محمود محيي الدين: نجاح الإصلاح الاقتصادي بقوة الجنيه في جيب المواطن    وزير الخارجية الأمريكي: واشنطن ترفض بشدة خطة ماكرون للاعتراف بدولة فلسطينية    تايلاند: أكثر من 100 ألف مدني فروا جراء الاشتباكات مع كمبوديا    «مأساة نص الليل».. وفاة أم وابنتها وإصابة أولادها ال 3 انقلبت بهم السيارة في ترعة بالبحيرة (أسماء)    الهلال الأحمر يعلن رفع قدرات تشغيل المراكز اللوجيستية لأعلى مستوياتها    نتنياهو يتحدث عن وكيل إيراني آخر وإبادة إسرائيل.. ما القصة؟    طلاق مكلف وتعويض قضية ينقذه، كم تبلغ ثروة أسطورة المصارعة هالك هوجان؟    رسميا.. قائمة بالجامعات الأهلية والخاصة 2025 في مصر (الشروط والمصاريف ونظام التقسيط)    هل الجوافة تسبب الإمساك؟ الحقيقة بين الفوائد والأضرار    لحماية نفسك من فقر الدم.. 6 نصائح فعالة للوقاية من الأنيميا    تدهور الحالة الصحية للكاتب صنع الله إبراهيم من جديد ودخوله الرعاية المركزة    بعد عمي تعبان.. فتوح يوضح حقيقة جديدة مثيرة للجدل "فرح أختي"    أكبر من برج بيزا، كويكب يقترب بسرعة من الأرض، وناسا تكشف تأثيره    استمرار استقبال طلاب الثانوية العامة لاختبارات العلوم الرياضية بالعريش    خالد الغندور يكشف مفاجأة بخصوص انتقال مصطفى محمد إلى الأهلي    حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب كلية العلوم الصحية بجامعة المنوفية.. صور    إحباط محاولة تهريب 8000 لتر سولار لبيعهم في السوق السوداء بدمياط    نقابة التشكيليين تؤكد استمرار شرعية المجلس والنقيب المنتخب    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 8 مساجد في 7 محافظات    "الجبهة الوطنية" ينظم مؤتمراً جماهيرياً حاشداً لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ بالجيزة    وزارة الصحة تنظم اجتماعًا لمراجعة حركة النيابات وتحسين بيئة عمل الأطباء    طريقة عمل الآيس كوفي على طريقة الكافيهات    مصدر للبروتين.. 4 أسباب تدفعك لتناول بيضة على الإفطار يوميًا    سليمان وهدان: المستأجر الأصلي خط أحمر.. وقانون الإيجار القديم لم ينصف المواطن    العظمى في القاهرة 40 مئوية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    جوجل تعوّض رجلًا التقط عاريًا على "ستريت فيو"    القبض على طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء في الجيزة    تنسيق الجامعات 2025، شروط الالتحاق ببعض البرامج المميزة للعام الجامعي 2025/2026    أحمد سعد: ألبوم عمرو دياب مختلف و"قررت أشتغل في حتة لوحدي"    «هتفرج عليه للمرة الرابعة».. مي عز الدين تشيد بمسلسل «وتقابل حبيب»    ميريهان حسين على البحر وابنة عمرو دياب مع صديقها .. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    "صيفي لسه بيبدأ".. 18 صورة ل محمد رمضان على البحر وبصحبة ابنته    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    الخارجية الأردنية: نرحب بإعلان الرئيس الفرنسي عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية    بعد تغيبه عن مباراة وي.. تصرف مفاجئ من حامد حمدان بسبب الزمالك    بعد ارتباطه بالانتقال ل الزمالك.. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بلال ولد الشيخ    ترامب ينعي المصارع هوجان بعد وفاته: "صديقًا عزيزًا"    ضياء رشوان: دخول الصحفيين لغزة يعرضهم لنفس مصير 300 شهيد    إصابة 6 أفراد في مشاجرتين بالعريش والشيخ زويد    وكيل النواب السابق: المستأجر الأصلي خط أحمر.. وقانون الإيجار القديم لم ينصف المواطن    فلكيا.. مولد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    «كان سهل منمشهوش».. تعليق مثير من خالد بيبو بشأن تصرف الأهلي مع وسام أبو علي    «العمر مجرد رقم».. نجم الزمالك السابق يوجه رسالة ل عبد الله السعيد    الخارجية الأمريكية توافق على مبيعات عسكرية لمصر ب4.67 مليار دولار (محدث)    بدأت بفحوصات بسيطة وتطورت ل«الموضوع محتاج صبر».. ملامح من أزمة أنغام الصحية    4 أبراج «بيشتغلوا على نفسهم».. منضبطون يهتمون بالتفاصيل ويسعون دائما للنجاح    الثقافة المصرية تضيء مسارح جرش.. ووزير الثقافة يشيد بروح سيناء (صور)    محمود محيي الدين: مصر خرجت من غرفة الإنعاش    «دعاء يوم الجمعة» للرزق وتفريج الهم وتيسير الحال.. كلمات تشرح القلب وتريح البال    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 25 يوليو 2025    سعر المانجو والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    ما هي عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص؟.. القانون يجيب    "كنت فرحان ب94%".. صدمة طالب بالفيوم بعد اختفاء درجاته في يوم واحد    ادى لوفاة طفل وإصابة 4 آخرين.. النيابة تتسلم نتيجة تحليل المخدرات للمتهمة في واقعة «جيت سكي» الساحل الشمالي    وزير الطيران المدني يشارك في فعاليات مؤتمر "CIAT 2025" بكوريا الجنوبية    هل لمبروك عطية حق الفتوى؟.. د. سعد الهلالي: هؤلاء هم المتخصصون فقط    خالد الجندي: مساعدة الناس عبادة.. والدنيا ثمَن للآخرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسامة كمال : الجيل الأفضل في مصر
نشر في البديل يوم 12 - 04 - 2011

مع نجاح ثورة 25 يناير ، تحدث غير واحد من الأجيال المصرية القديمة ، مشيدين بشباب الثورة ، ومعتبرين جيل الثورة أفضل الأجيال المصرية على الإطلاق ، وعلى مدى تاريخ مصر الطويل والعريق ، ولم ينسوا أن يجلدوا ذوات أجيالهم ، متهمين أنفسهم بالضعف والخضوع والاستكانة ، والرضوخ لأنظمة فاسدة .. ولم يختلف في التعبير عن ذلك ، عالماً مرموقاً مثل فاروق الباز ( مواليد 1938 ) ، وصل في جلد ذات جيله ، إلى حد أن اتهم جيله بأنه سبب كل نكبات مصر المعاصرة ، أو موسيقياً نابهاً مثل عمار الشريعي ، نطقت موسيقاه بتفاصيل مصر الحميمة ومنمنماتها الخلابة والمدهشة ، حينما انحاز لمطالب الثورة المصرية ، ولدفق شبابها وأحلامهم ، رغم أن موسيقاه وألحانه ، التقت يوماً مع تدشين مشروع الرئيس السابق في دوراته الرئاسية الأولى ، وفى حفلاته الأكتوبرية السنوية .. وجلد عمار ذاته ، مع جلده لكل جيل السبعينات من مجايليه .. وتحدث في نفس المضمار ، سياسين وأدباء وفنانين ، من أجيال مختلفة ، ووصل الأمر ببعضهم ، مثل المخرج السينمائي خالد يوسف ( مواليد 1964 ) ، بأن طالب بأن يتحمل الشباب المسئولية كاملة ، في كافة مناحي الحياة بمصر ، وتكتفي الأجيال الأقدم بصفة المراقبين .. ولست ضد أن تجلد الأجيال المصرية ذواتها ، وتعبر عن حزنها لأنها لم تفعل ما فعله جيل شباب 25 يناير ، لكنني أنظر لكل حدث من خلال سياقه وظروفه ، فجيل الستينات الذي ينتمي إليه فاروق الباز ، تفتحت عيناه على ثورات التحرر الوطني ، وتلامس مع أحلام الشعوب الفقيرة في أسيا وأفريقيا ، وترك أحلامه بين يد زعامات وطنية في وقتها ، قبل أن تتحول تلك الزعامات إلى أنظمة ديكتاتورية ، لا تقبل بالرأي الآخر ، أو الصوت المخالف ، أو حتى بالحلم في ديمقراطية حقيقية .. وثار شباب الستينات في مصر عام 1968 ، في توقيت متقارب مع تظاهرات مماثلة في كل بقاع العالم ، في عام عمّ فيه الغضب والرفض كل أصقاع الكرة الأرضية ، لأسباب مختلفة ، خصّ مصر منها : سبباً ظاهرياً تمثل في المحاكمات الهزيلة لقادة الطيران المصري بعد هزيمة يونيو 1967 ، وسبباً جوهرياً تمثل في أزمة النظام المصري وشرعيته ، ومدى تعبيره عن مطالب المصريين ، بعد الهزيمة المخزية .. وتم وأد ثورة الشباب حينها ، ولم تتبنى الانتفاضة فئات الشعب المختلفة ، وطوائفه المتنوعة ، في ظل نظام شمولي سلطوي ، حمل المصريون لرمزه وأيقونته ، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، رصيداً أبوياً بالرغم من الهزيمة المهينة ، لأنه بالرغم من كل شيء ، لم ينكر عليه أحد شرفه أو وطنيته .. وفى يناير عام 1972 ، انتفض الشباب مرة أخرى ، وسبب انتفاضته الظاهري ، خطاب الرئيس الراحل ، محمد أنور السادات ، المسمى بخطاب الضباب ، والذي برر فيه عدم خوضه الحرب في عام 1971 ، بسبب الضباب الذي غلّف العالم بعد حرب الهند وباكستان ، أما السبب الجوهري والحقيقي فهو المطالبة بالحرية والديمقراطية ، أو على حد تعبير الثوار الشباب وقتها ( كل الديمقراطية للشعب ، كل التفاني للوطن ) ، ولم تتبن جموع الشعب أيضاً وقتها ثورة الشباب أو تشاركه انتفاضته واحتجاجه ، ربما باستثناء بعض المثقفين والأهالي المجاورين للميدان ، سيما أن نظام الرئيس السادات ، لم يختلف عن نظام سلفه الرئيس جمال عبد الناصر ، في سلطويته ، واستحواذه على كل منافذ الرأي و التعبير ، المقروءة والمسموعة والمرئية .. وفضّ الأمن المركزي انتفاضة الشباب بكل عنف ، وفرق مجموعات الشباب ، ومعها تفرقت أحلامهم بوطن حر وديمقراطي .. وتكرر الأمر في انتفاضة 17 – 18 يناير ، في عام 1977 ، بعد القرارات الاقتصادية بزيادة أسعار السلع الأساسية ، ووصلت حدة الانتفاضة حينها ، أن نزل الجيش إلى الشوارع ليحد منها ، ومن تطورها وانتشارها . وعالجت القيادة السياسية وقتها أزمتها السياسية ، بعودة أسعار السلع الأساسية إلى طبيعتها ، ووصف الانتفاضة الشعبية بانتفاضة الحرانية في كل أجهزة الإعلام الرسمية ، لمحو وطمس نضال الشرفاء من أجل العدالة والحرية . وبدأ من حينها التنسيق بين نظام السادات والجماعات الإسلامية ، وعلى رأسها الإخوان المسلمين ، للقضاء على أصحاب الميول اليسارية والاشتراكية .. فطوال تاريخ مصر المعاصر ، لم يقف أي جيل من الأجيال مكتوف الأيدي ، وعبّر عن أحلامه وأماله في مستقبل وطنه وبلاده ، لكن الظرف التاريخي يختلف من عصر إلى عصر ، ومن زمن إلى زمن ، وكل الانتفاضات المصرية في الخمسين عاماً الأخيرة ، حدثت في ظروف سياسية ومجتمعية واقتصادية وثقافية جد مختلفة .. ومن الظلم أن نقارن جيل بجيل ، كما لا يمكننا أن نرى فترة من الفترات بعيداً عن سياقها وأحداثها الداخلية والخارجية ، فشباب 25 يناير ، امتلكوا أدوات لم يمتلكها ما قبلهم من أجيال ، وعاشوا في فضاءات أكثر رحابة وحرية ، سواء في واقعهم الافتراضي عبر الانترنت ، أو حتى في تتبعهم اليومي لمّا تبثه الفضائيات العربية وغير العربية ، عبر الأقمار الصناعية المفتوحة ، بعكس الأجيال السابقة التي تشكلت عبر إعلام رسمي موجه ، وليس له أية بدائل أو نظائر في واقع معيشتهم اليومي ، ولعلنا نتذكر ظاهرة مجلات الحائط ، ومنشورات الماستر ، ودوريات المثقفين الطليعيين ، التي خرجت بأبسط الإمكانيات وأفقرها ، إبان فترتي الستينات والسبعينيات من القرن الفائت ، وكيف كانت حدثاً مغايراً وقتها ، برغم أنها ظلت محصورة بين النخب المثقفة فقط ، وبالطبع لا يمكن مقارنة تأثيرها وانتشارها، بتأثير السموات المفتوحة ، وفضاءات الانترنت .. وتميز شباب 25 يناير ، بأن ( معظمهم ) لم يقع أسيراً لأيدلوجيات أو مذاهب فكرية ، ولم ينتمي إلى أحزاب رسمية أو سرية ، ولم تحركهم إلا مشاعر وطنية مجردة من أي هوى ، فتجاوزوا دون أن يدروا مغبة القفز على أحلامهم ، من ساسة معارضين ، تكلسوا ووهنوا ، وارتضوا في الثلاثين عاماً الأخيرة ، بأن يقبعوا في ظل الظل ، منتظرين لهدايا النظام وصفقاته معهم ، كسقط متاع من شرفات القصر الرئاسي .. ولا يمكن إغفال دور الرئيس السابق حسنى مبارك ، في نجاح ثورة يناير ، بتسخيره كل مقدرات الدولة المصرية لمشروع التوريث ، واستعلائه ووريثه على الشعب المصري ، وتمريرهما لكل ما يريدان ويرغبان من سياسات ، دون أي اعتبار أو حتى تفكير في شعب يعيش تحت وطأة الفقر والفساد ، وكأن المصريين كائنات لا تُرى بالعين المجردة ، ومجرد طحالب تعلو نهر النيل .. وظن الرئيس ووريثه ، أن سياجاً فلوذياً يحول بينهما وبين ثورة المصريين ، وبين كشف ما اقترفته العائلة الرئاسية من نهب منظم وممنهج لثروات بلد ، لا يستحقوا أن يحملوا اسمه أو كنيته .. وصنع مبارك عامداً حالة من الفراغ السياسي المصري ، ليجعل الناس أمام اختيار واحد ، لا مفر منه ، ولا بديل عنه ، وفى سبيله قضى على كل سبل التغيير ، فجعل الناس أمام شيئين لا ثالث لهما ، الثورة أو اختيار وريثه ، الذي تسبب في العقد الأخير بحكمه الفعلي للبلاد ، في قتل أحلام المصريين ، وإفقارهم ووضعهم على حافة الموت البطيء والمذل ، وشواهد : العبّارة 98 ، وقطارات الموت ، ورحلات الغرق والموت لآلاف الشباب المصريين ، هرباً من مصر إلى أوربا ، ما زالت ماثلة في ذاكرة المصريين .. لكل ذلك تبنت الجماعة المصرية بكل أطيافها و تنوعاتها ، وطوائفها وفئاتها ، انتفاضة الشباب ، وتحولت من مجرد حركة احتجاجية ، إلى ثورة شعبية ، أو الثورة المصرية بألف ولام العهد ، فليس لمثلها مثيل في تاريخ مصر ، وذلك لأن ظرفها التاريخي يختلف تمام الاختلاف عما سبقها من انتفاضات ومظاهرات ، وتجمعت لها من المعطيات والأسباب ، ما أجج منها ووسع من انتشارها ، وزاد من تأثيرها .. لذلك لا حاجة للأجيال القديمة ، خاصة الثائرين والمناضلين منهم ، أن يبكوا على عصرهم الذي مر ، دون أن يضعوا أقدامهم على الطريق الصحيح ، فثورة 25 يناير ، لم تكن ثورة جيل واحد ، بل ثورة كل المصريين .. لأن الجسد المصري مات إكلينيكيا في السنوات الأخيرة ، وكان لابد من ثورة ليستعيد عافيته من جديد ..
أسامة كمال : الجيل الأفضل في مصر
مع نجاح ثورة 25 يناير ، تحدث غير واحد من الأجيال المصرية القديمة ، مشيدين بشباب الثورة ، ومعتبرين جيل الثورة أفضل الأجيال المصرية على الإطلاق ، وعلى مدى تاريخ مصر الطويل والعريق ، ولم ينسوا أن يجلدوا ذوات أجيالهم ، متهمين أنفسهم بالضعف والخضوع والاستكانة ، والرضوخ لأنظمة فاسدة .. ولم يختلف في التعبير عن ذلك ، عالماً مرموقاً مثل فاروق الباز ( مواليد 1938 ) ، وصل في جلد ذات جيله ، إلى حد أن اتهم جيله بأنه سبب كل نكبات مصر المعاصرة ، أو موسيقياً نابهاً مثل عمار الشريعي ، نطقت موسيقاه بتفاصيل مصر الحميمة ومنمنماتها الخلابة والمدهشة ، حينما انحاز لمطالب الثورة المصرية ، ولدفق شبابها وأحلامهم ، رغم أن موسيقاه وألحانه ، التقت يوماً مع تدشين مشروع الرئيس السابق في دوراته الرئاسية الأولى ، وفى حفلاته الأكتوبرية السنوية .. وجلد عمار ذاته ، مع جلده لكل جيل السبعينات من مجايليه .. وتحدث في نفس المضمار ، سياسين وأدباء وفنانين ، من أجيال مختلفة ، ووصل الأمر ببعضهم ، مثل المخرج السينمائي خالد يوسف ( مواليد 1964 ) ، بأن طالب بأن يتحمل الشباب المسئولية كاملة ، في كافة مناحي الحياة بمصر ، وتكتفي الأجيال الأقدم بصفة المراقبين .. ولست ضد أن تجلد الأجيال المصرية ذواتها ، وتعبر عن حزنها لأنها لم تفعل ما فعله جيل شباب 25 يناير ، لكنني أنظر لكل حدث من خلال سياقه وظروفه ، فجيل الستينات الذي ينتمي إليه فاروق الباز ، تفتحت عيناه على ثورات التحرر الوطني ، وتلامس مع أحلام الشعوب الفقيرة في أسيا وأفريقيا ، وترك أحلامه بين يد زعامات وطنية في وقتها ، قبل أن تتحول تلك الزعامات إلى أنظمة ديكتاتورية ، لا تقبل بالرأي الآخر ، أو الصوت المخالف ، أو حتى بالحلم في ديمقراطية حقيقية .. وثار شباب الستينات في مصر عام 1968 ، في توقيت متقارب مع تظاهرات مماثلة في كل بقاع العالم ، في عام عمّ فيه الغضب والرفض كل أصقاع الكرة الأرضية ، لأسباب مختلفة ، خصّ مصر منها : سبباً ظاهرياً تمثل في المحاكمات الهزيلة لقادة الطيران المصري بعد هزيمة يونيو 1967 ، وسبباً جوهرياً تمثل في أزمة النظام المصري وشرعيته ، ومدى تعبيره عن مطالب المصريين ، بعد الهزيمة المخزية .. وتم وأد ثورة الشباب حينها ، ولم تتبنى الانتفاضة فئات الشعب المختلفة ، وطوائفه المتنوعة ، في ظل نظام شمولي سلطوي ، حمل المصريون لرمزه وأيقونته ، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، رصيداً أبوياً بالرغم من الهزيمة المهينة ، لأنه بالرغم من كل شيء ، لم ينكر عليه أحد شرفه أو وطنيته .. وفى يناير عام 1972 ، انتفض الشباب مرة أخرى ، وسبب انتفاضته الظاهري ، خطاب الرئيس الراحل ، محمد أنور السادات ، المسمى بخطاب الضباب ، والذي برر فيه عدم خوضه الحرب في عام 1971 ، بسبب الضباب الذي غلّف العالم بعد حرب الهند وباكستان ، أما السبب الجوهري والحقيقي فهو المطالبة بالحرية والديمقراطية ، أو على حد تعبير الثوار الشباب وقتها ( كل الديمقراطية للشعب ، كل التفاني للوطن ) ، ولم تتبن جموع الشعب أيضاً وقتها ثورة الشباب أو تشاركه انتفاضته واحتجاجه ، ربما باستثناء بعض المثقفين والأهالي المجاورين للميدان ، سيما أن نظام الرئيس السادات ، لم يختلف عن نظام سلفه الرئيس جمال عبد الناصر ، في سلطويته ، واستحواذه على كل منافذ الرأي و التعبير ، المقروءة والمسموعة والمرئية .. وفضّ الأمن المركزي انتفاضة الشباب بكل عنف ، وفرق مجموعات الشباب ، ومعها تفرقت أحلامهم بوطن حر وديمقراطي .. وتكرر الأمر في انتفاضة 17 – 18 يناير ، في عام 1977 ، بعد القرارات الاقتصادية بزيادة أسعار السلع الأساسية ، ووصلت حدة الانتفاضة حينها ، أن نزل الجيش إلى الشوارع ليحد منها ، ومن تطورها وانتشارها . وعالجت القيادة السياسية وقتها أزمتها السياسية ، بعودة أسعار السلع الأساسية إلى طبيعتها ، ووصف الانتفاضة الشعبية بانتفاضة الحرانية في كل أجهزة الإعلام الرسمية ، لمحو وطمس نضال الشرفاء من أجل العدالة والحرية . وبدأ من حينها التنسيق بين نظام السادات والجماعات الإسلامية ، وعلى رأسها الإخوان المسلمين ، للقضاء على أصحاب الميول اليسارية والاشتراكية .. فطوال تاريخ مصر المعاصر ، لم يقف أي جيل من الأجيال مكتوف الأيدي ، وعبّر عن أحلامه وأماله في مستقبل وطنه وبلاده ، لكن الظرف التاريخي يختلف من عصر إلى عصر ، ومن زمن إلى زمن ، وكل الانتفاضات المصرية في الخمسين عاماً الأخيرة ، حدثت في ظروف سياسية ومجتمعية واقتصادية وثقافية جد مختلفة .. ومن الظلم أن نقارن جيل بجيل ، كما لا يمكننا أن نرى فترة من الفترات بعيداً عن سياقها وأحداثها الداخلية والخارجية ، فشباب 25 يناير ، امتلكوا أدوات لم يمتلكها ما قبلهم من أجيال ، وعاشوا في فضاءات أكثر رحابة وحرية ، سواء في واقعهم الافتراضي عبر الانترنت ، أو حتى في تتبعهم اليومي لمّا تبثه الفضائيات العربية وغير العربية ، عبر الأقمار الصناعية المفتوحة ، بعكس الأجيال السابقة التي تشكلت عبر إعلام رسمي موجه ، وليس له أية بدائل أو نظائر في واقع معيشتهم اليومي ، ولعلنا نتذكر ظاهرة مجلات الحائط ، ومنشورات الماستر ، ودوريات المثقفين الطليعيين ، التي خرجت بأبسط الإمكانيات وأفقرها ، إبان فترتي الستينات والسبعينيات من القرن الفائت ، وكيف كانت حدثاً مغايراً وقتها ، برغم أنها ظلت محصورة بين النخب المثقفة فقط ، وبالطبع لا يمكن مقارنة تأثيرها وانتشارها، بتأثير السموات المفتوحة ، وفضاءات الانترنت .. وتميز شباب 25 يناير ، بأن ( معظمهم ) لم يقع أسيراً لأيدلوجيات أو مذاهب فكرية ، ولم ينتمي إلى أحزاب رسمية أو سرية ، ولم تحركهم إلا مشاعر وطنية مجردة من أي هوى ، فتجاوزوا دون أن يدروا مغبة القفز على أحلامهم ، من ساسة معارضين ، تكلسوا ووهنوا ، وارتضوا في الثلاثين عاماً الأخيرة ، بأن يقبعوا في ظل الظل ، منتظرين لهدايا النظام وصفقاته معهم ، كسقط متاع من شرفات القصر الرئاسي .. ولا يمكن إغفال دور الرئيس السابق حسنى مبارك ، في نجاح ثورة يناير ، بتسخيره كل مقدرات الدولة المصرية لمشروع التوريث ، واستعلائه ووريثه على الشعب المصري ، وتمريرهما لكل ما يريدان ويرغبان من سياسات ، دون أي اعتبار أو حتى تفكير في شعب يعيش تحت وطأة الفقر والفساد ، وكأن المصريين كائنات لا تُرى بالعين المجردة ، ومجرد طحالب تعلو نهر النيل .. وظن الرئيس ووريثه ، أن سياجاً فلوذياً يحول بينهما وبين ثورة المصريين ، وبين كشف ما اقترفته العائلة الرئاسية من نهب منظم وممنهج لثروات بلد ، لا يستحقوا أن يحملوا اسمه أو كنيته .. وصنع مبارك عامداً حالة من الفراغ السياسي المصري ، ليجعل الناس أمام اختيار واحد ، لا مفر منه ، ولا بديل عنه ، وفى سبيله قضى على كل سبل التغيير ، فجعل الناس أمام شيئين لا ثالث لهما ، الثورة أو اختيار وريثه ، الذي تسبب في العقد الأخير بحكمه الفعلي للبلاد ، في قتل أحلام المصريين ، وإفقارهم ووضعهم على حافة الموت البطيء والمذل ، وشواهد : العبّارة 98 ، وقطارات الموت ، ورحلات الغرق والموت لآلاف الشباب المصريين ، هرباً من مصر إلى أوربا ، ما زالت ماثلة في ذاكرة المصريين .. لكل ذلك تبنت الجماعة المصرية بكل أطيافها و تنوعاتها ، وطوائفها وفئاتها ، انتفاضة الشباب ، وتحولت من مجرد حركة احتجاجية ، إلى ثورة شعبية ، أو الثورة المصرية بألف ولام العهد ، فليس لمثلها مثيل في تاريخ مصر ، وذلك لأن ظرفها التاريخي يختلف تمام الاختلاف عما سبقها من انتفاضات ومظاهرات ، وتجمعت لها من المعطيات والأسباب ، ما أجج منها ووسع من انتشارها ، وزاد من تأثيرها .. لذلك لا حاجة للأجيال القديمة ، خاصة الثائرين والمناضلين منهم ، أن يبكوا على عصرهم الذي مر ، دون أن يضعوا أقدامهم على الطريق الصحيح ، فثورة 25 يناير ، لم تكن ثورة جيل واحد ، بل ثورة كل المصريين .. لأن الجسد المصري مات إكلينيكيا في السنوات الأخيرة ، وكان لابد من ثورة ليستعيد عافيته من جديد ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.