عادت السحابة السوداء للعام الرابع عشر علي التوالي لتحاصر المصريين وتكشف عجزا حقيقيا عن حل أسبابها وأهمها انتشار حرق قش الأرز بالمحافظات, وحرق القمامة إضافة إلي عوادم السيارات مما تسبب في ارتفاع معدلات تلوث الهواء الذي يؤدي إلي5 الاف حالة وفاة سنويا. الدكتور أحمد عبد الوهاب أستاذ علوم البيئة يؤكد ان العجز في مواجهة هذه المشكلة يمكن ان يكون ميزة لو أحسنت الدولة التعامل معها بجعل قش الأرز مصدرا لخامات كثيرة مثل صناعة السماد والورق وبعض الأغذية القائمة عليه لتقام عليها مصانع كبيرة توفر العملات الصعبة وتجتذب الأيدي العاملة, وكذلك الحال بالنسبة للقمامة المليئة بالكنوز التي تهدر مجانا نتيجة الجهل أو العجز وهذا كله ناتج عن انعدام وجود استراتيجية قومية للاستفادة من الثروة الطبيعية ومنها النفايات الصلبة والسائلة الصناعية أو المنزلية أو الزراعية فهي نعمة حولناها الي نقمة حتي إن تكاليف نقل القمامة أصبحت عبئا بدلا من العمل علي تدويرها مثلما يحدث في دول العالم وهي توفر الكثير من العملات الصعبة. وأشار الدكتور عبدالوهاب إلي ان السبب الرئيسي في ظهور السحابة السوداء في هذا الوقت من العام يرجع لتكدس كميات هائلة من النفايات الزراعية والقش الذي يحرق في وقت واحد نتيجة ارتفاع مستوي معيشة الفلاح اجتماعيا واقتصاديا, فأصبح يعتمد علي الفرن بالسوق لتوفير احتياجاته من الخبز ولا يستخدم الفرن البلدي فهو يعتمد ايضا علي البوتاجاز بدلا من استخدام الحطب والقش في صناعة الغذاء. أما في القاهرة مثلا فإن بها3 مصانع كبري تحرق نحو2500 طن سولار يوميا وتحقق البيئة نحو6 الاف طن من ثاني اكسيد الكربون, إضافة الي ثاني أكسيد الكبريت والنيتروجين والهيدروكربونات وعشرات الغازات السامة فهناك أيضا نحو120 مصنع طوب تحرق350 طن مازوت يوميا يضاف لها800 مسبك علي الأقل في القاهرة الكبري ومحارق الفخار والحجارة تضاف اليها القمامة التي تحرق بكميات كبيرة جدا فهي اضافة للغازات الخانقة تبث مواد سامة من حرق البلاستيك وفوق كل ذلك وجود عادم السيارات الذي يمثل40 60% متغيرة من مجموع هذه الملوثات مجتمعة والتي تبلغ نحو45 مليون سيارة بمصر منها850 الف موتوسيكل. وأكد استاذ علوم البيئة ضرورة ايجاد حلول عملية من خلال استراتيجية تخفف من حركة المرور بالقاهرة والمدن فهناك نحو23 مليون سيارة وأتوبيس من كل نوع تنفث أكثر من3 ملايين طن ثاني أكسيد كربون اضافة الي كميات كبيرة من أول أكسيد الكربون السام وعشرات الغازات الضارة بالانسان والبيئة ومع ارتفاع الحرارة تتصاعد تيارات صاعدة تسحب الدخان والملوثات الي أعلي وتدور في نفس المكان بلا حركة لعدم وجود هواء متحرك, في الوقت الذي لا تتجه الجهود لصناعة الأسمدة العضوية من النفايات الزراعية ومنها قش الأرز حتي أصبحت عبئا مدمرا مليئة بالحشرات والقوارض والذباب والباعوض نتيجة المزارع للحرق في الوقت الذي يؤكد فيه الخبراء أن مخلفات الحقول يمكنها أن تدر نحو13 مليار جنيه إذا وظفت كل هذه الامكانات في احتياجات زراعية اساسية من التسميد أو الصناعة, في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم الي تطبيق برامج الوقود الحيوي من نفايات المحاصيل ليشمل محاصيل الطاقة والطحالب والنفايات الزراعية ونفايات مصانع الأغذية وأسواق الخضر والفاكهة وتحويل الكلفة الحيوية الي سائل لإنتاج الايثانول من السليلوز والميثانول الحيوي والغاز الحيوي الصناعي وانتاج الزيوت الحيوية والوقود الحيوي من مخلفات القصب وغيرها من الغازات ذات القيمة الصناعية والاقتصادية. استراتيجية للقمامة وقال إنه بالنسبة للقمامة فلابد أن توضع استراتيجية لمعالجتها بدءا من نفايات المنازل التي تبلغ نحو25 مليون طن في العام وبها نسبة عالية من الثروات الطبيعية والصناعية التي يمكن ان تدر ثروة مادية عالية بطرق مباشرة وغير مباشرة, فإن تدوير القمامة يمكنه ان ينتج نحو11 مليون طن من السماد الطبيعي تكفي لزراعة نحو25 مليون فدان تزيد الي18 مليون طن في عام2017 لزراعة45 مليون فدان, فضلا عن انتاج4 ملايين طن ورق كافية لتشغيل4 مصانع كبري, و400 ألف طن زجاج و400 ألف طن حديد تنتج نحو005 ألف طن حديد تسليح و051 ألف طن من البلاستيك و005 طن كهنة وقماش وجميعها يمكن أن تدر عائدا يبلغ نحو1,2 مليار جنيه, فضلا عن العائد الصحي والبيئي الذي يفوقها مئات المرات نتيجة البيئة الصحية, ذلك لأن القمامة تنقل24 مرض تكلف الدولة أكثر من مليار جنيه أخري للعلاج, مع ميزة أخري, وهي تشغيل نحو نصف مليون عامل من الشباب, وتحقيق زيادة في إنتاج الافراد تزيد علي04% مع تعود الحياة البيئية النظيفة. وقال: إن كمية إنتاج الأرض الزراعية من قش الأرز تبلغ سنويا نحو4 ملايين طن بمعدل ثلاثة أرباع طن للفدان الواحد مما يستلزم معه تكثيف الجهود التي اعلنت عنها وزارة الزراعة بالاتفاق مع وزارة البيئة لتفعيل الاشراف والمتابعة لتدوير القش باستخدامه غذاء للحيوان أو سماد عضو, ووضع آلية لجمع وكبس هذه الكميات لاستخدامها مصدرا للطاقة الرخيصة ضمن مصانع الأسمنت لانتاج طاقة حرارية عالية, كما يمكن توجيه كميات كبيرة من القش المعالج كيميائيا إلي الأراضي الصحراوية, التي تفتقر بشدة للمواد العضوية المساعدة علي الخصوبة والزراعة, في الوقت الذي يجب أن تتوسع فيه محطات رصد التلوث بالدخان من جانب وزارة البيئة وتسهيل عمل الشركات الخمس الجديدة العاملة في جمع وتدوير المخلفات الزراعية بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع, وأتخاذ إجراءات فعالة لمنع الحرق المكشوف بالقاهرة والمحافظات, وكذلك التحكم في عادم السيارات, ومنع دخول السيارات من خارج القاهرة في هذه الفترة مع إيقاف جميع الصناعات المنتشرة بالمناطق السكنية والتوجيه للاعتماد علي الوقود الغازي, وإيقاف حرق القمامة والاخشاب والكاوتش بالشوارع ومنع إقامة المكامير الخاصة بالفحم, ودعم أتجاه أصحاب السيارات لاستخدام الغاز بدلا من البنزين. العمارة الخضراء وفي تجارب علمية بالمركز القومي للبحوث صممت الدكتورة جيهان لطفي برنامجا بحثيا تطبيقيا بالتعاون مع8 باحثين بقسمي الهندسة المعمارية والمدنية للتخلص من قش الأرز واستخدامه, فيما يسمي بالعمارة الخضراء ببناء منزل كامل من حيث الجدران المبطنة الحوائط, ومن الأثاث كله من قش الأرز المكبوس والمعامل كيميائيا لاعطاء كتلة متداخلة ومتكاملة, لاقامة الحوائط وتصنيع محتويات المسكن مؤكدة أن هذه الطريقة توفير مساكن للمناطق الصحراوية الجديدة بصفة خاصة, لما تتمتع به مادة القش من قدرة علي عزل الحرارة صيفا وشتاء, فيعيش الإنسان بداخله دون احتياج لتكييف أو تدفئه. أما النموذج الثاني فهو د. بهاء شوقي بقسم كيمياء الكائنات الدقيقة بالمركز, فيصمم جهازا لتوظيف تدوير واستخدام53 مليون طن من مخلفات الزراعة, وهذا الجهاز باسم( انفجار الألياف متعدد الاستعمالات) فهو يحول المخلفات إلي سكريات قابلة للتخمر ثم يتحول إلي( بيو إيثانول) الذي يمكن إضافته خليطا مع البنزين بنسبة02%, وأنه ثبت أن هذا السائل المضاف من الوقود يزيد كفاءة الموتور, ويقضي علي انبعاث الغازات والأدخنة الملوثة للهواء, وأن طن القش ينتج نحو003 لتر من( بيو إيثانول) بما يعني أن القش يمكن أن يكون مصدرا لغني الفلاح بما يساوي البترول, ويحل مشكلة الطاقة, ويتطلب ذلك تعاون الجامعات ووزارات الزراعة والبيئة والبترول والكهرباء وغيرها. أزمات قلبية أما عن الآثار الصحية الخطيرة علي حياة الإنسان المصري, فيؤكد الدكتور فرج إبراهيم أستاذ الحساسية والمناعة بجامعة القناة, أن السحابة السوداء تسبب حساسية عالية بالأنف قد تؤدي لأزمات قلبية وذبحة صدرية, وأكثر من يعانون من كبار السن بنسبة52% والاطفال04% وتزيد هذه النسبة في مناطق القاهرة الكبري لارتفاع التلوث, فيحدث بين السكان احتقان في الجيوب الأنفية دون أن يدركوا لأسباب قد يصل إلي درجة انسداد مجري الهواء وحدوث أزمات قلبية أو ذبحات صدرية, كما تتأثر العين بدرجة كبيرة, وتصل نسبة إصابات الحساسية إلي07% بين مختلف الأعمار إضافة لاصرار العين والحكة والدموع, وقد تصل هذه الاصابات إلي المرض المزمن بنسبة تصل ما بين01 03% بين الكبار و04% بين الاطفال, وما يتطلب حدوث تهوية جيدة وتغيير فلاتر التكييف والبعد عن الحيوانات الأليفة لمساعدة علي الحساسية, والحرص علي وضع تبديل مبلل علي الأنف والفم في حال التعرض الشديد للسحابة السوداء. وحذر أستاذ الحساسية والمناعة من أن تعرض أصحاب الأمراض المزمنة والأطفال صغار السن للسحابة السوداء لأن الدخان يمثل عامل هدم في بيولوجيا الجسم, ويتسبب في وفاة نحو5 آلاف شخص سنويا, مما يستوجب معه ضرورة الاستعداد الطبي بالمستشفيات لمواجهة الطواريء الناجمة عن التلوث من السحابة, والتي ثبت خطورتها علي الجهاز العصبي والمخ, وإحداث خلل بالدورة الدموية, وانخفاض الأداء في العمل فضلا عن السلوكيات الناتجة عن الاختناق الجزئي والتوترات العصبية.