أحسب أن نقطة البداية لتنفيذ خارطة الطريق هي التعديلات الدستورية, حيث تأتي من حيث الاولويات قبل الانتخابات رئاسية كانت ام برلمانية, فلئن كانت مواد مسودة الدستور محمودة الي حد كبير. إلا أن ثمة تساؤلات تثور حول ما اذا كان من المصلحة الابقاء علي مجلس الشوري من عدمه, وما اذا كان من الاوفق اجراء الانتخابات البرلمانية بنظام الانتخاب الفردي أم بنظام القائمة, واخيرا جدوي الابقاء علي نسبة الخمسين بالمائة من العمال والفلاحين. أما عن التساؤل الاول والمتعلق بالابقاء علي مجلس الشوري من عدمه فان التجربة اثبتت ان نظام المجلسين في مصر وان كان يتلافي عوار وافراز العملية الانتخابية بمجلس الشعب وذلك بتعيين أصحاب الفكر والنظر من اهل الثقافة والخبرة بمجلس الشوري, الا ان دور مجلس الشوري في عملية سن التشريع في الآونة الاخيرة لم يكن فعالا مقارنة بالنفقات الباهظه التي تتكبدها خزانة الدوله للانفاق علي المجلسين. وجدير بالاشارة أن التعيين للخبرات بمجلس الشوري له مزاياه, حيث إن افرازات العملية الانتخابية بمجلس الشعب قد ينتج عنها اختيارات لاتلم بعملية سن التشريع والرقابة في غير قليل من الاحوال, بحسبان ان ثقافة الناخب في اختيار عضو مجلس الشعب اثناء عملية الاقتراع لاترتكن الي برنامج المرشح الانتخابي وانما الي ما يقدمه المرشح الي ابناء دائرته من قضاء لحوائجهم ومصالحهم الشخصية وحسم خلافاتهم العائلية, لاسيما في المناطق الريفية, وذلك أبعد ما يكون عن دور عضو البرلمان والمؤهلات المتطلبة فيه لممارسة سن التشريع والرقابة. وازاء ماتقدم من نظر يضحي عدم الابقاء علي مجلس الشوري في المرحلة الحالية علي الاقل- والاكتفاء بمجلس واحد فقط هو رأي سديد له مايبرره. وفي اطار المجلس التشريعي الواحد يتبقي تساؤل علي درجة كبيرة من الاهمية وهو وما اذا كان من الاوفق اجراء الانتخابات البرلمانية بنظام الانتخاب الفردي أم بنظام القائمة؟ لعل ما يسعي اليه المؤيدون لفكرة الانتخاب بالقائمة هو تأييد النظر الذي يهدف الي تقوية الاحزاب السياسية والتصويت لصالح حزب ما ينتهج برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا قد يري الناخب انها تحقق له ما تصبو اليه نفسه, ومرمي الانتخاب بالقائمة عادة الممارسة الحزبية السياسية السليمة حتي تتبلور القوي السياسة الحزبية عقدا تلو الاخر ليصبح لدينا احزابا سياسية لها دور فاعل في الحياة السياسية الحزبية كحزبي العمال والمحافظين في المملكة المتحدة, وحزبي الديمقراطيين والجمهوريين في الولاياتالمتحدة. الا ان هذا الرأي سرعان ماتتلاشي حجته عندما يبرز الواقع العملي للممارسة السياسية ابان ممارسة الناخب رأيه في عملية الاقتراع حيث ان الثقافة السائدة لدي جموع الناخبين في الريف والحضر, هي التصويت للمرشح الذي يجلب للناخب نفع أو مصلحة شخصية بقطع النظر عن برنامجه الانتخابي, ومردود هذا البرنامج علي الوطن والمواطن, بل وبقطع النظر عن مدي المام المرشح ولو بقدر يسير بعملية سن التشريع ومقتضياتها, وعملية الرقابة علي السلطة التنفيذيهةوضوابطها. ويبرز عيب آخر للانتخاب بالقائمة وهو امكان تمرير بعض المرشحين تحت مظلة قائمة حزبية قوية يتزعمها برلماني او سياسي له قبول جماهيري ليصحب معه في ذات القائمه من هم ليسوا اهلا لعضوية المجالس النيابية من حيث التأهيل لعمليتي التشريع والرقابة. يعضد هذا النظر ويؤازره الواقع العملي قبل وبعد ثورة2011, وفي عدد من المرات جرت فيها الانتخابات بالقائمة, فعلي سبيل المثال لا الحصر, حزب الوفد بتاريخه المجيد, وسجله الوطني المشرف والطويل, لم يحصل علي العدد من المقاعد في المجالس النيابية التي تتناسب مع تاريخه وثقله في تاريخ هذه الامة. فالانتخاب بالقائمة نظريا قد يظهر انه من مزاياه تقوية النظام الحزبي, الا ان الواقع العملي يكشف عن عدم تحقق ذلك علي ارض الواقع قبل وبعد ثورة.2011 وثمة تساؤل أخير علي درجة كبيرة من الوجاهة وهو هل المكان الصحيح للنظام الانتخابي وما اذا كان فرديا أم بالقائمه هو الدستور؟ أم انه من الافضل ان ينظم هذه المسائل التشريع العادي الصادر من البرلمان مع الحذر الشديد من جانب المشرع حتي لايقع في مطب عدم الدستوريه لاسيما وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في قضاء سابق ورصين منذ ما يزيد علي عقدين- بعدم دستورية نظام الانتخاب بالقائمة مما يجعل المجلس النيابي عرضة للحل! نري ان مسألة الانتخاب سواء أكان فرديا أم بالقائمة هي مسألة يختص بها التشريع العادي الصادر من البرلمان, فالدستور وثيقة سامية يتحدث عن الكليات والمبادئ العامة, ولايتطرق الدستور للجزئيات والتفاصيل التي تتغير من آن لآخر, الا ان المبادئ الدستورية يجب ان تكون من الديناميكية والمرونة بما يكفل لها ان تحكم الامه لعقود وليس لسنوات, فيتعين ألا تتسم المبادئ الدستورية الكلية بالاستاتيكية والثبات, وتأتي مسألة التمييز الايجابي للعمال والفلاحين بنسبة50% بحيث كانت الدساتير السابقه تنص علي جواز ان تكون نسبة التمثيل النيابي للعمال والفلاحين50% او اكثر والعكس غير صحيح بل وغير دستوري. الراجح في هذه المسألة هي انه اما ان تترك هذه المسألة بالكليه للناخب أو ان يشترط في المرشح ولو كان من العمال أو الفلاحين الحصول علي مؤهل عالي, فعلي الرغم من وجود نسبة أميه الا ان ملايين من العمال والفلاحين الآن يحملون مؤهلات جامعية, والا كيف يتسني لمن لايجيد القراءة والكتابة أو من لم يحظ بنصيب معقول من التعليم والثقافة- متمثلا في شهادة جامعيه- كيف يتسني لعضو البرلمان بهذه الكيفية وبدون تعليم ان يمارس عمليتي التشريع والرقابة؟؟ لقد ضمت لجنة وضع مسودة الدستور اساطين الفكر القانوني العربي, والأمل معقود علي لجنة الخمسين ان تواصل الجهد في سبيل رفعة الوطن. لمزيد من مقالات مستشار د. محمد عبدالمجيد اسماعيل