كلما قرأت أو سمعت وصف ما حدث يوم الثالث من يوليو بأنه انقلاب, لا قرار ديمقراطي شديد الوضوح من عموم المصريين بضرورة انسحاب المتأسلمين من المشهد السياسي العام, كلما سمعت أو قرأت ذلك أتذكر علي الفور قصة أمريكية واقعية تروي قدرة المتمسكين بحرفية الشكل علي تزوير الواقع الحي, فتنقلب الحقائق إلي عكسها, ويتم تزوير النتائج لتصير علي هوي من يرفضون قبول الواقع. القضية حكاها لي رجل القانون الكبير شريف بسيوني عميد معهد حقوق الإنسان بجامعة دي بول بشيكاغو, وهي قضية واقعية يتم تدريسها في أكاديمات دراسة القانون, حيث تبدأ تفاصيلها بعد اعتداء مستوطن أبيض إبان محاولات البيض لاستئصال الهنود الحمر, اعتدي هذا المستوطن علي أرض الهندي الأحمر, ولما كان الإعلام يثرثر أيامها عن قيمة القانون في صيانة الحقوق, لذلك قرر الهندي الأحمر اللجوء إلي المحكمة; فركب حصانه كي يصل إلي المدينة التي توجد بها المحكمة, وبينما وهو في الطريق الصخري الموصل إلي مدينة المحكمة, تعثر حصانه لتنكسر ساقه فأصبح يصهل ألما, ولأن الهندي الأحمر لا يطيق بكاء حصانه, لذلك أطلق عليه رصاصة الرحمة, وماهي إلا دقائق حتي وجد الأبيض المغتصب لأرضه يحاصره بواسطة قوات الشرطة ويلقي القبض عليه بتهمة قتل اندهش الهندي الأحمر لأن المقتول هو حصانه, وليست للحصان أجنحة فضلا عن أن كل عصفور له جناحان يطير بهما وله ساقان اثنتان أما الحصان فله أربعة أرجل ولا يقدر علي الطيران. وعندما فصل القاضي الأبيض في القضية, قرر أن يطلب من الهندي الأحمر إثبات أنه قتل حصانا لا عصفورا, ولما كان إثبات ذلك أمرا مستحيلا, لذلك حكم القاضي عليه بالسجن, لينعم المستوطن الأبيض بملكية الأرض التي اغتصبها من الهندي الأحمر. وعندما ثرثر المتأسلمون بأن ما جري يوم الثالث من يوليو هو انقلاب عسكري, رغم الحشود التي أمسكت بكارت أحمر تقول به لمحمد مرسي أخرج من قصر الحكم وتبع ذلك جموع نزلت في السادس والعشرين من يوليو للتفويض بما لايدع أي مجال لأي شكل, تفويض واضح وأمر صريح للفريق أول عبد الفتاح السيسي بأن يفضها سيرة لأن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا مؤمنين بأبسط مبادئ الإسلام, وفي تاريخ حكمهم الذي استمر ثلاثمائة وثمانية وستين يوما ما يندي له بعار الخجل جبين أي مسلم, ولم يتذكروا حقيقة واقعية ثابتة بالتاريخ حين رفض عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يصلي داخل كنيسة القيامة خوفا من أن يهدر سطحيو الإيمان مكانة الكنيسة كبيت من بيوت يذكر فيها اسم الله, وجاء النص الصريح بالقرآن علي ضرورة صيانة كل مكان يذكر فيه اسم الله, وغير ذلك من محاولات التغلغل في مفاصل الدولة بمن ينتمون إلي جماعات المتأسلمين دون أن تكون لهم دراية بقواعد وأبجديات العمل في تلك المناصب التي توسدوها, وهذا التوسد واحتلال المناصب منهي عنه بقواعد صحيح الإسلام. ولكن من العيوب الظاهرة في إدارة القوي المدنية الرافضة لسيطرة المتأسلمين أنهم لم يبدأوا الفرز ولا أقول التطهير فيمن يدير أمور السياسة الخارجية ويعبر عن مصر الرافضة للهوس جنون التجارة بالدين, فلم نجد قوة حيوية في الهيئة العامة للاستعلامات أو في أغلب السفراء في العواصم التي برع فيها المتأسلمون كي يزرعوا فكرة أنهم ضحايا لا مجرمين, فضلا عن أن التيار المدني والذي يتوسطه العقل اليقظ محمد البرادعي في حاجة إلي الوعي بأن سيادة القانون في مصر المحروسة لا تتطلب منا الانتظار لنثبت أمام الكون أن المسروق منا هو وطننا لا أن نتهم أنفسنا بأننا قتلنا عصفورا هو حكم التأسلم رغم أننا لم نقتل أحدا; بل كنا المقتولين. وليس مطلوبا منا أن نرتدي وشاح المغفرة لمن يسيئون إلي مستقبلنا لا بفساد إدارتهم السابقة لشئون مصر فقط, بل أيضا بدفع عشرات الأطفال حاملين أكفانا, قبل أن نهيئ لهم مجتمعا يتيح لهم فرص مستقبل مقبول. وليس مطلوبا منا أن نرتدي وشاح الدفاع عمن يقومون بتكفيرنا صباح مساء, ويروعون أهالي كل منطقة يمرون بها, سواء في رابعة أو النهضة, أو يتفقون مع تنظيم القاعدة كي يقتل من جنودنا كل يوم فرد أو اثنان. فنحن لن نغفر. كما أنه ليس المطلوب منا أن نرضخ لهوس التعالي الغربي علي إرادة شعب قرر أن يسترد كرامته المهدرة عبر أربعين عاما طويلة, كرامة مهدرة بقبول وضع الدولة التابع التي تنتظر من ليدي أشتون أو المدعو ماكين صك براءة. وطبعا لابد من عتاب موصول للدكتور البرادعي الذي ادعي لنفسي أني محايد تجاه آرائه, وأري بعيون البصيرة أنه يحلم بدور مانديلا المصري, علي الرغم من أنه قضي حياته كموظف دول, في مؤسسات أدمنت الرضوخ للقوي الوحيدة في عالمنا ألا وهي الولاياتالمتحدة, وليس في تجربة البرادعي عبر سنوات عمره نضال سياسي يمكن أن نتذكره وإن كنا نثمن له موقفه الواثق في الشباب المصري, ويا عزيزي د. محمد البرادعي: مثاليتك غيبت عنك رؤية تلوث ضمير المتأسلمين التي تنزف بدموع التماسيح ليل نهار في وسائل إعلام الغرب لأن عموم المصريين طالبوا جيشهم ممثلا في الفريق أول عبدالفتاح السيسي بأن يعلن الحقيقة البسيطة وهي أن عموم المصريين مستعدون للموت في سبيل استرداد كرامة هذا الوطن المهدرة منذ قرابة أربعين عاما طويلة, وتجسد الهدر بما يفوق الخيال في ثلاثمائة وثمانية وستين يوما من حكم المتأسلمين. لمزيد من مقالات منير عامر