رأينا أخيرا فئة مارست علي الصغار أسلوبا بعيدا عن منهج الإسلام, بل فيه مخالفة صريحة لآدابه وتعاليمه, فقد شاهد الناس في أرجاء الأرض استغلال هذه الفئة هؤلاء الأطفال بجعلهم دروعا بشرية لهم, وانتزاعهم من عالمهم لإلباسهم أكفانا أو حملهم لها فضلا عن تعريض هؤلاء الصغار لأضرار جمة في بؤر التجمع, وسماع ألفاظ لم تتعودها آذانهم, فتصك آذانهم وآذان غيرهم, وتبعدهم عما شبت عليه نفوس من في مثل سنهم من الأسوياء, فضلا عن غرس كراهية الناس والمجتمع في نفوسهم, وإشاعة ثقافة البغض في أفئدتهم, التي لا تدرك حقيقة ما يلقي إليها أو يغرس فيها, ألا وإن الإسلام قد جعل حقوقا كثيرة للطفل علي والديه, منها: اختيار اسم حسن له, وإطعامه حلالا, وتعليمه علما نافعا, وتدريبه علي ممارسة الرياضات المختلفة, وتأمين قوته, وتأمينه علي نفسه أن تزهق لأي سبب, وإدخال السرور علي نفسه, والدخول إلي عالمه, إذ قال الحق سبحانه: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا, وفي الحديث: حق الولد علي الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية, وأن لا يرزقه إلا طيبا, كما ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: حق الولد علي والده: أن يحسن اسمه, ويحسن موضعه, ويحسن أدبه وروي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: كفي بالمرء إثما أن يضيع من يقوت وإذا كان الشارع قد كفل للطفل حق النفقة له علي والده إلي أن يتمكن من كسب المال بنفسه, فقد أوجب عليهما أن يعدلا بين أولادهما في العطف والرعاية والحنو والعطايا, حتي لا توغر التفرقة بينهم في ذلك صدورهم, فقد روي عن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطية, فقالت أمي: لا أرضي حتي تشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم, فأتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له: أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟, قال: لا, قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وأوجب علي الوالدين أن يعلما أولادهما ما ينفعهم في دينهم ودنياهم, ومن ذلك ما سبق ذكره, كما أن منه تعليمهم كيفية الطهارة والصلاة, ففي الحديث: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر بل إن الشارع حرم علي الوالدين الدعاء علي أولادهما, خشية أن يوافق الدعاء ساعة إجابة, فيصيب الولد ما دعي به عليه, إذ روي عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا تدعوا علي أنفسكم ولا تدعوا علي أولادكم ولا تدعوا علي أموالكم, لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم وأوجب علي الوالدين الحنو علي أولادهما ورحمتهم, إذ روي أنه: قدم ناس من الأعراب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم, فقالوا: أتقبلون صبيانكم ؟, فقال: نعم, فقالوا: لكن والله ما نقبل, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة وروي: أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلي الله عليه وسلم يقبل الحسن, فقال: إن لي عشرا من الولد ما قبلت واحدا منهم, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يرحم وروي عنه صلي الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا كما أوجب عليهما أن يقتربا من أطفالهما وأن يدخلا عالمهم وأن يلهوا معهم, فقد ورد في الحديث: من كان له صبي فليتصابي له وما كان يفعله رسول الله صلي الله عليه وسلم مع سبطيه خير مثال لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الوالدين وأولادهما, فقد كان صلي الله عليه وسلم يمكنهما من الصعود علي ظهره, ولا يقوم من سجوده حتي ينزلا خشية أن يؤذيهما, وكان يحمل حفيدته أمامة ابنة زينب في الصلاة, وهذا قمين بإشعار الطفل بالأمن والسكينة والحب, مما يكون له أثره في تنشئته نشأة سوية, واهتمام الشريعة برعاية الطفل في داخل الأسرة وخارجها علي النحو السابق, كفيل بتحقيق أمنه في حاضره ومستقبله, لينشأ التنشئة التي أرادها الله له, حتي يكون لبنة نافعة في صرح المجتمع لا معول هدم يقوض بنيانه, ولضمان تحقيق الأمن له علي هذا النحو, جعل مسئولية ذلك علي والديه, إذ روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته أين هذا الهدي الإلهي والنبوي مما سبقت الإشارة إليه, من الإساءة إلي الصغار في بؤر التجمعات علي النحو الذي آذي الناس في شرق الدنيا وغربها. لمزيد من مقالات د. عبد الفتاح إدريس