لم تحظ علاقة بين البشر بالاهتمام مثلما حظيت العلاقة بين الرجل والمرأة رغم ما تتضمنه من تناقضات ومفارقات. فهي أحيانا تنظر إلي الرجل علي أنه مخلوق قوي في حين أن المرأة هي الضعيفة( وذلك في الأعم الأغلب) وأحيانا أخري نجد أن المرأة هي التي تذهب إلي الحقل تزرع وتحصد وتذهب إلي الأسواق لتشتري وتبيع( كما هي الحال في مصر القديمة) وهي أحيانا المخلوق الطيب صاحب المشاعر الدافئة والحب العميق والحنان الجياش, وفي أحيانا أخري نجدها المصدر الأصلي للشر كما هي الحال في أساطير اليونان التي ذهبت إلي أن المرأة الأولي( حواء) واسمها باندوراPandora( أي كل العطايا أو الهبات) خلقها إله الحدادة الشائه هيفاستوسHephastus. وأعطتها أفروديت( إلهة الجمال) بعضا من جمالها. وعلمتها أثينا أعمال المنزل, وغزل الصوف, وأعطتها دياناDiana شيئا من رشاقتها, كما أعطاها كيوبد حبه, وأبوللو شعره وأسمتها الآلهة باندورا لأنها حصلت علي كل الهبات والعطايا, وتقول الأسطورة إن الإله هرمسHermes حملها إلي برومثيوس( المتبصر- المتروي) وهو الإله الذي خلق الرجل. لكنه رفض الزواج منها وتزوجها شقيقة أبيمتيوسEpimetheus( أي المتهور أو العجول). وأهداها كبير الآلهة زيوسZeus صندوقا مليئا بالشرور.. واشترط عليها ألا تفتحه إلا بإذنه:- لا تتعجلي بفتح الصندوق حتي يأتيك أمري وأنه لقريب..! ولكن باندورا ظنت أن في الصندوق أرواحا سحرية تكلمها وتنسج لها الأماني. وأحست أن أملا كبيرا يملأ قلبها.. وأن رغبة ملحة تسوقها نحو الصندوق كلما إبتعدت عنه, فأقدمت وضغطت علي الصندوق ضغطة هائلة, وسرعان ما خرجت منه خفافيش سوداء ذات مخالب حادة, فملأت هواء الغرفة وهوت علي باندورا المسكينة تعضها وهي تقول أنا المرض! ويقول آخر وأنا الفقر ويقول ثالث ووأنا الجوع! ويصيح رابع وأنا البخل, وخامس وأنا القحط!.. إلي آخر الرذائل التي تزخر بها الحياة, وأسرعت باندورا إلي الصندوق وأغلقته. لكن لم يبق فيه سوي الروح الطيب الوحيد وهو الأمل! وانبطحت باندورا علي أرض الغرفة تئن وتتوجع وتشكو ما ألم بها.. ومغزي القصة أن برومثيوس المتروي هو خالق الرجل وأنه رفض الزواج من المرأة التي خلقت أساسا لمعاقبة الرجل الذي خلقه برومثيوس( بعد أن سرق النار المقدسة)... وأن المرأة هي التي أدخلت الشرور إلي العالم بطيشها ورعونتها وعدم صبرها وتبصرها.. ونخلص من هذه الأسطورة إلي أن المرأة هي مصدر الشرور جميعا وهي قريبة من قصة التوراة وإن كانت الأخيرة أكثر شيوعا في العالم كله. وهي كالآتي:- أوقع الرب الإله سباتا علي آدم فنام, فأخذ واحدة من أضلاعه, وملأ مكانها لحما, وبني الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة. وأحضرها إلي آدم, فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي, ولحم من لحمي, هذه تدعي امرأة لأنها من امرئ أخذت.. سفر التكوين الإصحاح الثاني2321 ثم أصبحت هذه المرأة كما في الأسطورة اليونانية مصدر الشرور جميعا فهي التي أطاعت الشيطان وعصيت الإله, وأوقعت آدم في نفس المعصية( الأكل من الثمرة المحرمة) فأخرجته من جنات النعيم.. ولقد عزف فلاسفة المسيحية علي أوتار القصة اليهودية وعلت أصوات بترنيمات جديدة فقال القديس بونا فنتيرا(12731221):- إذا رأيتم المرأة فلا تحسبوا أنكم تشاهدون موجودا بشريا, بل ولا موجودا متوحشا, لأن ما ترونه هو الشيطان نفسه, وإذا تكلمت فما تسمعونه هو فحيح الأفعي..!. ويقول القديس أوغسطين- بعد أن أنجب طفلا من بغي كان يسميه طفل خطيئتي:- آه! لو إني أرتضيت أن أكون خصيا حبا في ملكوت السموات! لكنت الآن أوفر سعادة!. وقال القديس توما الأكويني: عصي الإنسان الله بسبب خطأ حواء في الحكم علي ما هو خير, وهو يحمل الآن في كل جيل وزر هذه الخطيئة!. أي أن المرأة هي مصدر جميع الشرور في العالم بأسره وكأنها باندورا اليونانية التي تعجلت بفتح الصندوق لتخرج منه خفافيش الظلام حاملة: الفقر, والبخل, والقحط والمرض.. وغير ذلك من شرور وآثام! وإن كان بعض المحللين النفسيين يفسرون هجوم القديسين المسيحين بأنه ضرب من الشوق الجنسي الذي لا يقدرون عليه! علي نحو ما جاء في قصة هيباشيا فيلسوفة الإسكندرية التي أعترضت جماعة من رهبان صحراء وادي النطرون طريقها وكانت رائعة الجمال كما تقول الرواية في حين كانت هذه الجماعة قد قضت سنوات طويلة في الصحراءيصارعون قوي الشر مجتمعة كما يقولون ويديرون معركة هي صراع باطني ضد شهوات الجسد, ووسائل النفس الأمارة بالسوء, أعترض هؤلاء الرهبان طريق عربة هيباشيا بايعاز من كبيرهم كيرلس فأوقفوها وأنزلوا الفيلسوفة الشابة الجميلة- كما فعلوا مع حاكم المدينة من قبل- ثم جروها إلي كنيسة قيصرون- حيث تقدمت إليها مجموعة من هؤلاء الرهبان وقاموا بنزع ثيابها قطعة قطعة حتي تجردت من ملابسها لتصبح عارية كما ولدتها أمها- مشهد بالغ الغرابة يقوم به النساك الأطهار! المهم أنه تقدم بعد ذلك بطرس القارئ( وهو قارئ الصلوات في الكنيسة) وقام بذبحها, وهي عارية, وقد أمسك بها مجموعة من الرهبان ليتمكن قارئ الصلوات من ذبحها ذبح الشاة, ثم عكف الرهبان الأنقياء القلب علي مهمة بالغة الغرابة وهي تقطيع جسدها إلي أشلاء مستمتعين بما يفعلون. ثم أمسكت كل مجموعة شلوا بعد شلو وراحت تكشط اللحم عن العظم بمحار حاد الأطراف. وفي شارع سينارون أوقدوا نارا ذات لهب وقذفوا في النار بأعضاء جسدها, وهي ترتعش بالحياة, بينما يقول رسلB.Russell حتي تحول الجسد إلي رماد وهم يتحلقون حوله في مرح وحشي شنيع علي حد تعبير ول ديورانت..!!! أيمكن أن يكون هؤلاء الوحوش من تلاميذ المسيح؟ أيمكن أن نقول إنهم نور العالم كما كان يصف حوارييه؟ المسيح الذي عفا عن مريم المجدلية الزانية وقال لها مغفور لك خطاياك! لوقا7:48 وقال عن زانية أخري من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر, يوحنا8:7 هل يمكن لمن ذبح فيلسوفة شهد لها أهل زمانها أن يكون تلميذا لابن الإنسان الذي رفع شعاره في موعظة الجبل بعدم مقاومة الشر بالشر فقال السيد له المجد-.. لا تقاوموا الشر بالشر, بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا..؟ متي5:9 ثم لنا أن نسأل بعد ذلك: لماذا جردها الرهبان من ملابسها قبل اغتيالها؟! فإن كان الذبح في نيتهم فلم يكون وهي عارية تماما؟! ألا يمكن أن يقول لنا علم النفس الشيء الكثير عن هذا الموقف الغريب؟ ألا يعني ذلك أن الرهبان عندما دخلوا في معركة مع شهوات الجسد لم ينتصروا فيها, بل كان أنتصارهم وهميا وظاهريا فحسب في حين ظلت الغلبة للشهوات؟ أيكون تجريدها من ملابسها قد تم حتي يتمكن الرهبان أتقياء القلب من معاينة جسد العذراء, وهو عار تماما قبل الذبح؟! اللهم إلا إذا كانت شهوات الجسد لاتزال طاغية, فأرادوا أن يمتعوا القلب النقي بمشهد الجسد الجميل العاري. ولما كان يصعب علي الرهبان أن يصلوا إليه فإنه يسهل عليهم تمزيقه!! ألا يخجل المتعصبون مما يرويه التاريخ..؟! مرة أخري العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة متناقضة مليئة بالمفارقات, وربما كان ذلك بسبب أنها علاقة عاطفية, والعاطفة باستمرار متناقضة فهي حب وكراهية في وقت واحد, وربما أظهرتنا الأسطورة الهندية القديمة علي جوهر هذه العلاقة. تقول الأسطورة: أن الإله الخالق الذي خلق الكائنات جميعا لم يجد مواد يخلق منها المرأة فراح يجمع قصاصات من هنا ومن هناك:- - فأخذ من القمر استدارته.. - ومن الشمس إشراقها.. - ومن السحب دموعها.. - ومن الأزهار شذاها.. - ومن الورود ألوانها... إلخ. وجمع هذه الخصائص كلها فكانت هي المادة التي خلق منها المرأة: ثم أهداها إلي الرجل.. الذي فرح بها فرحا شديدا.. لكن هذا الفرح لم يستمر سوي شهر واحد, وإذا بالرجل يسرع ويعيد المرأة إلي الإله المبدع زاعما أنها لا تطاق..!! لكن الغريب في الأمر أنه بعد شهر آخر عاد الرجل نفسه ليقول للإله: يا إلهي: لقد رددت إليك هذه المخلوقة التي وهبتني إياها.. لكني للأسف أشعر بوحدة قاتلة منذ ذهابها عني بل أني أشعر بوحشة شديدة لا استطيع أن أتحملها فأذن لي أن أستردها من جديد! فأعطاه الإله المرأة مرة أخري..!! لكن الرجل عاد بعد شهر آخر ليقول لله: أنا في حيرة من أمري لا استطيع أن أعيش معها ولا أتحمل أن أعيش بدونها!! وتستمر الأسطورة علي هذا المنوال وكأنها تريد من الإله الخالق أن يعيد قول السيد المسيح: زمرنا لكم فلم ترقصوا, نحنا لكم فلم تبكوا.. فما العمل وجوهر العلاقة هو الحب أي التناقض؟؟