معظم الوقت لم تكن عندي رفاهية شراء الكتب وشرائط الكاسيت ودوايين الشعر و مجلات الموضة والجمال, الانجاز عندي كان اهم من المتعة, والعمل له اولوية علي اي شئ, لقد دفعت سنوات شبابي لأبني نفسي وارفع من مستوي حياتي المادي.. أنا الان سيدة في نهاية الخمسينات من عمري,, امرأة عاملة منذ سنوات طويلة, و ام لثلاثة من الاولاد وبنت وحيدة جميعهم تخرجوا من الجامعة, لكنهم مرفهين, لم يكافحوا مع الحياة أويتذوقوا مرارة الحاجة وقسوة الناس والدنيا مثلما كافحت وتعذبت انا. افضل ما حدث لي, حين كنت في سنهم,, اني تزوجت الشاب الذي احبه, كان واعدا وذكيا واكثر الشباب موهبة وتميزا في شارعنا الشعبي الفقير, وصدق حدسي, واصبح زوجي فيما بعد رجلا ناجحا شهيرا ملء السمع والبصر, وبعد ان كنا نسكن في حجرتين بمنطقة عشوائية, اصبحنا نسكن في برج فاره ضخم بأرقي الاحياء, وصارت عندنا عقارات ومدخرات بالبنوك و نمتلك مقرا عائليا في افضل المصايف, وتصورت انني اخيرا احصد ثمار نجاحي وتعبي الطويل, لكن الحياة فاجأتني, في الوقت الذي اخطط فيه لزواج اولادي, بأن الذي تزوج فعلا, هو زوجي العزيز! تزوج في السر, شابة تصغره بحوالي15 سنة, تعرف عليها في محيط عمله, وعرفت فيما بعد انها علي قدر من الجمال, وكأنه يختار واجهة انيقة جديدة لنجاحه الذي ساهمت انا فيه. لا اخفيك سرا, كدت اجن من صدمة المفاجأة, خاصة حينما واجهته واعترف ورفض ان يطلقها, بحجة انها لم تفعل ما يستوجب الانفصال عنها, وطلاقها ظلما حرام, بل زاد علي انه من يومها صار الزواج الثاني معلنا لي ولأولادي الذين تابعوا خناقاتنا الحامية, كل يوم, حتي كدت اهدد بالطلاق او اشعال البيت والانتحار, لقد كانت اياما سوداء علينا جميعا, لكنه رغم اي شئ لم يطلقها. حين هدأت بعض الشئ قررت ان انفذ تلك المهمة بنفسي, وبكل ما اوتيت من مال و ذكاء وحيلة وعزم علمتهم لي الايام والليالي, سعيت للانتقام من هذه الزوجة الدخيلة علي حياتنا, التي اخذت زوجي بنجاحه علي الجاهز, ولم يهدأ لي بالا حتي انتصرت عليها. لقد احلت حياتها جحيما, فطلبت بنفسها الطلاق وتخلصت منها للأبد, و استعدت زوجي واخذت حقي او هكذا تصورت وقتها.. لم يمض عام, حتي تقدم لابنتي الوحيدة رجل قالت انها تحبه منذ سنوات وتمسكت بالزواج منه لابعد مدي, لم تثنها نصائح او تهديدات, رغم انه كان متزوجا ولديه زوجة شابة وطفلين!! انني اتجرع الان عذابا لم اتوقعه في حياتي, وانا اري ابنتي الشابة الجميلة,حزينة محطمة, تواجه كل يوم من الزوجة الاولي للرجل الذي اختارته, نفس المكائد والاهانات التي كنت ادبرها أنا للفتاة التي تزوجها زوجي, فهل ينتقم مني القدر لأني كنت احمي بيتي وادافع عن نفسي وكرامتي ومصالح اولادي ؟ عزيزتي.. من المؤسف حقا اننا لا نتذكر عدالة السماء الا اذا لحق الظلم بنا نحن, ولا ننشد منتهي الحق والعدل, الا اذا رأينا ذلك يصب في مصلحتنا المباشرة القريبة.. من وجهة نظرك انت دافعت عن بيتك وتعب السنين وبذكائك وقوتك انتصرت علي الاعداء والدخلاء والطامعين, وانا كأمرأة افهمك تماما, بل واتعاطف مع اخلاصك وتفانيك في حب اسرتك ومصالح اولادك, ولكن سامح الله روح الغل والانتقام التي حين تتمكن من نفوسنا, تجعلنا كرة من لهب, تحرق من يقف في طريقها ولا تبق علي شئ. لقد سعيت في طلاق انسانة لا تعرفيها اصلا, ولم تعرفي الدوافع التي جعلتها تتوافق مع زوجك علي الزواج وهي تعرف ظروفه. انت تشعرين بالجرح لأن زوجك صارت له امرأة غيرك, وهي ايضا من البداية تعرف ان زوجها مقسوم علي بيتين, ولن يكون لها وحدها ابدا. ربما كانت بالصدفة تقرأ الكتب وتستمتع بالموسيقي والشعر ومستحدثات الجمال والموضة التي استبعدتيها انت من حياتك, علي اعتبار انها رفاهية لا فائدة من ورائها.., ربما وجدها في مرحلة ما من عمره اقرب لاحساسه بالحياة ومنطق تفكيره في المستقبل, ربما تزوجها لسبب اخر لم يخطر لكلينا علي بال.. من يعلم ؟ في النهاية قضي الامر, وانا الان لا اتحدث اليك كي تسامحيه او تسامحيها, بل كي تسامحي نفسك, وتتخلصي من عقدة الذنب وانت تعايشين معاناة ابنتك وقدرها العجيب الذي وضعها مكان امرأة, سبق ان استهدفتيها بالأذي والسوء,حتي اطمئن قلبك بطلاقها. صحيح ان( افعل ماشئت.. كما تدين تدان), لكن الله الذي امرنا الا نز وازرة وزر اخري, ارحم من ان يعذب ابنائنا بذنوبنا او بسبب اخطاء او خطايا ارتكبناها, عن قصد او دون ان ننتبه. هوني علي نفسك يا سيدتي, اغلب الظن لم تكوني وحدك المسؤلة عن طلاق الزوجة الثانية, زوجك ايضا شارك ولم يكن بالقوة الكافية ليحمي بيته الثاني بقدر حرصه علي بيته الاول, وحتي الزوجة الثانية ربما لم تصبر علي الاذي طويلا ولم يكن عندها الصلابة وروح التحدي التي كانت عندك طوال الوقت! تطلعي بعينك نحو السماء واطلبي المغفرة والعون, وبأذن الله ستمر ابنتك من ازمتها بسلام, كفاها الله وكفاك شر خراب البيوت.