لا خلاف علي أنه ليس من حق الكنيسة القبطية أن تحول بين مواطنة وبين إعتناق الإسلام.. وإعتقالها في مكان ما لا يعلمه أحد سواء داخل الكنيسة أو خارجها.. ليس فقط لأن في ذلك تعديا علي حقوق الإنسان وحريته.. بل أيضا لما ينطوي عليه من إهانة بالغة لهيبة الدولة وتجاوز علي القانون. لكن تحويل قضية إمرأة مسيحية أسلمت وجري إحتجازها في كنيسة ما (أو حتي بضع مسيحيات) إلي قضية تهدد السلم الأهلي ليس من العقل .. خاصة وأننا نتحدث عن مرحلة بالغة الحساسية تلملم خلالها الثورة أوراقها من أجل التأسيس لحقبة جديدة.. من الصعب إرجاع ما جري من عبث مارسه بعض السلفيين إلي قناعات ذاتية للمجموعات التي تقود الحراك في الشارع.. والذي أدي إلي أعمال عنف وقتل وحرق..لا خلاف علي أن التعميم خطأ كبير.. لأن كثيرا من المجموعات السلفية ترفض ما جري.. وكانت لبعض رموزها أدوار علي صعيد نبذ الطائفية كالشيخ محمد حسان مثلا.. لكن الأكيد أيضا أن من يتولون ما جري أيضا ينتسبون لذات التيار الذي يستسهل الإقصاء. بالله عليكم أيهما أولي.. أن ننقذ وطنا بأكمله يلملم جراحه بعد عقود من سيطرة الفساد والمفسدين.. أم إنقاذ إمرأة واحدة أو حتي عدد من النساء يقال إنهن أسلمن وإعتقلن في الكنائس !؟.. من دون أن نقلل من أهمية القضية.. أعني رفض أن تكون الكنيسة.. "دولة داخل الدولة".. لا سيما أن قيادتها العليا ظلت حتي اللحظة الأخيرة منحازة للنظام السابق.. وإن وقفت رموز كثيرة من الوسط القبطي ضد النظام وشاركت في الثورة.. ورأينا تجليات ذلك في ميدان التحرير. كان رائعا بالطبع موقف شباب الثورة الذين عملوا علي حماية الكنائس.. ودعوا إلي نبذ الطائفية.. وهؤلاء هم من يمنحون الناس الأمل بإستمرار الروح الإيجابية للثورة.. فضلا عن القوي السياسية الإسلامية والوطنية التي وقفت ضد التصعيد.. وأعلنت إنحيازها لوحدة الوطن والمواطنين. لا شك أن مسئولية المسلمين هي الأهم بوصفهم الغالبية التي ينبغي أن تحتضن الجميع.. لكن ذلك لا يقلل من أهمية الموقف الآخر الذي تميل بعض دوائره نحو التصعيد.. إذ لا المسيحية ستهدد في مصر إذا إعتنقت قبطية الإسلام.. ولا الإسلام سينتصر بإسلامها.. وليتذكر الجميع أن بعض التمييز القديم ضد الأقباط لم يكن خيار الشعب.. بل كان تعبيرا عن سياسة النظام الذي كان يقصي الجميع.. بدليل أن حجم الإضطهاد الذي تعرض له الإسلاميون كان أكبر بكثير من الظلم الذي تعرض له المسيحيون. دولة الأمن والحرية هي وحدها القادرة علي حماية الجميع.. وإنحياز تلك الدولة للإسلام كمرجعية لها لا يعني إضطهاداً للمسيحيين.. ولو صحّ ذلك لما كان للأقباط ولسائر المسيحيين وجود في مصر والمشرق عموما.. الأمر الذي ينسحب علي سائر الملل الأخري. إن المجموعات السلفية مدعوة لتحكيم العقل وإلا فإن التعامل الأمني مع الخارجين علي القانون سيكون خيار الشعب برمته.. فالنظام اليوم ليس نظام حسني مبارك.. إنما هو نظام يحاول التعبير عن ضمير الشعب.. وسيكون الوضع السياسي أكثر تمثيلا لهم بعد إنتخابات مجلس الشعب الجديد.