ليس كل الأولياء من أصحاب الكرامات والمعجزات, كما أن كل مريديهم ليسوا من المؤمنين الصادقين, الأولياء صناعة بشرية يتداخل فيها المقدس والمدنس, الإيمان والهوي, الحقيقة والوهم: مزيج يخلب ويذهب بالعقول, فيه منافع كثيرة!. أنا لا أتحدث عن أولياء الله الصالحين, ولكن عن هؤلاء الذين تمتلئ بهم حياتنا, أولياء من كل نوع, وفي كل مجال: في السياسة والثقافة والصحافة والاقتصاد والعلوم, تقام لهم حلقات ذكر لا تنقطع, تلهج الألسنة فيها بالثناء والمديح, علي عبقريات مستحيلة, ومواهب نادرة, وفتوحات كبيرة, وكرامات خاصة, وكأنهم يوحي إليهم وليسوا بشرا من لحم ودم, يجتهدون فيصيبون ويخطئون, وقد تتغلب أهواؤهم علي عقولهم. الأولياء, الأحياء منهم والأموات يعيشون أعمارا طويلة فوق أعمارهم, يتمتعون فيها بمكانة أقرب الي القداسة, تحيط بهم جموع المريدين الذين يدورون في أفلاكهم, كواكب حول شموس, يستمدون منها حضورهم ووهجهم, فيهم المؤمنون بحق وهم قليل, وفيهم المدعون وهم كثر! أولياء لا أحد يستطيع أن ينكر اشراقاتهم وتجلياتهم وعطاءهم الخلاق الممتد, كما أن لا أحد يستطيع أن يجادل في قدراتهم الخارقة في البقاء والاستمرار, برغم أخطار وتحولات كبري, كانت ومازالت مثل أمواج عاتية, نجحوا في ركوبها فبقوا نجوما تهدي وتضل حسب أحوالهم وأحوالنا! المريدون دائما ما يصنعون أولياءهم, وفقا لمصالحهم وأهوائهم, وأحيانا إيمانهم, ولكنهم في كل الأحوال, يطمعون في نصيب من النفحات التي تمتليء بها صناديق الأولياء. نفحات من الشهرة والثروة والسلطة, تلقي فوق رؤسهم من مقاماتهم الرفيعة البعيدة, حيث لا يمكن أن يلتقوا بهم إلا بإذن, ولا يطلون عليهم إلا في الليالي المشهودة, بعد أن ضمنوا حضورا لا ينقطع!. عندما تنصب حلقة ذكر لأحد هؤلاء الأولياء, انتظر أن أسمع أو أقرأ كلمة واحدة, تدعو حتي في خجل, إلي مراجعة كتابه, أو تسأل عن مواقف ومواقع سابقة, كان الهوي فيها غالبا, والأخطاء واضحة, والتراجع لازما, والأسف واجبا, فلا أجد شيئا غير قصائد المديح وتراتيل الافتتان والانبهار! إن الأمم لا يمكن أن تتقدم إلا عندما تتحرر من سطوة هؤلاء الأولياء, وأيضا عندما تتخلص من المريدين الأدعياء: صناع الأولياء الأحياء.! في الختام.. يقول ابن القيم: نور العقل يضيء في ليل الهوي فتلوح جادة الصواب, فيتلمح البصير في ذلك عواقب الأمور. لمزيد من مقالات محمد حسين