د. آمنة نصير العميدة السابقة وأستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر تقدم لنا في حوارها المميز معنا خريطة الطريق لإعادة إسلامنا الوسطي لإطاره المستحق بالاهتمام بمؤسسة الوعاظ والمساجد والتأهيل الجيد وليس التحفيظ مع ضرورة عدم خلط الدين بالسياسة وتوظيف الدين ونصوصه لاكتساب بعض المكاسب، مشددة علي أهمية محاسبة كل من أساء إلي الشعب المصري وأراق دماءه بالقانون الناجز العادل، مع عدم التفريط في أي جزء من مكتسبات ثورتنا الشعبية لإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحاول تنفيذه أمريكا. وطالبت «نصير» بضرورة تحسين مرتبات الأئمة والقائمين علي أمور الدعوة حتي يرتقي مستواهم المادي والمعنوي ووجهت كلمة إلي شباب مصر بأن تترك قيادة البلاد إلي أصحاب الخبرة حتي تشفي مصر من أمراضها ثم يعاد ترتيب الأوراق من جديد لكل الأطراف. كما استبعدت «نصير» عودة شباب الإخوان مرة أخري إلا بعد ربع قرن حتي تتعافي أنفسهم وحتي يتسامح المجتمع ويقبلهم مرة أخري. ∎ كيف يكون رمضان فرصة للعودة إلي الدين السمح الوسطي، خاصة أنه كان متزامنا مع ثورة 30 يونيو؟ - الشعب المصري يحتفي بقدوم رمضان من حيث الشكل العام، أما من واقع الإنسان فنجد رمضان له إشراقة خاصة سواء داخل النفوس ولياليه ومساجده وحتي في الفضائيات، فالإنسان في داخل هذا التهيؤ المحيط به يجاهد مع نفسه حتي يرقي الجانب الروحاني بداخله ويعطيه الشحنة التي تستمر معه طول العام. ∎ كيف يؤثر الإسلام الوسطي في عالم متغير معاصر مليء بالنسخ الخاطئة للإسلام؟ - الدين الإسلامي بوسطيته استطاع أن يستوعِب وأن يستوعَب.. استوعب الحضارات السابقة سواء الفرعونية أو الرومانية أو القبطية، ويستوعبه الإنسان بشكل سلس ورائع.. والقرآن الكريم يؤكد علي حقيقة الوسطية في سورة البقرة «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا».. إذن الوسطية إرادة إلهية فرضها الله علي المسلمين وازدهرت في عقائد الشعب المصري بشكل متوازن ورائع. ∎ ما خارطة الطريق التي تقدمينها للمجتمع المصري حتي نعيد الإسلام إلي شكله الوسطي الذي يعرفه الجميع باستثناء «المتأسلمين»؟ - يتحقق هذا من خلال دور الأزهر الفعال في حماية الوسطية وبشكل منظم في آليات المساجد، فلابد للمساجد أن تأخذ دورها الحقيقي في تثبيت الدين الوسطي الذي هو من نسيج الشعب المصري وأن يضطلع الأزهر بهذا الدور.. وينشط الرجال الذين يتولون هذه الآليات حتي نعيد الإسلام الوسطي ونقاوم الفكر المتطرف الذي وفد إلينا. ∎ كيف ندعم الأزهر حتي يعود مرجعا للمسلمين في كل الأرض؟ - «إعادة الهيبة» له وإحياء فاعلية الدور المنوط بأدائه.. ريادة وأئمة وجامعة وجامعا وأن يستيقظ الأزهر بمواقعه المختلفة بداية من التعليم بالمعاهد إلي الجامعة والتركيز علي كليات الدعوة والأصول والشريعة واعتدال الميزان العلمي لهذه الكليات والتأهيل الجيد وليس التحفيظ لأئمة ووعاظ المساجد والتليفزيون والمعاهد والمنتديات المختلفة. ∎ كيف نحمي مساجدنا من دعاة التكفير والإرهاب والفتنة أليس من المفروض أن يشرف الأزهر عليها؟ - المفروض أن وزارة الأوقاف تشرف علي هذه المساجد لأنها فرع من فروع المؤسسة الأزهرية، والأزهر تراجع كثيرا عن دوره، مما ترك الفرصة لهذا الفكر المتطرف والمتربص بالسيطرة علي الكثير من المساجد والفضائيات، التي خلقت اهتزازا في تثقيف الإنسان المصري بوسطية هذا الدين العظيم. ∎ كيف نعيد تأهيل القنوات التي تعتبر نفسها «قنوات دينية»؟ - هذه القنوات التي وضعت عنوانها القنوات الدينية للأسف لم تخدم الدين ولم تؤهل المسلمين التأهيل الرشيد لصحيح الدين وبوسطيته، بل انخرطوا في مصطلحات عنيفة، وعكسوا الكثير من اللغة الخشنة علي طوائف المجتمع المصري، وأخذوا يمارسون سطوة القرون الوسطي فجعلوا من أنفسهم أوصياء علي الناس ومكلفين بأن يعطوا هذا صك الإيمان أو يمنعوا عن هذا الإسلام أو نشر كلمة الكفر والتشكيك في عقائد الناس. ∎ ما رأيك في تكرار إفرازات 25 يناير بالاستسلام إلي ضغوط السلفيين للإبقاء علي الأحزاب ذات المرجعية الدينية؟ - مصر أصبحت مسرحا لهذه التجارب.. التجارة بالدين وخلط الدين بالسياسة وتوظيف الدين ونصوصه لاكتساب بعض الفوائد أو تأهيل أنفسهم لكسب الناس إليهم لأنهم يعلمون مدي تدين الشعب المصري، وهم استخدموا هذه الورقة دون إنصاف للدين أو وضع القضايا السياسية في حجمها، وأظن أن معركة المجتمع المصري بدأت مع السلفيين منذ بداية ثورة 30 يونيو! ∎ هل من الممكن أن يعود شباب الإخوان والسلفيين للدين الإسلامي السمح الوسطي من جديد أم أن هذا صعب؟ - المسألة تحتاج إلي ربع قرن من الزمان حتي تتعافي جميع الأطراف ويتسامح المجتمع في تقبلهم مرة أخري بعدما منحهم بسخاء هذه القدسية والاحترام والأصوات في الانتخابات التي ما كانوا هم يحلمون بها، وأتمني من دور الأزهر أن يكون هو المعالج العقدي والنفسي أو الاجتماعي وأن يسارع في وصول الأطراف المختلفة للعافية والسلامة في العقيدة والثقافة حتي يسترد المجتمع المصري عافيته دون هذا اللجج والحوارات والتكفير والتطاول. ∎ كيف نعيد علماء الدين الإسلامي إلي مكانتهم بعدما طالهم من سوءات مدعي الدعوة؟ - إعادة تأهيل الأشخاص علميا وثقافيا وماليا هو الحل الصحيح لهذه الأزمة، وأنا أطالب بتحسين مرتبات الأئمة والقائمين علي أمور الدعوة. ∎ كيف واجه التاريخ الإسلامي نماذج الخوارج والمرتدين والمتطرفين؟ - فكرة الخوارج ظهرت منذ معركة «صفين» وتلتها معركة «كربلاء» بقيت الخصومات بين الأطراف المختلفة، والتي أفرزت الفرق الكلامية.. وعلم الكلام الذي يدرس في أقسام العقيدة والفلسفة فظهر المتطرف مثل الخوارج الذين أخذوا بظاهر النصوص وانساقوا في تكفير المجتمع أو الذين توسطوا مثل مدرسة الأشعرية أو الذين انحازوا للعقل علي حساب النص وامتلأت الساحة حتي يصفها «الشهرستاني» مؤلف الفرق الكلامية فيقول كانت الفرقة تصبح في الصباح إلي أن يأتي المساء تنشطر وتنقسم بعشرات الفرق وهانحن نري هذا النوع فأصبح لدينا السلفية الجهادية والسلفية التكفيرية والمعتدلة وإن التاريخ في العصر الأول بعد معركة صفين عاد إلينا في السنوات الأخيرة. ∎ نريد تذكير الناس بمواقف من التاريخ الإسلامي عن مواجهة الخوارج والمرتدين؟ - النفس البشرية بطبيعتها تنفر من التطرف والإكراه وعندما يوجد التطرف يحدث صراع النفس مع قضايا العقائد منهم من ينصاع وينخرط في هذا التطرف ومنهم من يرفضه ومنهم من يرتد، فعلي الذين يتطرفون ويتطاولون علي غيرهم من الديانات الأخري أن يتقوا الله في أمر هذا الدين وأن يعلموا أن التطاول ليس من أخلاق الإسلام ولا من رسالته، فعن النبي - صلي الله عليه وسلم- قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل بناية أكملت وأجملت ولم يبق بها غير اللبنة فأخذ الناس يتعجبون ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فيقول - صلي الله عليه وسلم - فأنا هذه اللبنة وأنا خاتم الأنبياء، وعلي البشر والإنسانية أن ترعي الله مع المختلفين معهم لأنها إرادة إلهية.. الاختلاف هو سر نماء وثراء البشرية وبقائها. ∎ هل من الصحيح أن نتعامل مع الإخوان علي طريقة تعامل سيدنا علي مع الخوارج؟ - سيدنا علي كرم الله وجهه قال كلمته الشهيرة: لن أقاتلهم إلا إذا هم قاتلوني وأراقوا الدماء. فعلي القانون الناجز القوي أن يضع الأمور في نصابها وعلي الإخوان أن يتداركوا أن ما فات انتهي وأن من الذكاء أن يبدأوا صفحة جديدة بعدما طويت ثمار فشلهم وثمار أنهم لم يرعوا الله في حق هذا الوطن وأن يدركوا تمام الإدراك أن الشعب المصري وأن مصر لا تصلح أن تكون عزبة لفصيل أو لجماعة أو لأيديولوجية وأن مصر أقوي وأشد من أن توضع في قميص فصيل أو في ذمة مجموعة وأحسب أنهم استوعبوا هذا الدرس وأدركوا التجربة. ∎ سيدنا رسول الله أعطي سيدنا علي وأسامة بن زيد بعض الملفات القيادية والمناصب المهمة، لماذا لم تعط حكومة الببلاوي فرصة للشباب لتولية المناصب القيادية؟ - الدولة مريضة لابد لأهل الخبرة أن يقوم الأطباء لأخذ البلد من مؤخرتها إلي الأمام، ولنترك هذا الأمر إلي أن تستيقظ مصر من أمراضها وتشفي من عللها في هذه الحالة يعاد ترتيب الأوراق لكل الأطراف، كل من يستطيع أن يبني لبنة في مصر أهلا به سواء من الشباب أو أصحاب الخبرة بعد تجاوز هذه المرحلة الحرجة! ∎ أمريكا مصرة علي استمرار الأحزاب الدينية وعدم إقصاء الإخوان للإبقاء علي مشروع الشرق الأوسط الجديد! - أندهش من طريقة الهيمنة الأمريكية علي مصر وكأننا ولاية من ولاياتها، وليس لسواد عيون مصر أو حبا في الإسلام، وإنما هي مسألة تكتيكية لأنهم أصبحوا مطمئنين تماما لولاء الإخوان، فالجماعة نفسها أعطت هذا الولاء للرغبة الأمريكية لتحقيق الاستمرار علي الكرسي، والإخوان حققوا ما تريده أمريكا لأنهم تعلموا أنها تريد تسوية الأمر لصالح إسرائيل، وهذا ما رأيناه في سنة د. مرسي، لا صانوا تراثنا وزمام بلادنا ولا فنانينا وكل هذا كان لمصلحة جلب الأموال، وهذا كله يتم تحت عين أمريكا. ∎ ما رأيك فيما يقولونه علي منصة رابعة بأنهم رأوا في مناماتهم بأن الفريق السيسي سوف يغرق في بحر من الدماء؟1 - هذا الكلام عار ويجب أن يحاسب من يقوله ولابد أن يعلموا أنها لا تدوم لأحد، لأن مرسي عندما تولي الحكم فشل في إدارة هذه البلاد ولم يف بأي عهد أقسم عليه أمام الله وأمام الشعب وعلي الإخوان أن يدركوا التغيرات الجذرية علي سيكولوجية الشعب المصري. ∎ أثبتت الأحداث خديعتها فلماذا لا يقول عنهم أنهم «متأسلمون»؟ - لم أر سوي لهفة علي الكراسي والاستحواذ علي الأموال.. ولا أري من قام بأصول الدين ومبادئه وأخلاقه. ∎ كيف يكون شهر رمضان فرصة للمصالحة الوطنية؟ - توضع الأمور في نصابها في إطار القانون القوي والعادل الناجز وأن من أساء إلي الشعب المصري وأراق دماءهم أو آذاهم في مال أو عرض يحاسب.. «إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن» فلابد من تطبيق الروشتة الإلهية في الثواب والعقاب.