروة، وحدث أن »مادوف« كان بنفسه هو من أبلغ النيابة عن إفلاس مؤسسته. كذلك جري في مصر تقريبا، نفس تجربة بيوت توظيف الأموال، ثروة وطن تحت التصرف، وأجواء موحية بالاطمئنان إلي الاستقرار، والساقية تدور، والمياه تتدفق، والتسرب في فيضها لا يتوقف، سواء إلي »مادوف« المصري، أو أسرته، أو أعوانه المقربين، وظلت الساقية تدور في عمليات نهب تغطيها مساعدات خارجية تجيء ويجري إنفاقها، وعمليات تبديد تغطيها تدفقات مالية، وفوائض كبيرة خصوصا بعد حروب الخليج .. وكله يتحول إلي تدفقات وديون تسددها تدفقات وديون. لك أن تتخيل حركة التدفقات المالية التي جاءت ل »مادوف« المصري، وجري تبديدها واحدة بعد الأخري، وتسديد خسائر سابقة بلاحقة لها. - عندما جاء »مبارك« كان هناك من أقلقهم ما يمكن أن يجري في مصر بعد اغتيال الرئيس »السادات«، وانسالت المساعدات. - عندما تسرب ما جاء بعد اغتيال الرئيس "السادات" لحقه ما جاء بعد حرب »العراق« علي »إيران«. - عندما جري توزيع هذا الذي تدفَّق من حرب "العراق" و"إيران" - جاء ما تدفَّق بعد حرب تحرير "الكويت". بعد ذلك نشطت عمليات "الخصخصة" في مصر، نهبا صريحا. وعندما تنبَّه الناس إلي "الخصخصة" وما جري فيها، كانت عمليات النهب قد وصلت إلي أراضي الدولة!! عملية تبديد للموارد - عملية بيع للأوهام - عملية نهب منظم لابد أن ينكشف مهما طال المدي. وفجأة ظهرت فجوة غير متوقعة، وهي ارتفاع أسعار البترول أوائل هذا القرن الحادي والعشرين، فقد قفزت أسعار البترول مع سنة 2002، وزادت عن مائة دولار للبرميل، وأصبح أمام صانع القرار في مصر إشكال كبير.. فجوة تظهر وتتسع. فالغاز المصري مثلا يجري تصديره بأقل من سعره لإسرائيل ولغير إسرائيل، واستهلاك كل مواد الطاقة في مصر يزيد، وإذن فهي مضطرة لكي تحافظ علي عقودها بالتصدير أن تستورد من مواد الطاقة ما تحتاج إليه، وتصدره إلي غيرها. وكان هناك خياران: - رفع أسعار الطاقة بما يوازي سعرها في الخارج، وتكلفة استيرادها من الخارج. - أو دعم الطاقة محليا بما هو ضروري للحفاظ علي أسعارها بالنسبة للمستهلك، ووصل الأمر إلي حد أن وزير البترول - أي وزير بترول - أصبح يطلب من السلطة ما يُقارب تسعين مليون دولار كل شهر لدعم الطاقة، وذلك عبء لا يُحتمل. وعندما أبدي أحد المسئولين خشيته من عواقب هذه العملية، كان رد وزير البترول "وماذا نفعل؟! - هل نقول للناس إننا نصدر الغاز لإسرائيل بأسعار منخفضة، ونستورد مواد طاقة تعوض السوق المحلية بسعر مرتفع؟!" - وكان الرد عليه »أبدا لأن تلك فضيحة سياسية«. والغريب أن المستفيد الأكبر من دعم الطاقة كانوا من الأغنياء، أما عامة الناس فقد كان دعمهم في احتياج كل يوم. وكذلك ارتفع حجم الديون في السنوات العشر الأولي من هذا القرن، إلي حدود تريليون جنيه، والفوائد علي الاقتراض عالية، والعالم العربي لا يقدم مساعدات لأسباب، والعالم الخارجي متوقف عن المساعدة لأسباب غيرها. ثم وقعت أزمة أسواق المال العالمية، واستحكمت الأزمة. ولم يعد "مادوف" في مصر قادرا علي الاستمرار، وحاول الأقربون إليه أن يتقدموا لكي تظل الساقية تدور، وكذلك حاول بعض موظفيه، لكن الأسباب تراكمت علي الأسباب، حتي بدأت متاريس الساقية تتكسر، وحتي بدأت عجلتها تتعثر. وأصبح الإفلاس محققا، وتخلي "مادوف" عن الإدارة وسط ثورة من الذين استيقظوا ذات يوم، فإذا مدخرات عمرهم في مهب الريح، وثروات وطنهم لم يبق منها شيء، ووقعت الواقعة. ذلك تقريبا تصوير قريب الشبه مما جري في مصر. وأتذكر آخر لقاء لي مع الدكتور "محمود فوزي"، وهو الرجل الحكيم الذي أدار سياسة مصر الخارجية، وأصبح في وقت من الأوقات رئيسا للوزراء، كان الرجل علي فراش مرضه الأخير، وقُرب نهاية حياته، وذهبت أزوره وكان بين ما سمعت منه يومها قوله: "مصر تعيش في بالونة منفوخة وملونة، وويل لنا يوم تجيئها شكة دبوس، وتفرغ ما فيها من الهواء، وتتقلص البالونة وتنكمش. وذلك تقريبا ما جري!! أعرف إنك التقيت قادة كباراً بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة، وأعرف أنك قابلت رؤساء الوزراء الثلاثة الذين تعاقبوا علي رئاسة الحكومة خلال العام الأول للثورة.. ماذا قلت لهم عن الوضع الذي تركه لنا »مادوف المصري«؟! الأستاذ هيكل : المشكلة أن أحدا بمن فيهم المجلس الأعلي للقوات المسلحة - لم يتوقف بعد الثورة مباشرة ليقدم للأمة كشف حساب يوضح فيه الصورة الحقيقية لتصرفات العهد الذي سبق، وما هو حاصل لمصر بعد سنوات طويلة من السياسة العبثية التي اعتمدت ثلاثين سنة. وأتذكر في أعقاب سقوط "مبارك"، أنني اقترحت - وحتي علي بعض من لقيت من مسئولي وساسة تلك الفترة- تقديم تقرير إلي الأمة عن حالتها كما تركها العهد السابق. أتذكر أيضا أنني قلت: "أنني لا أريد أن أسجل علي النظام الذي سقط شيئا يدينه، لكنه حق الأمة أن تعرف الحقيقة، وقلت أيضا: »أن هذا الحق في الحقيقة ضروري حتي لسلطة ما بعد الثورة، وإلا فإن السكوت علي أحوال معينة سوف يجعل السلطة الجديدة جزءًا من الأزمة وليست جزءًا من الحل«!! ومن سوء الحظ أن أحدا لم يسمع، بل ولم يناقش، ووقع المحظور، وتحملت عملية تسيير الدولة في العهد الجديد أثقالا لم تكن هي المسئولة عنها، لكنها بأحكام السياسة أصبحت كذلك، فهي لسبب ما لم تعالج الأمور بالصراحة اللازمة، ثم وجدت نفسها - تريد أو لا تريد - مضطرة للتغطية علي الحقيقة، وبتكاليف عالية. وعندما ظهر العجز المالي فإن القوات المسلحة قدمت من اعتماداتها مليار دولار مرة - ثم مرة أخري. بل وحدث أخيرا في صدد أزمة البوتاجاز والبنزين أن الناقلات الحاملة لإمداد سريع مطلوب من هذه المواد وصلت إلي الموانئ المصرية، وكان الدفع الفوري ضروريا لكي ترضي الناقلات بتفريغ حمولاتها في الموانئ، وتنفض الأزمة، ولم تكن هناك وسيلة للسداد غير الدفع من اعتمادات القوات المسلحة. وهذه هي الصورة الداعية لأشد القلق. وهو وضع وقع فيه ظلم بيِّن علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، لكن أحدا لسوء الحظ لا يستطع إعفاءه من المسئولية، فلسبب ما تردد، ولسبب ما اعتمد سياسة "أنهم لا يريدون مشاكل"، أو أنهم يفضلون أن تجيء الحلول من السلطة الدائمة، وليس من السلطة المؤقتة، وذلك في أبسط الأحوال نسيان لقوانين الحركة: تستطيع أن تتجنب التصدي للمشاكل، ولكن مرور الوقت سوف يرفع التكاليف اللازمة، وتستطيع أن تؤجل، ولكن التأجيل سوف يرفع الضرائب المستحقة، والأوان له توقيت، وحين تجيء الحلول بعد أوانها تكون في معظم الأحيان قد فقدت صلاحيتها أو جزءًا مهما منها!! هل الصورة ميئوس منها؟! الأستاذ هيكل : دعني أقول لك إن الصورة قاتمة، ولكنها ليست مُيئسة، فهناك غيرنا في العالم واجه مثيلا لها، وهنا فإن التاريخ.. قراءة التاريخ تعلمنا درسا للمستقبل. بلد كبير مثل فرنسا واجه موقفا مشابها، أو موقفا مشابها في أعقاب تحرير فرنسا من احتلال النازي سنة 1945. بلد ممزق بقسوة، وأزماته مستعصية بشراسة، وأحواله تكاد تقف علي حافة الحرب الأهلية. نصف فرنسا كان تحت حكم "هتلر" مباشرة، ونصفها الآخر تحت حكم الماريشال "بيتان"، ورئيس وزرائه "لاڤال"، ألعوبة في يد قوة الاحتلال النازي، والشعب الفرنسي في الداخل الفرنسي منقسم علي نفسه، نصفه يتهم نصفه بالتعاون مع النازي، والشعب الفرنسي في الخارج مبعثر في مستعمرات فرنسا الأفريقية، ومن تحت الأرض تظهر قوي تقول أنها هي المقاومة الحقيقية المسلحة ضد النازي، والرأسمالية الفرنسية متهمة بالتواطؤ وجمع الأموال من السوق السوداء، واستغلال عناء الناس تحت جنح ظلام الحرب، وهناك من يقول أن المقاومة السرية كانت في الواقع عصابات قطاع طرق، وأما الطبقة العاملة الفرنسية فقد كانت في الواقع تعمل لصالح المجهود الحربي للنازي الألماني، ومؤسسات الدولة كلها من البوليس إلي القضاء إلي الإعلام كانت مليئة بالعملاء، والكل يحاول توجيه التهم إلي الكل، لدرجة أن آلافا من نساء باريس كن حليقات الرأس بعد إشاعات - أو وقائع عن علاقات لهن مع الضباط الألمان، والوقوع في غرامهم. وفي وسط هذا اليأس كله، كان هناك رجل واحد يبشر بالأمل، وهو الچنرال »ديجول« الذي لم يكن يملك في ذلك الوقت إلا الصيت الرمزي لحركة فرنسا الحرة، ولم تكن قدرته ولا سلطته تزيد عن التصرفات الرمزية من نوع الإصرار علي أن لا يرتفع فوق قوس النصر في باريس إلا علم فرنسا، وقد طلب أن تدخل قوات فرنسا الحرة إلي باريس قبل كل قوات الحلفاء، ولم يكن تحت تصرفه في البداية إلا لواء مدرع واحد يقوده الچنرال الفرنسي »لوكليرك«، وقد أصرَّ »ديجول« علي دخوله إلي "باريس" قبل غيره، لمجرد إحياء معني أن فرنسا موجودة، وأنها في صفوف المنتصرين، وفي الحقيقة فإنه بمجرد الرموز استطاعت فرنسا أن تعبر المحنة نحو درجة من التوازن، تستطيع معها أن تتصرف، وأن تتمكن من استعادة حقها في مصيرها. وإذن فإن التاريخ وهو المعلم الأول للسياسة يقول لنا الآن أن الأمل حليف الأمم بقوة التاريخ، والأمم قادرة باستمرار علي المستقبل عندما تري نفسها فيه!! لكن العقدة عندنا أنه ليس لدينا ديجول، وليس هناك ما يدل علي رجل مثله في الساحة، لكن الشعب يستطيع، إذا عرف الحقائق واستدعي الهمم ورفض الأوهام، بما فيها أوهام صناعة الصور !. قلت لمن لقيت من مسئولين: لابد من تقديم تقرير للأمة عن حالتها گما ترگها النظام السابق .. و لسوء الحظ لم يسمع أحد أو يناقش .. فوقع المحظور