منافذ أمان تضخ لحوم بأسعار مخفضة في كافة محافظات الجمهورية (صور)    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    وظائف جديدة بمرتبات تصل ل 15 ألف جنيه.. التخصصات والشروط    موعد عودة الوزارات للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025. .. اعرف التفاصيل    خريطة الأسعار اليوم: استقرار الحديد والبيض وارتفاع الذهب    ارتفاع البطاطس والبصل .. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه .. اعرف التفاصيل    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    التأمينات الاجتماعية تواصل صرف معاشات شهر يونيو 2025    بعد إبحار 7 أيام.. السفينة "مادلين" على بُعد أميال من غزة    الجيش الروسي يعلن إسقاط رابع مسيرة كانت تتجه نحو موسكو    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    لواء بجيش الاحتلال : حماس هزمت إسرائيل وعملية "عربات جدعون" تسفر يوميا عن مقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين    أول ظهور ل تريزيجيه.. تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة باتشوكا المكسيكي    مكالمة الخطيب وتهديد بالاعتزال.. تريزيجيه يكشف كواليس عودته للأهلي    مهرجانات رياضية وفعاليات احتفالية..مراكز شباب مطروح تفتح أبوابها للمواطنين    رومانو: عرض نهائي من تشيلسي إلى ميلان لضم مانيان    تدخل قطري.. حقيقة اتفاق الزمالك مع زين الدين بلعيد    ضبط أكثر من 7 أطنان دقيق في حملات تموينية موسعة خلال 24 ساعة    مصرع عامل وإصابة 8 من أسرته في حادث بسوهاج    العثور على جثة رضيعة داخل كيس أسود في قنا    حدائق الدقهلية تستقبل زوارها لليوم الثالث علي التوالي في عيد الاضحي المبارك    إجابات أسئلة النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025 مادة الجغرافيا (فيديو)    الداخلية: ضبط عنصرين جنائيين لغسلهما 50 مليون جنيه من متحصلات الاتجار بالمواد المخدرة    افتتاح مركز زوار قلعة قايتباي بالإسكندرية بعد الانتهاء من تجهيزه - صور    تعرف على الفيلم الأقل جماهيرية بين أفلام عيد الأضحى السبت    فريق كورال قصر ثقافة أحمد بهاء الدين بأسيوط يشارك فى احتفالات عيد الاضحى    الدفاع المدني بغزة: الاحتلال دمر 99% من المعدات والقصف متواصل على خان يونس    بالصور ..عروض البيت الفني للمسرح " كامل العدد " في موسم العيد    بعد عيد الأضحي 2025.. موعد أول إجازة رسمية مقبلة (تفاصيل)    أمين الفتوى: أكل "لحم الجِمَال" لا يَنْقُض الوضوء    "الرعاية الصحية": استمرار صرف أدوية الأمراض المزمنة وجلسات الغسيل الكلوي خلال العيد    انفجار في العين.. ننشر التقرير الطبي لمدير حماية الأراضي المعتدى عليه خلال حملة بسوهاج    تسخين اللحم بهذه الطريقة يعرض حياتك للخطر.. احترس    أمين «الأعلى للآثار» يتفقد أعمال الحفائر الأثرية بعدد من المواقع الأثرية بالأقصر    تحرير 135 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    «البدوي»: دعم الرئيس السيسي للعمال حجر الأساس في خروج مصر من قوائم الملاحظات    الصحة: فحص 7 ملايين و909 آلاف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف السمع    الدكتور محمد الخشت: 11 شرطا لتحول القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية    محافظة الشرقية: إزالة سور ومباني بالطوب الأبيض في مركز الحسينية    بيان عاجل من «الزراعيين» بعد التعدي على مسؤول حماية الأراضي في سوهاج (تفاصيل)    متحدث مستشفى شهداء الأقصى: كميات الوقود بمستشفيات غزة تكفى فقط ليومين    مجلة جامعة القاهرة لعلوم الأبحاث التطبيقية «JAR» تحتل المركز السادس عالميًا (تفاصيل)    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    مقتل شاب في مشاجرة بالأسلحة البيضاء بالمحلة    رونالدو ينفي اللعب في كأس العالم للأندية    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    غزة.. السودان.. ليبيا.. سوريا.. المعاناة مستمرة عيدهم فى الشتات!    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    أسعار الأسماك اليوم الأحد 8 يونيو في سوق العبور للجملة    مسؤولون أمريكيون: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت بعدا    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    زيزو: إدارة الكرة في الزمالك اعتقدت أن الأمر مادي.. وأنا فقط أطالب بحقي وحق والدي    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسامة كمال : الجيل الأفضل في مصر
نشر في البديل يوم 12 - 04 - 2011

مع نجاح ثورة 25 يناير ، تحدث غير واحد من الأجيال المصرية القديمة ، مشيدين بشباب الثورة ، ومعتبرين جيل الثورة أفضل الأجيال المصرية على الإطلاق ، وعلى مدى تاريخ مصر الطويل والعريق ، ولم ينسوا أن يجلدوا ذوات أجيالهم ، متهمين أنفسهم بالضعف والخضوع والاستكانة ، والرضوخ لأنظمة فاسدة .. ولم يختلف في التعبير عن ذلك ، عالماً مرموقاً مثل فاروق الباز ( مواليد 1938 ) ، وصل في جلد ذات جيله ، إلى حد أن اتهم جيله بأنه سبب كل نكبات مصر المعاصرة ، أو موسيقياً نابهاً مثل عمار الشريعي ، نطقت موسيقاه بتفاصيل مصر الحميمة ومنمنماتها الخلابة والمدهشة ، حينما انحاز لمطالب الثورة المصرية ، ولدفق شبابها وأحلامهم ، رغم أن موسيقاه وألحانه ، التقت يوماً مع تدشين مشروع الرئيس السابق في دوراته الرئاسية الأولى ، وفى حفلاته الأكتوبرية السنوية .. وجلد عمار ذاته ، مع جلده لكل جيل السبعينات من مجايليه .. وتحدث في نفس المضمار ، سياسين وأدباء وفنانين ، من أجيال مختلفة ، ووصل الأمر ببعضهم ، مثل المخرج السينمائي خالد يوسف ( مواليد 1964 ) ، بأن طالب بأن يتحمل الشباب المسئولية كاملة ، في كافة مناحي الحياة بمصر ، وتكتفي الأجيال الأقدم بصفة المراقبين .. ولست ضد أن تجلد الأجيال المصرية ذواتها ، وتعبر عن حزنها لأنها لم تفعل ما فعله جيل شباب 25 يناير ، لكنني أنظر لكل حدث من خلال سياقه وظروفه ، فجيل الستينات الذي ينتمي إليه فاروق الباز ، تفتحت عيناه على ثورات التحرر الوطني ، وتلامس مع أحلام الشعوب الفقيرة في أسيا وأفريقيا ، وترك أحلامه بين يد زعامات وطنية في وقتها ، قبل أن تتحول تلك الزعامات إلى أنظمة ديكتاتورية ، لا تقبل بالرأي الآخر ، أو الصوت المخالف ، أو حتى بالحلم في ديمقراطية حقيقية .. وثار شباب الستينات في مصر عام 1968 ، في توقيت متقارب مع تظاهرات مماثلة في كل بقاع العالم ، في عام عمّ فيه الغضب والرفض كل أصقاع الكرة الأرضية ، لأسباب مختلفة ، خصّ مصر منها : سبباً ظاهرياً تمثل في المحاكمات الهزيلة لقادة الطيران المصري بعد هزيمة يونيو 1967 ، وسبباً جوهرياً تمثل في أزمة النظام المصري وشرعيته ، ومدى تعبيره عن مطالب المصريين ، بعد الهزيمة المخزية .. وتم وأد ثورة الشباب حينها ، ولم تتبنى الانتفاضة فئات الشعب المختلفة ، وطوائفه المتنوعة ، في ظل نظام شمولي سلطوي ، حمل المصريون لرمزه وأيقونته ، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، رصيداً أبوياً بالرغم من الهزيمة المهينة ، لأنه بالرغم من كل شيء ، لم ينكر عليه أحد شرفه أو وطنيته .. وفى يناير عام 1972 ، انتفض الشباب مرة أخرى ، وسبب انتفاضته الظاهري ، خطاب الرئيس الراحل ، محمد أنور السادات ، المسمى بخطاب الضباب ، والذي برر فيه عدم خوضه الحرب في عام 1971 ، بسبب الضباب الذي غلّف العالم بعد حرب الهند وباكستان ، أما السبب الجوهري والحقيقي فهو المطالبة بالحرية والديمقراطية ، أو على حد تعبير الثوار الشباب وقتها ( كل الديمقراطية للشعب ، كل التفاني للوطن ) ، ولم تتبن جموع الشعب أيضاً وقتها ثورة الشباب أو تشاركه انتفاضته واحتجاجه ، ربما باستثناء بعض المثقفين والأهالي المجاورين للميدان ، سيما أن نظام الرئيس السادات ، لم يختلف عن نظام سلفه الرئيس جمال عبد الناصر ، في سلطويته ، واستحواذه على كل منافذ الرأي و التعبير ، المقروءة والمسموعة والمرئية .. وفضّ الأمن المركزي انتفاضة الشباب بكل عنف ، وفرق مجموعات الشباب ، ومعها تفرقت أحلامهم بوطن حر وديمقراطي .. وتكرر الأمر في انتفاضة 17 – 18 يناير ، في عام 1977 ، بعد القرارات الاقتصادية بزيادة أسعار السلع الأساسية ، ووصلت حدة الانتفاضة حينها ، أن نزل الجيش إلى الشوارع ليحد منها ، ومن تطورها وانتشارها . وعالجت القيادة السياسية وقتها أزمتها السياسية ، بعودة أسعار السلع الأساسية إلى طبيعتها ، ووصف الانتفاضة الشعبية بانتفاضة الحرانية في كل أجهزة الإعلام الرسمية ، لمحو وطمس نضال الشرفاء من أجل العدالة والحرية . وبدأ من حينها التنسيق بين نظام السادات والجماعات الإسلامية ، وعلى رأسها الإخوان المسلمين ، للقضاء على أصحاب الميول اليسارية والاشتراكية .. فطوال تاريخ مصر المعاصر ، لم يقف أي جيل من الأجيال مكتوف الأيدي ، وعبّر عن أحلامه وأماله في مستقبل وطنه وبلاده ، لكن الظرف التاريخي يختلف من عصر إلى عصر ، ومن زمن إلى زمن ، وكل الانتفاضات المصرية في الخمسين عاماً الأخيرة ، حدثت في ظروف سياسية ومجتمعية واقتصادية وثقافية جد مختلفة .. ومن الظلم أن نقارن جيل بجيل ، كما لا يمكننا أن نرى فترة من الفترات بعيداً عن سياقها وأحداثها الداخلية والخارجية ، فشباب 25 يناير ، امتلكوا أدوات لم يمتلكها ما قبلهم من أجيال ، وعاشوا في فضاءات أكثر رحابة وحرية ، سواء في واقعهم الافتراضي عبر الانترنت ، أو حتى في تتبعهم اليومي لمّا تبثه الفضائيات العربية وغير العربية ، عبر الأقمار الصناعية المفتوحة ، بعكس الأجيال السابقة التي تشكلت عبر إعلام رسمي موجه ، وليس له أية بدائل أو نظائر في واقع معيشتهم اليومي ، ولعلنا نتذكر ظاهرة مجلات الحائط ، ومنشورات الماستر ، ودوريات المثقفين الطليعيين ، التي خرجت بأبسط الإمكانيات وأفقرها ، إبان فترتي الستينات والسبعينيات من القرن الفائت ، وكيف كانت حدثاً مغايراً وقتها ، برغم أنها ظلت محصورة بين النخب المثقفة فقط ، وبالطبع لا يمكن مقارنة تأثيرها وانتشارها، بتأثير السموات المفتوحة ، وفضاءات الانترنت .. وتميز شباب 25 يناير ، بأن ( معظمهم ) لم يقع أسيراً لأيدلوجيات أو مذاهب فكرية ، ولم ينتمي إلى أحزاب رسمية أو سرية ، ولم تحركهم إلا مشاعر وطنية مجردة من أي هوى ، فتجاوزوا دون أن يدروا مغبة القفز على أحلامهم ، من ساسة معارضين ، تكلسوا ووهنوا ، وارتضوا في الثلاثين عاماً الأخيرة ، بأن يقبعوا في ظل الظل ، منتظرين لهدايا النظام وصفقاته معهم ، كسقط متاع من شرفات القصر الرئاسي .. ولا يمكن إغفال دور الرئيس السابق حسنى مبارك ، في نجاح ثورة يناير ، بتسخيره كل مقدرات الدولة المصرية لمشروع التوريث ، واستعلائه ووريثه على الشعب المصري ، وتمريرهما لكل ما يريدان ويرغبان من سياسات ، دون أي اعتبار أو حتى تفكير في شعب يعيش تحت وطأة الفقر والفساد ، وكأن المصريين كائنات لا تُرى بالعين المجردة ، ومجرد طحالب تعلو نهر النيل .. وظن الرئيس ووريثه ، أن سياجاً فلوذياً يحول بينهما وبين ثورة المصريين ، وبين كشف ما اقترفته العائلة الرئاسية من نهب منظم وممنهج لثروات بلد ، لا يستحقوا أن يحملوا اسمه أو كنيته .. وصنع مبارك عامداً حالة من الفراغ السياسي المصري ، ليجعل الناس أمام اختيار واحد ، لا مفر منه ، ولا بديل عنه ، وفى سبيله قضى على كل سبل التغيير ، فجعل الناس أمام شيئين لا ثالث لهما ، الثورة أو اختيار وريثه ، الذي تسبب في العقد الأخير بحكمه الفعلي للبلاد ، في قتل أحلام المصريين ، وإفقارهم ووضعهم على حافة الموت البطيء والمذل ، وشواهد : العبّارة 98 ، وقطارات الموت ، ورحلات الغرق والموت لآلاف الشباب المصريين ، هرباً من مصر إلى أوربا ، ما زالت ماثلة في ذاكرة المصريين .. لكل ذلك تبنت الجماعة المصرية بكل أطيافها و تنوعاتها ، وطوائفها وفئاتها ، انتفاضة الشباب ، وتحولت من مجرد حركة احتجاجية ، إلى ثورة شعبية ، أو الثورة المصرية بألف ولام العهد ، فليس لمثلها مثيل في تاريخ مصر ، وذلك لأن ظرفها التاريخي يختلف تمام الاختلاف عما سبقها من انتفاضات ومظاهرات ، وتجمعت لها من المعطيات والأسباب ، ما أجج منها ووسع من انتشارها ، وزاد من تأثيرها .. لذلك لا حاجة للأجيال القديمة ، خاصة الثائرين والمناضلين منهم ، أن يبكوا على عصرهم الذي مر ، دون أن يضعوا أقدامهم على الطريق الصحيح ، فثورة 25 يناير ، لم تكن ثورة جيل واحد ، بل ثورة كل المصريين .. لأن الجسد المصري مات إكلينيكيا في السنوات الأخيرة ، وكان لابد من ثورة ليستعيد عافيته من جديد ..
أسامة كمال : الجيل الأفضل في مصر
مع نجاح ثورة 25 يناير ، تحدث غير واحد من الأجيال المصرية القديمة ، مشيدين بشباب الثورة ، ومعتبرين جيل الثورة أفضل الأجيال المصرية على الإطلاق ، وعلى مدى تاريخ مصر الطويل والعريق ، ولم ينسوا أن يجلدوا ذوات أجيالهم ، متهمين أنفسهم بالضعف والخضوع والاستكانة ، والرضوخ لأنظمة فاسدة .. ولم يختلف في التعبير عن ذلك ، عالماً مرموقاً مثل فاروق الباز ( مواليد 1938 ) ، وصل في جلد ذات جيله ، إلى حد أن اتهم جيله بأنه سبب كل نكبات مصر المعاصرة ، أو موسيقياً نابهاً مثل عمار الشريعي ، نطقت موسيقاه بتفاصيل مصر الحميمة ومنمنماتها الخلابة والمدهشة ، حينما انحاز لمطالب الثورة المصرية ، ولدفق شبابها وأحلامهم ، رغم أن موسيقاه وألحانه ، التقت يوماً مع تدشين مشروع الرئيس السابق في دوراته الرئاسية الأولى ، وفى حفلاته الأكتوبرية السنوية .. وجلد عمار ذاته ، مع جلده لكل جيل السبعينات من مجايليه .. وتحدث في نفس المضمار ، سياسين وأدباء وفنانين ، من أجيال مختلفة ، ووصل الأمر ببعضهم ، مثل المخرج السينمائي خالد يوسف ( مواليد 1964 ) ، بأن طالب بأن يتحمل الشباب المسئولية كاملة ، في كافة مناحي الحياة بمصر ، وتكتفي الأجيال الأقدم بصفة المراقبين .. ولست ضد أن تجلد الأجيال المصرية ذواتها ، وتعبر عن حزنها لأنها لم تفعل ما فعله جيل شباب 25 يناير ، لكنني أنظر لكل حدث من خلال سياقه وظروفه ، فجيل الستينات الذي ينتمي إليه فاروق الباز ، تفتحت عيناه على ثورات التحرر الوطني ، وتلامس مع أحلام الشعوب الفقيرة في أسيا وأفريقيا ، وترك أحلامه بين يد زعامات وطنية في وقتها ، قبل أن تتحول تلك الزعامات إلى أنظمة ديكتاتورية ، لا تقبل بالرأي الآخر ، أو الصوت المخالف ، أو حتى بالحلم في ديمقراطية حقيقية .. وثار شباب الستينات في مصر عام 1968 ، في توقيت متقارب مع تظاهرات مماثلة في كل بقاع العالم ، في عام عمّ فيه الغضب والرفض كل أصقاع الكرة الأرضية ، لأسباب مختلفة ، خصّ مصر منها : سبباً ظاهرياً تمثل في المحاكمات الهزيلة لقادة الطيران المصري بعد هزيمة يونيو 1967 ، وسبباً جوهرياً تمثل في أزمة النظام المصري وشرعيته ، ومدى تعبيره عن مطالب المصريين ، بعد الهزيمة المخزية .. وتم وأد ثورة الشباب حينها ، ولم تتبنى الانتفاضة فئات الشعب المختلفة ، وطوائفه المتنوعة ، في ظل نظام شمولي سلطوي ، حمل المصريون لرمزه وأيقونته ، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، رصيداً أبوياً بالرغم من الهزيمة المهينة ، لأنه بالرغم من كل شيء ، لم ينكر عليه أحد شرفه أو وطنيته .. وفى يناير عام 1972 ، انتفض الشباب مرة أخرى ، وسبب انتفاضته الظاهري ، خطاب الرئيس الراحل ، محمد أنور السادات ، المسمى بخطاب الضباب ، والذي برر فيه عدم خوضه الحرب في عام 1971 ، بسبب الضباب الذي غلّف العالم بعد حرب الهند وباكستان ، أما السبب الجوهري والحقيقي فهو المطالبة بالحرية والديمقراطية ، أو على حد تعبير الثوار الشباب وقتها ( كل الديمقراطية للشعب ، كل التفاني للوطن ) ، ولم تتبن جموع الشعب أيضاً وقتها ثورة الشباب أو تشاركه انتفاضته واحتجاجه ، ربما باستثناء بعض المثقفين والأهالي المجاورين للميدان ، سيما أن نظام الرئيس السادات ، لم يختلف عن نظام سلفه الرئيس جمال عبد الناصر ، في سلطويته ، واستحواذه على كل منافذ الرأي و التعبير ، المقروءة والمسموعة والمرئية .. وفضّ الأمن المركزي انتفاضة الشباب بكل عنف ، وفرق مجموعات الشباب ، ومعها تفرقت أحلامهم بوطن حر وديمقراطي .. وتكرر الأمر في انتفاضة 17 – 18 يناير ، في عام 1977 ، بعد القرارات الاقتصادية بزيادة أسعار السلع الأساسية ، ووصلت حدة الانتفاضة حينها ، أن نزل الجيش إلى الشوارع ليحد منها ، ومن تطورها وانتشارها . وعالجت القيادة السياسية وقتها أزمتها السياسية ، بعودة أسعار السلع الأساسية إلى طبيعتها ، ووصف الانتفاضة الشعبية بانتفاضة الحرانية في كل أجهزة الإعلام الرسمية ، لمحو وطمس نضال الشرفاء من أجل العدالة والحرية . وبدأ من حينها التنسيق بين نظام السادات والجماعات الإسلامية ، وعلى رأسها الإخوان المسلمين ، للقضاء على أصحاب الميول اليسارية والاشتراكية .. فطوال تاريخ مصر المعاصر ، لم يقف أي جيل من الأجيال مكتوف الأيدي ، وعبّر عن أحلامه وأماله في مستقبل وطنه وبلاده ، لكن الظرف التاريخي يختلف من عصر إلى عصر ، ومن زمن إلى زمن ، وكل الانتفاضات المصرية في الخمسين عاماً الأخيرة ، حدثت في ظروف سياسية ومجتمعية واقتصادية وثقافية جد مختلفة .. ومن الظلم أن نقارن جيل بجيل ، كما لا يمكننا أن نرى فترة من الفترات بعيداً عن سياقها وأحداثها الداخلية والخارجية ، فشباب 25 يناير ، امتلكوا أدوات لم يمتلكها ما قبلهم من أجيال ، وعاشوا في فضاءات أكثر رحابة وحرية ، سواء في واقعهم الافتراضي عبر الانترنت ، أو حتى في تتبعهم اليومي لمّا تبثه الفضائيات العربية وغير العربية ، عبر الأقمار الصناعية المفتوحة ، بعكس الأجيال السابقة التي تشكلت عبر إعلام رسمي موجه ، وليس له أية بدائل أو نظائر في واقع معيشتهم اليومي ، ولعلنا نتذكر ظاهرة مجلات الحائط ، ومنشورات الماستر ، ودوريات المثقفين الطليعيين ، التي خرجت بأبسط الإمكانيات وأفقرها ، إبان فترتي الستينات والسبعينيات من القرن الفائت ، وكيف كانت حدثاً مغايراً وقتها ، برغم أنها ظلت محصورة بين النخب المثقفة فقط ، وبالطبع لا يمكن مقارنة تأثيرها وانتشارها، بتأثير السموات المفتوحة ، وفضاءات الانترنت .. وتميز شباب 25 يناير ، بأن ( معظمهم ) لم يقع أسيراً لأيدلوجيات أو مذاهب فكرية ، ولم ينتمي إلى أحزاب رسمية أو سرية ، ولم تحركهم إلا مشاعر وطنية مجردة من أي هوى ، فتجاوزوا دون أن يدروا مغبة القفز على أحلامهم ، من ساسة معارضين ، تكلسوا ووهنوا ، وارتضوا في الثلاثين عاماً الأخيرة ، بأن يقبعوا في ظل الظل ، منتظرين لهدايا النظام وصفقاته معهم ، كسقط متاع من شرفات القصر الرئاسي .. ولا يمكن إغفال دور الرئيس السابق حسنى مبارك ، في نجاح ثورة يناير ، بتسخيره كل مقدرات الدولة المصرية لمشروع التوريث ، واستعلائه ووريثه على الشعب المصري ، وتمريرهما لكل ما يريدان ويرغبان من سياسات ، دون أي اعتبار أو حتى تفكير في شعب يعيش تحت وطأة الفقر والفساد ، وكأن المصريين كائنات لا تُرى بالعين المجردة ، ومجرد طحالب تعلو نهر النيل .. وظن الرئيس ووريثه ، أن سياجاً فلوذياً يحول بينهما وبين ثورة المصريين ، وبين كشف ما اقترفته العائلة الرئاسية من نهب منظم وممنهج لثروات بلد ، لا يستحقوا أن يحملوا اسمه أو كنيته .. وصنع مبارك عامداً حالة من الفراغ السياسي المصري ، ليجعل الناس أمام اختيار واحد ، لا مفر منه ، ولا بديل عنه ، وفى سبيله قضى على كل سبل التغيير ، فجعل الناس أمام شيئين لا ثالث لهما ، الثورة أو اختيار وريثه ، الذي تسبب في العقد الأخير بحكمه الفعلي للبلاد ، في قتل أحلام المصريين ، وإفقارهم ووضعهم على حافة الموت البطيء والمذل ، وشواهد : العبّارة 98 ، وقطارات الموت ، ورحلات الغرق والموت لآلاف الشباب المصريين ، هرباً من مصر إلى أوربا ، ما زالت ماثلة في ذاكرة المصريين .. لكل ذلك تبنت الجماعة المصرية بكل أطيافها و تنوعاتها ، وطوائفها وفئاتها ، انتفاضة الشباب ، وتحولت من مجرد حركة احتجاجية ، إلى ثورة شعبية ، أو الثورة المصرية بألف ولام العهد ، فليس لمثلها مثيل في تاريخ مصر ، وذلك لأن ظرفها التاريخي يختلف تمام الاختلاف عما سبقها من انتفاضات ومظاهرات ، وتجمعت لها من المعطيات والأسباب ، ما أجج منها ووسع من انتشارها ، وزاد من تأثيرها .. لذلك لا حاجة للأجيال القديمة ، خاصة الثائرين والمناضلين منهم ، أن يبكوا على عصرهم الذي مر ، دون أن يضعوا أقدامهم على الطريق الصحيح ، فثورة 25 يناير ، لم تكن ثورة جيل واحد ، بل ثورة كل المصريين .. لأن الجسد المصري مات إكلينيكيا في السنوات الأخيرة ، وكان لابد من ثورة ليستعيد عافيته من جديد ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.