لا يحق لنا أن نشك ولو للحظة في انتصار ثورة25 يناير, فقد دخلت مصر مرحلة جديدة في تطورها, مرحلة ثورية لن تتوقف إلا بعد أن تحقق التغييرات الجذرية التي يتطلع إليها الشعب المصري. وعلي رأسها إقامة نظام ديمقراطي يتمتع في ظله الشعب المصري بحقه كاملا في اختيار حكامه وتغييرهم بإرادته الحرة, وإقامة نظام اقتصادي كفء يتمتع بثماره المصريون جميعا علي قاعدة العدالة الاجتماعية التي تكفل لكل من يولد علي أرض مصر فرصة متكافئة في الحياة توفر له المتطلبات الضرورية في الحياة من تغذية كافية وعلاج وتعليم مجاني ومسكن صحي وفرصة عمل مناسبة عندما يصل إلي سن العمل مع أجر يكفل له ولأسرته معيشة كريمة. هذا هو ما خرج المصريون من أجله يوم25 يناير2011 يهتفون عيش حرية عدالة إجتماعية كرامة إنسانية ودفعوا يومها الثمن غاليا أكثر من ألفي شهيد وستة آلاف مصاب وهم مستعدون لمضاعفة هذا الثمن من أرواحهم وأجسادهم إلي أن تتحقق هذه المطالب. نحن نتحدث هنا عن الشباب الذين دعوا إلي مظاهرات25 يناير وحولوها خلال ثلاثة أيام فقط إلي ثورة شعبية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية, فلم يحدث من قبل أن شاركت مثل هذه الملايين في تحرك شعبي سلمي متواصل أسقط رأس النظام تحت ضغط الحشد الجماهيري. نحن نتحدث هنا عن هذا الجيل من الشباب الذي أدهشنا بإصراره علي التغيير و استعداده لدفع ثمن هذا التغيير, هذا الجيل الذي أدهشنا بمبادراته في الميدان, وقدرته علي التعبئة الجماهيرية, وإصراره علي الاستمرار إلي أن تتحقق أهدافه كاملة, لا يقبل المساومة أو أنصاف الحلول. هذا الجيل الذي أدهشنا بقدرته علي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأحدث أدوات التكنولوجيا المعاصرة في عمل ثوري غير مسبوق, هذا الجيل الذي دفع أوباما رئيس أكبر دولة في العالم وأكثرها تقدما إلي مطالبة شعبه بالتعلم من الشعب المصري ويقصد بالتحديد شباب مصر الذين فجروا هذه الثورة الشعبية غير المسبوقة. كان هذا الجيل الذي أدهشنا معنا دائما لكننا لم نلتفت إليه بالقدر الكافي, كان شريكا لنا في التصدي لمشروع التوريث وتزوير الانتخابات وضد الاستبداد والفساد, اكتسب خبراته الأولي من نشاطه تحت قيادة الأجيال السابقة في الجبهة الوطنية للتغيير وحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير ومصريون ضد التزوير, ولكنه استقل بحركته في منظماته الخاصة6 أبريل, وشباب من أجل العدالة والحرية, كلنا خالد سعيد, الحملة الشعبية لمساندة البرادعي, حملة طرق الأبواب. وفي التننظيمات الشبابية للأحزاب السياسية. تحول من خلال هذه المنظمات إلي شريك في النضال من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. كانوا معنا في الجمعية الوطنية للتغيير ناصر عبد الحميد, ياسر الهواري, أحمد ماهر, شادي الغزالي حرب, مصطفي النجار, عبد الرحمن يوسف, ومعهم خارج الجمعية كثيرون إسراء عبد الفتاح, وأسماء محفوظ, خالد السيد, وخالد عبد الحميد, كانوا أيضا في الأحزاب السياسية مثل بسام صبري ورامي صبري ومروة فاروق وإلهام القصير وزياد وعماد فرج وخالد تليمة. لا يقتصر هذا الجيل علي أولئك الذين شاركوا في النشاط العام بل كان إلي جوارهم المدونون علاء ومنال ووائل عباس, ومالك مصطفي وعشرات غيرهم وأجيال أصغر سنا مثل كريم حسن(14 سنة) صاحب مدونة نفسي أكبر الذي يري أن التعليم هو مفتاح نهضة مصر ويبحث يومياعن مزيد من المعارف تؤكد هذه الفكرة, وهو الذي كاد أن تدهسه الأقدام فوق كوبري قصر النيل يوم جمعة الغضب لولا أن احتضنه شقيقه الأكبر أحمد وتلقي الضربات نيابة عنه إلي أن أخرجه من المواجهة مع الأمن المركزي, وهناك أيضا آلاف الشباب الذين جذبتهم الثورة إلي ساحة العمل العام دون أن يكون لهم سابق اهتمام بقضايا المجتمع, ولكنهم أصبحوا الآن جزءا من حركة قوي الثورة, بل يعتبرون أنفسهم أصحاب الثورة, ومنهم من يضع علي سيارته شعار شهيد تحت الطلب, مثل محمود سعد الإمام الذي لم يكن له أي اهتمام خارج نطاق الدراسة ولكنه لم يغادر الميدان طوال ثمانية عشر يوما حتي تنحي مبارك. نذر هؤلاء الشباب أنفسهم للثورة يتركون ما في أيديهم وينزلون إلي الميدان كلما دعي الداعي إلي ذلك. بل نجدهم يبادرون إلي الدعوة لنزول الميدان كلما جد جديد يستدعي ذلك. إنهم ليسوا بالعشرات أو المئات بل عشرات الألوف في كل مدينة وقرية. وهناك أمثلة عديدة لشباب وفتيات أصيبوا في الموجة الأولي من الثورة في يناير وفبراير2011 ولكنهم عادوا إلي الميدان مرة أخري فأصيبوا مرة أخري مثل أحمد حرارة الذي فقد إحدي عينيه في28 يناير ثم عاد مرة أخري إلي الميدان ليفقد عينه الأخري يوم19 نوفمبر. بل منهم من عاد مرة أخري لينال الشهادة التي كثيرا ما تمناها. ونحن ننسي في غمرة اندهاشنا من هذا الجيل وما يتسم به من صفات حقيقية مهمة وهي أنه لاشيء يأتي من فراغ, فما نعايشه الآن هو ثمرة لجهود سابقة, وهذا الجيل من الشباب هو نتاج لتربية جيل من الآباء والأمهات تتراوح أعمارهم الآن بين الخامسة والأربعين والستين حرمتهم أجهزة القمع من المشاركة في التغيير خلال عقدي الثمانينات والتسعينيات فكرسوا طاقاتهم لتربية أبنائهم في مناخ من الحرية وتوفير أفضل الظروف المعيشية لهم وتلقي العلم في ظروف مناسبة وامتلاك الأجهزة التي تمكنهم من التواصل عبر أحدث ابتكارات التكنولوجيا الحديثة مع ما يجري في العالم, وكان هؤلاء الآباء والأمهات في أحيان كثيره الي جوار أبنائهم في الميدان معظم الوقت ولم يكن غريبا وجود طلال شكر مع أولاده الثلاثة أمنية وأحمد ومحمد جنبا الي جنب يدافعون عن الميدان ضد هجمات البلطجية, وعندما عاتب بعض الأهل والدة محمود سعد علي سماحها له الوجود بالميدان كان ردها هو أغلي من اللي استشهدوا؟! تمتع هذا الجيل الذي أدهشنا بالحرية وامتلكوا ناصية المعرفة وتحلوا بالشجاعة في ارتياد مساحات مجهولة من هذا العالم بفضل آبائهم وأمهاتهم, فكان هذا كله زادهم عندما تصدوا لرسالة التغيير. ويعود الفضل إلي أسرهم التي وفرت لهم هذا كله فرأيناهم علي ماهم عليه من جرأة وإصرار وعزيمة لا تلين.كنا نتابعهم منذ25 يناير وهم يطرحون المطلب تلو الآخر, ويصعدون مطالبهم إلي أن هتفوا بإسقاط النظام, يومها أشفقنا عليهم لكنهم كانوا ببصيرتهم الواعية يؤمنون بقدرتهم علي إسقاط النظام والتخلص من الطاغية, فكان لهم ما أرادوا, فهل يفعلونها مرة أخري وينجحون في إخراج البلاد من مأزقها الراهن ؟ لست أشك في ذلك, ربما نكون بصدد مفاجأة جديدة يوم25 يناير.2012 المزيد من مقالات عبد الغفار شاكر