كان الأزهر الشريف ومايزال رمزا للتسامح والوسطية والاعتدال, ناشرا صحيح الدين ويسره واتزانه, دون تطرف أو غلو أو تشدد, حتي جاوزت دعوته الآفاق, وها هو يستعيد مكانته في القلوب والعقول.. فماذا علينا تجاه تلك النهضة لأزهرنا الشريف من واجب نؤديه له, حتي يستعيد عصره الذهبي وينهض لتنهض بنهوضه الأمة؟ وكيف تساعد مؤسسات الدولة الأزهر الشريف علي استعادة دوره الريادي؟! يقول الدكتور حامد أبو طالب, عضو مجمع البحوث الإسلامية, عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق: لقد ظهرت في الفترة الأخيرة مكانة الأزهر وأهميته علي المستويين الداخلي والخارجي. فبالنسبة لأهمية الأزهر علي المستوي الداخلي فقد مثل الأزهر قوة هائلة في ضبط الشارع المصري وضبط نبضه; وذلك أن الأزهر الهيئة الإسلامية الوحيدة التي تحوز ثقة الجماهير المصرية في جميع ربوع مصر, وهو صاحب الكلمة الفصل التي تتبعها الجماهير وهي راضية, وفي الفترة الأخيرة سيطر حب الإمام الأكبر علي قلوب الملايين وأصبحوا جميعا يدعون له بالسلامة والعافية. وعلي المستوي الخارجي يمثل الأزهر القوة الناعمة التي تؤثر عالميا تأثيرا مباشرا في جميع أنحاء العالم سواء في ذلك الدول الإسلامية وغير الإسلامية, حيث يعرف الجميع أن الأزهر مؤسسة دينية إسلامية معتدلة; ولذلك تجد جميع دول العالم تطلب علماء الأزهر وتوفد أبناءها للتعليم في الأزهر. وإذا كان للأزهر هذه المكانة المحلية والعالمية فمن الواجب علي الدولة أن تدعم هذه المؤسسة, فكل هيئات الدولة عليها واجب في دعم هيئة الأزهر الشريف, فيجب علي وزارة المالية مثلا أن تمد الأزهر بكل ما يحتاج إليه حتي ينهض برسالته داخليا وخارجيا علي الوجه الأكمل, وحتي يستمر في إيفاد مبعوثيه إلي جميع أنحاء الدنيا ينشرون مبادئ الإسلام الوسطي بدلا من ترك هذه المهمة للمتطرفين والأغبياء من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة, كما يجب علي وزارة التعليم أيضا أن تعين الأزهر وأن تقدم كل ما يطلبه الأزهر مساعدة له علي النهوض برسالته الداخلية في تعليم الآلاف من المصريين تعليما دينيا صحيحا; حتي يتمكنوا من القضاء علي الأفكار المتطرفة والمؤسسات التي تنشرها والمدعومة بأموال أجنبية. ويجب علي وزارة الداخلية أن تحافظ علي الأزهر وأن تضمن أمان شيوخه; ذلك أن بعض والإرهابيين الحاقدين من ذوي القلوب المريضة تسوءهم مواقف الأزهر المعتدلة ويريدون بغبائهم أن يشدوا الأزهر ناحية تطرفهم المقيت, وعندما يفشلون في ذلك يهددون الأزهر ويهددون قيادات الأزهر بعملياتهم الخسيسة التي تدل علي جهل بالإسلام وأحكامه. وبالجملة يجب علي جميع مؤسسات الدولة أن تعين الأزهر وأن تحافظ علي مكانته; فهو يضبط حركة الفكر في مصر بأكملها, وهو هدف غال يستحق من جميع المصريين أن يلبوا جميع طلبات الأزهر الشريف. ويوضح الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة أنه كان يتولي مجموعة من السفهاء تطاولوا علي رموز الأزهر وعلمائه علنا في الفضائيات يقومون بالإمساك بزمام الأمور فيها, ولم تمتد يد وزارة الداخلية إليهم, يضاف إلي هذا أن وزارة الإعلام باعتبارها مسئولة عن الإعلام في مصر لم يكن لها أي دور في تخصيص جزء من خريطتها الإعلامية علي أي فضائية من فضائيات الدولة لعلماء الأزهر ليبث من خلاله صحيح الدين ونشر الدعوة الوسطية علي الناس, ومن بين المؤسسات التي كان ينبغي أن تدعم الأزهر وزارة المالية فمازالت مخصصات هذه الوزارة لأنشطة الأزهر جامعا وجامعة محدودة بحيث لا تقارن بالجامعات الأخري أو مؤسسات التعليم في الدولة, ولهذا صار من المألوف في الأزهر أن يتأخر صرف مستحقات العاملين به إلي أن تأتي اعتمادات في السنة المالية الجديدة لأبواب الصرف المختلفة علي أنشطة الأزهر جامعا وجامعة, فلم نر خلال عقود مضت أن تعاونت جهة من جهات البحث العلمي في الدولة مع الأزهر لعقد مؤتمر عالمي لتطرح هذه القضايا المحورية في العالم الإسلامي وهي قضايا كثيرة, ولا يتصور أن الأزهر بإمكاناته المحدودة قادر علي عقد هذا المؤتمر دون دعم من وزارة البحث العلمي في الدولة. يضاف إلي هذا أن الأزهر مؤسسة دعوية وتعليمية لها قدم راسخة في العالم الإسلامي وثقل كان سببا في صنع مكانة سامقة لمصر في أفئدة كل مسلمي العالم ولكن الدولة دأبت في عهود مضت حتي يومنا هذا علي تجاهل الأزهر ودعمه والاهتمام بأنشطته, ولهذا قلت المنح الدراسية به لأبناء المسلمين غير القادرين علي الدراسة به وتضاءلت المخصصات التي تنفق علي أنشطته فتلقفت دول أخري في المنطقة هؤلاء الطلاب ليتضاءل حجم الأزهر في نفوس الناس في زماننا هذا لعجزه عما كان قادرا عليه في عهود مضت, فضلا عن هذا فإن الأزهر بما صنعه علماؤه في نفوس الناس من ثقة وحب واطمئنان لما يصدر عنه إلا أن الدولة لم تفعل هذه المكانة في المجتمع فكانت النتيجة أن خرج نبت شيطاني كانت ثمار هذا النبت الدمار والفساد والإفساد باسم الدين كما هو حادث الآن, ومما لم يعد خافيا علي أحد أن ذلك كله كان سببا من أسباب تهميش دور الأزهر وعلمائه علي الساحة. ويشير الدكتور نبيل غنايم أستاذ الشريعة ورئيس مركز الدراسات الإسلامية بكلية دار العلوم إلي أن الأزهر مؤسسة إسلامية كبري علي مدي أكثر من ألف عام تنشر الإسلام وعلومه وتحافظ عليها في مصر وخارجها. تفد إليه وفود عديدة من طلاب العلم من سائر بقاع الدنيا, كما يبتعث أيضا الكثير من أبنائه لتلك البلاد علي مدي سنوات أو مواسم معينة لنشر العلوم الدينية وتقويتها, كما يرسل مبعوثين في شهر رمضان من كل عام أو في موسم الحج لتوعية الناس بأمور دينهم ومناقشة واقعهم الاجتماعي والمعرفي, وهذه المسئولية بلا شك تحتاج إلي ميزانية كبري وأموال طائلة, وقد تنبه إلي ذلك خيار الناس وأغنياؤهم في الماضي فوقفوا علي طلاب الأزهر الكثير من الأراضي والعقارات التي كانت تغطي جميع المسئوليات وتفيض منها فوائض تعود نقدا علي طلاب العلم, وقد عشت بعضا من هذه الأيام التي كان يقيم فيها طلاب الأزهر إقامة داخلية كاملة في المعاهد والأروقة ثم يتقاضون رواتب شهرية لمصروفاتهم الشخصية, ثم لما ألغيت الأوقاف وانضم الأزهر إلي مؤسسات الدولة المالية وأصبحت له ميزانية خاصة كسائر ميزانيات مؤسسات الدولة بدأ دور الأزهر في التراجع, وكان لذلك أيضا أثره في تراجع دور الأزهر مرة أخري, حيث تضاءلت العلوم الشرعية ومكانتها بجوار العلوم المدنية مما جعل الخريجين علي مستوي أقل مما كانوا عليه من قبل, فلا هم أتقنوا العلوم الشرعية ولا هم أتقنوا العلوم المدنية. وأخيرا بدأت محاولات صادقة تدعو إلي عودة الأزهر إلي مكانته السابقة الرائدة علي المستويين الداخلي والخارجي, وقد بدأ الأزهر ينهض ويسعي إلي إعادة دوره, ولكنه بحاجة في تحقيق ذلك إلي دعم الميزانية المالية سواء بإعادة الأوقاف الخاصة بالأزهر, أو بالمتطلبات من ميزانية الدولة, وحتي يستمر الأزهر في نهضته وريادته الوطنية ومرجعيته في سائر الأمور الدينية والاجتماعية علي جميع مؤسسات الدولة أن تتيح الفرص المناسبة المتكافئة لأبنائه وخريجيه حتي يكون لهم المكانة الجديرة بهم في مؤسسات الدعوة والوعظ وفي الإعلام المشاهد والمقروء والمسموع وفي الصحة والتعليم والمناهج والزراعة وفي مؤسسات القضاء والنيابة. وفي كلمة جامعة مادام الأزهر قد تم تطويره واتسعت دائرة علومه ينبغي أن يكون جميع أبنائه كسائر هذه الأمة في تكافؤ الفرص وتحمل المسئوليات.