لتنظيف المجرى من التلوث.. وزير الري الأسبق يكشف أسباب فيضان النيل في مصر    البلشي وعبدالرحيم يدعوان لعقد اجتماع مجلس نقابة الصحفيين داخل مقر جريدة الوفد    افتتاح مسجد فانا في مطاي وإقامة 97 مقرأة للجمهور بالمنيا    عيار 21 يسجل 5235 جنيها.. شعبة الذهب تكشف مصير الأسعار خلال الفترة المقبلة    عند مستوى 47 جنيهًا.. اقتصادي: سعر الدولار في مصر بدأ يعود لقيمته الحقيقية    إلزام سائقي «توك توك» بتسجيل بياناتهم بمواقف السيارات في المنيا    تعرف علي موعد إضافة المواليد علي بطاقة التموين في المنيا    البيت الأبيض: الملايين تضرروا من الإغلاق الحكومي في أمريكا    ما يقال افتراء.. وكيل جهاز المخابرات السابق: مصر لم تكن تعلم بطوفان الأقصى    «لرفع العقوبات».. حاخام يهودي يعلن رغبته في الترشح ل مجلس الشعب السوري    "فوكس نيوز": البيت الأبيض يخطط لتسريح 16 ألف موظف بسبب الإغلاق الحكومي    ألونسو يعلن قائمة ريال مدريد ضد فياريال في الدوري الإسباني    «حاجة تليق بالطموحات».. الأهلي يكشف آخر مستجدات المدرب الجديد    وزير الرياضة يحضر تتويج مونديال اليد.. ويهنئ اللاعبين المصريين على أدائهم المميز    استعدوا ل منخفض جوى.. بيان مهم بشأن تغير حالة الطقس: أمطار ودرجة الحرارة 13 ليلًا    حملة لإزالة الأسواق العشوائية والإشغالات بشارع 23 ديسمبر في بورسعيد    انطلاق مسابقات تراث أدب الخيل في الشرقية (صور)    شهد دمج «السياحة والآثار».. مسيرة ومحطات «العناني» المرشح لمنصب مدير عام اليونسكو    شهادات مؤثرة من نجوم الفن في احتفاء مهرجان الإسكندرية السينمائي ب ليلى علوي (صور)    مسلسل قيامة عثمان الموسم السابع الحلقة 195.. بداية مرحلة جديدة بعد انسحاب بوراك أوزجيفيت    حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة... تعرف عليها    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    تقييم جاهزية منشآت محافظة المنيا لتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل    توقف عند تناولها في هذا التوقيت.. متى يكون الوقت الأمثل لشرب القهوة؟    اليونيفيل: إسرائيل تلقي قنابل قرب قواتنا بلبنان في انتهاك خطير    تشكيل فريق البنك الأهلي لمواجهة المصري في الدوري    أموريم: مانشستر يعيش ضغوطات كبيرة    ليلة فولكلورية أوريجينال    محافظ أسوان يتابع تطوير طريق كيما - السماد بتكلفة 155 مليون جنيه ونسبة إنجاز 93%    جامعة قناة السويس تنظم مهرجان الكليات لسباق الطريق احتفالًا بانتصارات أكتوبر    غزة مقبرة الصحفيين.. كيف تحاول إسرائيل محو تاريخ القطاع؟    نتائج الجولة الخامسة من الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية    التنمية المحلية: بدء أعمال إزالة 35 عقارا بدون ترخيص رصدتها المتغيرات المكانية في الشرقية    الحلو وثروت وهانى شاكر يحيون حفل ذكرى انتصارات أكتوبر بالأوبرا    محاكمة سارة خلفية وميدو وكروان مشاكل.. أبرز محاكمات الأسبوع المقبل    تعرف على أنشطة رئيس مجلس الوزراء فى أسبوع    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    مهرجان شرم الشيخ للمسرح يعلن لجنة تحكيم مسابقة "عصام السيد"    سبب غياب منة شلبي عن مؤتمر فيلم «هيبتا: المناظرة الأخيرة»    نائب وزير الصحة يتفقد منشآت طبية بمحافظة الغربية ويُشيد بأداء الأطقم الطبية    اسعار الحديد فى أسيوط اليوم الجمعة 3102025    عبدالعاطي: اعتقال النشطاء في أسطول الصمود جريمة ضد الإنسانية وانتهاك للقانون الدولي    عاجل- سكك حديد مصر تُسيّر الرحلة ال22 لقطارات العودة الطوعية لنقل الأشقاء السودانيين إلى وطنهم    تعرف على آداب وسنن يوم الجمعة    5 قرارات أصدرتها النيابة فى اتهام شاب ل4 أشخاص بسرقة كليته بالبدرشين    رسميًا| الكشف عن كرة كأس العالم 2026.. صور    البابا تواضروس يلتقي كهنة إيبارشيات أسيوط    استشاري: أجهزة الجيم ملوثة 74 مرة أكتر من دورات المياه العادية    "يونيسف": الحديث عن منطقة آمنة فى جنوب غزة "مهزلة"    تحريات لكشف ملابسات تورط 3 أشخاص فى سرقة فرع شركة بكرداسة    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : مرشح الغلابة؟    لقاء تعريفي حافل بكلية الألسن بجامعة قناة السويس للعام الأكاديمي 2025-2026    ضبط 295 قضية مخدرات و75 قطعة سلاح ناري خلال 24 ساعة    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    استشاري تغذية علاجية: الأضرار المحتملة من اللبن تنحصر في حالتين فقط    «العمل» تعلن تحرير 6185 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا لمواجهة غزل المحلة    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسامة كمال : الجيل الأفضل في مصر
نشر في البديل يوم 12 - 04 - 2011

مع نجاح ثورة 25 يناير ، تحدث غير واحد من الأجيال المصرية القديمة ، مشيدين بشباب الثورة ، ومعتبرين جيل الثورة أفضل الأجيال المصرية على الإطلاق ، وعلى مدى تاريخ مصر الطويل والعريق ، ولم ينسوا أن يجلدوا ذوات أجيالهم ، متهمين أنفسهم بالضعف والخضوع والاستكانة ، والرضوخ لأنظمة فاسدة .. ولم يختلف في التعبير عن ذلك ، عالماً مرموقاً مثل فاروق الباز ( مواليد 1938 ) ، وصل في جلد ذات جيله ، إلى حد أن اتهم جيله بأنه سبب كل نكبات مصر المعاصرة ، أو موسيقياً نابهاً مثل عمار الشريعي ، نطقت موسيقاه بتفاصيل مصر الحميمة ومنمنماتها الخلابة والمدهشة ، حينما انحاز لمطالب الثورة المصرية ، ولدفق شبابها وأحلامهم ، رغم أن موسيقاه وألحانه ، التقت يوماً مع تدشين مشروع الرئيس السابق في دوراته الرئاسية الأولى ، وفى حفلاته الأكتوبرية السنوية .. وجلد عمار ذاته ، مع جلده لكل جيل السبعينات من مجايليه .. وتحدث في نفس المضمار ، سياسين وأدباء وفنانين ، من أجيال مختلفة ، ووصل الأمر ببعضهم ، مثل المخرج السينمائي خالد يوسف ( مواليد 1964 ) ، بأن طالب بأن يتحمل الشباب المسئولية كاملة ، في كافة مناحي الحياة بمصر ، وتكتفي الأجيال الأقدم بصفة المراقبين .. ولست ضد أن تجلد الأجيال المصرية ذواتها ، وتعبر عن حزنها لأنها لم تفعل ما فعله جيل شباب 25 يناير ، لكنني أنظر لكل حدث من خلال سياقه وظروفه ، فجيل الستينات الذي ينتمي إليه فاروق الباز ، تفتحت عيناه على ثورات التحرر الوطني ، وتلامس مع أحلام الشعوب الفقيرة في أسيا وأفريقيا ، وترك أحلامه بين يد زعامات وطنية في وقتها ، قبل أن تتحول تلك الزعامات إلى أنظمة ديكتاتورية ، لا تقبل بالرأي الآخر ، أو الصوت المخالف ، أو حتى بالحلم في ديمقراطية حقيقية .. وثار شباب الستينات في مصر عام 1968 ، في توقيت متقارب مع تظاهرات مماثلة في كل بقاع العالم ، في عام عمّ فيه الغضب والرفض كل أصقاع الكرة الأرضية ، لأسباب مختلفة ، خصّ مصر منها : سبباً ظاهرياً تمثل في المحاكمات الهزيلة لقادة الطيران المصري بعد هزيمة يونيو 1967 ، وسبباً جوهرياً تمثل في أزمة النظام المصري وشرعيته ، ومدى تعبيره عن مطالب المصريين ، بعد الهزيمة المخزية .. وتم وأد ثورة الشباب حينها ، ولم تتبنى الانتفاضة فئات الشعب المختلفة ، وطوائفه المتنوعة ، في ظل نظام شمولي سلطوي ، حمل المصريون لرمزه وأيقونته ، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، رصيداً أبوياً بالرغم من الهزيمة المهينة ، لأنه بالرغم من كل شيء ، لم ينكر عليه أحد شرفه أو وطنيته .. وفى يناير عام 1972 ، انتفض الشباب مرة أخرى ، وسبب انتفاضته الظاهري ، خطاب الرئيس الراحل ، محمد أنور السادات ، المسمى بخطاب الضباب ، والذي برر فيه عدم خوضه الحرب في عام 1971 ، بسبب الضباب الذي غلّف العالم بعد حرب الهند وباكستان ، أما السبب الجوهري والحقيقي فهو المطالبة بالحرية والديمقراطية ، أو على حد تعبير الثوار الشباب وقتها ( كل الديمقراطية للشعب ، كل التفاني للوطن ) ، ولم تتبن جموع الشعب أيضاً وقتها ثورة الشباب أو تشاركه انتفاضته واحتجاجه ، ربما باستثناء بعض المثقفين والأهالي المجاورين للميدان ، سيما أن نظام الرئيس السادات ، لم يختلف عن نظام سلفه الرئيس جمال عبد الناصر ، في سلطويته ، واستحواذه على كل منافذ الرأي و التعبير ، المقروءة والمسموعة والمرئية .. وفضّ الأمن المركزي انتفاضة الشباب بكل عنف ، وفرق مجموعات الشباب ، ومعها تفرقت أحلامهم بوطن حر وديمقراطي .. وتكرر الأمر في انتفاضة 17 – 18 يناير ، في عام 1977 ، بعد القرارات الاقتصادية بزيادة أسعار السلع الأساسية ، ووصلت حدة الانتفاضة حينها ، أن نزل الجيش إلى الشوارع ليحد منها ، ومن تطورها وانتشارها . وعالجت القيادة السياسية وقتها أزمتها السياسية ، بعودة أسعار السلع الأساسية إلى طبيعتها ، ووصف الانتفاضة الشعبية بانتفاضة الحرانية في كل أجهزة الإعلام الرسمية ، لمحو وطمس نضال الشرفاء من أجل العدالة والحرية . وبدأ من حينها التنسيق بين نظام السادات والجماعات الإسلامية ، وعلى رأسها الإخوان المسلمين ، للقضاء على أصحاب الميول اليسارية والاشتراكية .. فطوال تاريخ مصر المعاصر ، لم يقف أي جيل من الأجيال مكتوف الأيدي ، وعبّر عن أحلامه وأماله في مستقبل وطنه وبلاده ، لكن الظرف التاريخي يختلف من عصر إلى عصر ، ومن زمن إلى زمن ، وكل الانتفاضات المصرية في الخمسين عاماً الأخيرة ، حدثت في ظروف سياسية ومجتمعية واقتصادية وثقافية جد مختلفة .. ومن الظلم أن نقارن جيل بجيل ، كما لا يمكننا أن نرى فترة من الفترات بعيداً عن سياقها وأحداثها الداخلية والخارجية ، فشباب 25 يناير ، امتلكوا أدوات لم يمتلكها ما قبلهم من أجيال ، وعاشوا في فضاءات أكثر رحابة وحرية ، سواء في واقعهم الافتراضي عبر الانترنت ، أو حتى في تتبعهم اليومي لمّا تبثه الفضائيات العربية وغير العربية ، عبر الأقمار الصناعية المفتوحة ، بعكس الأجيال السابقة التي تشكلت عبر إعلام رسمي موجه ، وليس له أية بدائل أو نظائر في واقع معيشتهم اليومي ، ولعلنا نتذكر ظاهرة مجلات الحائط ، ومنشورات الماستر ، ودوريات المثقفين الطليعيين ، التي خرجت بأبسط الإمكانيات وأفقرها ، إبان فترتي الستينات والسبعينيات من القرن الفائت ، وكيف كانت حدثاً مغايراً وقتها ، برغم أنها ظلت محصورة بين النخب المثقفة فقط ، وبالطبع لا يمكن مقارنة تأثيرها وانتشارها، بتأثير السموات المفتوحة ، وفضاءات الانترنت .. وتميز شباب 25 يناير ، بأن ( معظمهم ) لم يقع أسيراً لأيدلوجيات أو مذاهب فكرية ، ولم ينتمي إلى أحزاب رسمية أو سرية ، ولم تحركهم إلا مشاعر وطنية مجردة من أي هوى ، فتجاوزوا دون أن يدروا مغبة القفز على أحلامهم ، من ساسة معارضين ، تكلسوا ووهنوا ، وارتضوا في الثلاثين عاماً الأخيرة ، بأن يقبعوا في ظل الظل ، منتظرين لهدايا النظام وصفقاته معهم ، كسقط متاع من شرفات القصر الرئاسي .. ولا يمكن إغفال دور الرئيس السابق حسنى مبارك ، في نجاح ثورة يناير ، بتسخيره كل مقدرات الدولة المصرية لمشروع التوريث ، واستعلائه ووريثه على الشعب المصري ، وتمريرهما لكل ما يريدان ويرغبان من سياسات ، دون أي اعتبار أو حتى تفكير في شعب يعيش تحت وطأة الفقر والفساد ، وكأن المصريين كائنات لا تُرى بالعين المجردة ، ومجرد طحالب تعلو نهر النيل .. وظن الرئيس ووريثه ، أن سياجاً فلوذياً يحول بينهما وبين ثورة المصريين ، وبين كشف ما اقترفته العائلة الرئاسية من نهب منظم وممنهج لثروات بلد ، لا يستحقوا أن يحملوا اسمه أو كنيته .. وصنع مبارك عامداً حالة من الفراغ السياسي المصري ، ليجعل الناس أمام اختيار واحد ، لا مفر منه ، ولا بديل عنه ، وفى سبيله قضى على كل سبل التغيير ، فجعل الناس أمام شيئين لا ثالث لهما ، الثورة أو اختيار وريثه ، الذي تسبب في العقد الأخير بحكمه الفعلي للبلاد ، في قتل أحلام المصريين ، وإفقارهم ووضعهم على حافة الموت البطيء والمذل ، وشواهد : العبّارة 98 ، وقطارات الموت ، ورحلات الغرق والموت لآلاف الشباب المصريين ، هرباً من مصر إلى أوربا ، ما زالت ماثلة في ذاكرة المصريين .. لكل ذلك تبنت الجماعة المصرية بكل أطيافها و تنوعاتها ، وطوائفها وفئاتها ، انتفاضة الشباب ، وتحولت من مجرد حركة احتجاجية ، إلى ثورة شعبية ، أو الثورة المصرية بألف ولام العهد ، فليس لمثلها مثيل في تاريخ مصر ، وذلك لأن ظرفها التاريخي يختلف تمام الاختلاف عما سبقها من انتفاضات ومظاهرات ، وتجمعت لها من المعطيات والأسباب ، ما أجج منها ووسع من انتشارها ، وزاد من تأثيرها .. لذلك لا حاجة للأجيال القديمة ، خاصة الثائرين والمناضلين منهم ، أن يبكوا على عصرهم الذي مر ، دون أن يضعوا أقدامهم على الطريق الصحيح ، فثورة 25 يناير ، لم تكن ثورة جيل واحد ، بل ثورة كل المصريين .. لأن الجسد المصري مات إكلينيكيا في السنوات الأخيرة ، وكان لابد من ثورة ليستعيد عافيته من جديد ..
أسامة كمال : الجيل الأفضل في مصر
مع نجاح ثورة 25 يناير ، تحدث غير واحد من الأجيال المصرية القديمة ، مشيدين بشباب الثورة ، ومعتبرين جيل الثورة أفضل الأجيال المصرية على الإطلاق ، وعلى مدى تاريخ مصر الطويل والعريق ، ولم ينسوا أن يجلدوا ذوات أجيالهم ، متهمين أنفسهم بالضعف والخضوع والاستكانة ، والرضوخ لأنظمة فاسدة .. ولم يختلف في التعبير عن ذلك ، عالماً مرموقاً مثل فاروق الباز ( مواليد 1938 ) ، وصل في جلد ذات جيله ، إلى حد أن اتهم جيله بأنه سبب كل نكبات مصر المعاصرة ، أو موسيقياً نابهاً مثل عمار الشريعي ، نطقت موسيقاه بتفاصيل مصر الحميمة ومنمنماتها الخلابة والمدهشة ، حينما انحاز لمطالب الثورة المصرية ، ولدفق شبابها وأحلامهم ، رغم أن موسيقاه وألحانه ، التقت يوماً مع تدشين مشروع الرئيس السابق في دوراته الرئاسية الأولى ، وفى حفلاته الأكتوبرية السنوية .. وجلد عمار ذاته ، مع جلده لكل جيل السبعينات من مجايليه .. وتحدث في نفس المضمار ، سياسين وأدباء وفنانين ، من أجيال مختلفة ، ووصل الأمر ببعضهم ، مثل المخرج السينمائي خالد يوسف ( مواليد 1964 ) ، بأن طالب بأن يتحمل الشباب المسئولية كاملة ، في كافة مناحي الحياة بمصر ، وتكتفي الأجيال الأقدم بصفة المراقبين .. ولست ضد أن تجلد الأجيال المصرية ذواتها ، وتعبر عن حزنها لأنها لم تفعل ما فعله جيل شباب 25 يناير ، لكنني أنظر لكل حدث من خلال سياقه وظروفه ، فجيل الستينات الذي ينتمي إليه فاروق الباز ، تفتحت عيناه على ثورات التحرر الوطني ، وتلامس مع أحلام الشعوب الفقيرة في أسيا وأفريقيا ، وترك أحلامه بين يد زعامات وطنية في وقتها ، قبل أن تتحول تلك الزعامات إلى أنظمة ديكتاتورية ، لا تقبل بالرأي الآخر ، أو الصوت المخالف ، أو حتى بالحلم في ديمقراطية حقيقية .. وثار شباب الستينات في مصر عام 1968 ، في توقيت متقارب مع تظاهرات مماثلة في كل بقاع العالم ، في عام عمّ فيه الغضب والرفض كل أصقاع الكرة الأرضية ، لأسباب مختلفة ، خصّ مصر منها : سبباً ظاهرياً تمثل في المحاكمات الهزيلة لقادة الطيران المصري بعد هزيمة يونيو 1967 ، وسبباً جوهرياً تمثل في أزمة النظام المصري وشرعيته ، ومدى تعبيره عن مطالب المصريين ، بعد الهزيمة المخزية .. وتم وأد ثورة الشباب حينها ، ولم تتبنى الانتفاضة فئات الشعب المختلفة ، وطوائفه المتنوعة ، في ظل نظام شمولي سلطوي ، حمل المصريون لرمزه وأيقونته ، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، رصيداً أبوياً بالرغم من الهزيمة المهينة ، لأنه بالرغم من كل شيء ، لم ينكر عليه أحد شرفه أو وطنيته .. وفى يناير عام 1972 ، انتفض الشباب مرة أخرى ، وسبب انتفاضته الظاهري ، خطاب الرئيس الراحل ، محمد أنور السادات ، المسمى بخطاب الضباب ، والذي برر فيه عدم خوضه الحرب في عام 1971 ، بسبب الضباب الذي غلّف العالم بعد حرب الهند وباكستان ، أما السبب الجوهري والحقيقي فهو المطالبة بالحرية والديمقراطية ، أو على حد تعبير الثوار الشباب وقتها ( كل الديمقراطية للشعب ، كل التفاني للوطن ) ، ولم تتبن جموع الشعب أيضاً وقتها ثورة الشباب أو تشاركه انتفاضته واحتجاجه ، ربما باستثناء بعض المثقفين والأهالي المجاورين للميدان ، سيما أن نظام الرئيس السادات ، لم يختلف عن نظام سلفه الرئيس جمال عبد الناصر ، في سلطويته ، واستحواذه على كل منافذ الرأي و التعبير ، المقروءة والمسموعة والمرئية .. وفضّ الأمن المركزي انتفاضة الشباب بكل عنف ، وفرق مجموعات الشباب ، ومعها تفرقت أحلامهم بوطن حر وديمقراطي .. وتكرر الأمر في انتفاضة 17 – 18 يناير ، في عام 1977 ، بعد القرارات الاقتصادية بزيادة أسعار السلع الأساسية ، ووصلت حدة الانتفاضة حينها ، أن نزل الجيش إلى الشوارع ليحد منها ، ومن تطورها وانتشارها . وعالجت القيادة السياسية وقتها أزمتها السياسية ، بعودة أسعار السلع الأساسية إلى طبيعتها ، ووصف الانتفاضة الشعبية بانتفاضة الحرانية في كل أجهزة الإعلام الرسمية ، لمحو وطمس نضال الشرفاء من أجل العدالة والحرية . وبدأ من حينها التنسيق بين نظام السادات والجماعات الإسلامية ، وعلى رأسها الإخوان المسلمين ، للقضاء على أصحاب الميول اليسارية والاشتراكية .. فطوال تاريخ مصر المعاصر ، لم يقف أي جيل من الأجيال مكتوف الأيدي ، وعبّر عن أحلامه وأماله في مستقبل وطنه وبلاده ، لكن الظرف التاريخي يختلف من عصر إلى عصر ، ومن زمن إلى زمن ، وكل الانتفاضات المصرية في الخمسين عاماً الأخيرة ، حدثت في ظروف سياسية ومجتمعية واقتصادية وثقافية جد مختلفة .. ومن الظلم أن نقارن جيل بجيل ، كما لا يمكننا أن نرى فترة من الفترات بعيداً عن سياقها وأحداثها الداخلية والخارجية ، فشباب 25 يناير ، امتلكوا أدوات لم يمتلكها ما قبلهم من أجيال ، وعاشوا في فضاءات أكثر رحابة وحرية ، سواء في واقعهم الافتراضي عبر الانترنت ، أو حتى في تتبعهم اليومي لمّا تبثه الفضائيات العربية وغير العربية ، عبر الأقمار الصناعية المفتوحة ، بعكس الأجيال السابقة التي تشكلت عبر إعلام رسمي موجه ، وليس له أية بدائل أو نظائر في واقع معيشتهم اليومي ، ولعلنا نتذكر ظاهرة مجلات الحائط ، ومنشورات الماستر ، ودوريات المثقفين الطليعيين ، التي خرجت بأبسط الإمكانيات وأفقرها ، إبان فترتي الستينات والسبعينيات من القرن الفائت ، وكيف كانت حدثاً مغايراً وقتها ، برغم أنها ظلت محصورة بين النخب المثقفة فقط ، وبالطبع لا يمكن مقارنة تأثيرها وانتشارها، بتأثير السموات المفتوحة ، وفضاءات الانترنت .. وتميز شباب 25 يناير ، بأن ( معظمهم ) لم يقع أسيراً لأيدلوجيات أو مذاهب فكرية ، ولم ينتمي إلى أحزاب رسمية أو سرية ، ولم تحركهم إلا مشاعر وطنية مجردة من أي هوى ، فتجاوزوا دون أن يدروا مغبة القفز على أحلامهم ، من ساسة معارضين ، تكلسوا ووهنوا ، وارتضوا في الثلاثين عاماً الأخيرة ، بأن يقبعوا في ظل الظل ، منتظرين لهدايا النظام وصفقاته معهم ، كسقط متاع من شرفات القصر الرئاسي .. ولا يمكن إغفال دور الرئيس السابق حسنى مبارك ، في نجاح ثورة يناير ، بتسخيره كل مقدرات الدولة المصرية لمشروع التوريث ، واستعلائه ووريثه على الشعب المصري ، وتمريرهما لكل ما يريدان ويرغبان من سياسات ، دون أي اعتبار أو حتى تفكير في شعب يعيش تحت وطأة الفقر والفساد ، وكأن المصريين كائنات لا تُرى بالعين المجردة ، ومجرد طحالب تعلو نهر النيل .. وظن الرئيس ووريثه ، أن سياجاً فلوذياً يحول بينهما وبين ثورة المصريين ، وبين كشف ما اقترفته العائلة الرئاسية من نهب منظم وممنهج لثروات بلد ، لا يستحقوا أن يحملوا اسمه أو كنيته .. وصنع مبارك عامداً حالة من الفراغ السياسي المصري ، ليجعل الناس أمام اختيار واحد ، لا مفر منه ، ولا بديل عنه ، وفى سبيله قضى على كل سبل التغيير ، فجعل الناس أمام شيئين لا ثالث لهما ، الثورة أو اختيار وريثه ، الذي تسبب في العقد الأخير بحكمه الفعلي للبلاد ، في قتل أحلام المصريين ، وإفقارهم ووضعهم على حافة الموت البطيء والمذل ، وشواهد : العبّارة 98 ، وقطارات الموت ، ورحلات الغرق والموت لآلاف الشباب المصريين ، هرباً من مصر إلى أوربا ، ما زالت ماثلة في ذاكرة المصريين .. لكل ذلك تبنت الجماعة المصرية بكل أطيافها و تنوعاتها ، وطوائفها وفئاتها ، انتفاضة الشباب ، وتحولت من مجرد حركة احتجاجية ، إلى ثورة شعبية ، أو الثورة المصرية بألف ولام العهد ، فليس لمثلها مثيل في تاريخ مصر ، وذلك لأن ظرفها التاريخي يختلف تمام الاختلاف عما سبقها من انتفاضات ومظاهرات ، وتجمعت لها من المعطيات والأسباب ، ما أجج منها ووسع من انتشارها ، وزاد من تأثيرها .. لذلك لا حاجة للأجيال القديمة ، خاصة الثائرين والمناضلين منهم ، أن يبكوا على عصرهم الذي مر ، دون أن يضعوا أقدامهم على الطريق الصحيح ، فثورة 25 يناير ، لم تكن ثورة جيل واحد ، بل ثورة كل المصريين .. لأن الجسد المصري مات إكلينيكيا في السنوات الأخيرة ، وكان لابد من ثورة ليستعيد عافيته من جديد ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.