إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف الآخرين بالحجارة هذا المثال يكاد ينطبق بالفعل علي ما يقوم به رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان منتحلا دور الباكي علي حقوق الإنسان والحريات بتدخلاته المستمرة في شئون الدول الأخري متناسيا ما تقوم به بلاده من انتهاكات للأقليات التي تعيش علي أرضها معتبرة آن الأمة التركية يجب آن تكون تركية بالكامل وانه علي الأخر أن يختفي. هذا ما عززه التقرير الأخير الذي أصدرته اللجنة الخاصة بالبرلمان الأوروبي لتفضح انتهاك حقوق الإنسان في تركيا وذلك في إطار تقييم مسار انضمام الأخيرة للاتحاد الأوروبي وموقفها الحالي بشأن احترام الحقوق الأساسية مسلطا الضوء علي القضية الكردية, معيدة للأذهان ما تقوم به تركيا تجاههم بممارسة أبشع أنواع التمييز العنصري والعرقي واستمرار السلطات في اتخاذ تدابير استثنائية عانت منها الحكومة المحلية في جنوب شرق تركيا من احتجاز العديد من قادة الأكراد, والتي كان أبرزها اعتقال زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في كينيا عام1999 والذي نقل بعدها إلي تركيا, حيث حكم عليه بالإعدام بتهمة الانشقاق في يونيو1999, ليخفف سنة2002 إلي السجن مدي الحياة وقد رفض إعادة طلب محاكمته مرة أخري مؤخرا,ويمكن القول انه منذ عشرات السنين يناضل الأكراد مع النظام في تركيا من اجل استرداد حقوقهم والاعتراف بهم كأقلية قومية يجب أن تتمتع بكامل ما يتمتع به أي مواطن تركي من حقوق,فمناطق تمركز الأكراد هي الأسوأ حظا من حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية, ويقع معظم سكانها تحت خط الفقر والحرمان والتهميش وما كان علي الحكومات التركية المختلفة والمتعاقبة سوي مواصلة سياسة التمييز وتجاهل تلك الحقوق علاوة علي ما يقوم به الجيش التركي,ضد الأكراد والتي كان آخرها ما حدث في يناير2011 عندما شن الأول غارته الجوية مخلفا عدد قتلي يصل إلي خمسة وثلاثين قرويا كرديا مابين سن الثانية عشرة والثامنة عشرة. إلا انه بعد30 عاما من الصراع والقتال الدموي الذي أودي بحياة أكثر من45 ألف قتيل منذ بداية تمرد حزب العمال الكردستاني في عام1984 وقتها دعا زعيمه عبد الله أوجلانمن سجنه بجزيرة إيمرالي في بحر مرمره, لوقف إطلاق النار بعد أن توصل مع الحكومة التركية باتفاق عرف باسم عملية الحل وينقسم إلي ثلاث مراحل تقضي الأولي بانسحاب المقاتلين الأكراد من داخل تركيا إلي شمال العراق بعد تعليق عملياتهم العسكرية وحينها تبدأ المرحلة الثانية المتعلق بإقرار الحكومة والبرلمان التركيين رزمة إصلاحات وتعديلات دستورية تضمن الاعتراف بالهوية الكردية الثقافية وبحكم ذاتي للأكراد علي أن يلي ذلك مرحلة ثالثة وأخيرة تشمل إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح نهائيا وإطلاق سراح أوجلان. غير أن هذا الاتفاق شابه عراقيل وعقبات وقفت أمام تنفيذه فبينما بدأ حزب العمال الكردستاني في سحب مقاتليه من تركيا إلي قواعدهم الخلفية في شمال العراق مؤكدا احترامه بالانسحاب من الأراضي التركية أقرت أنقرة بناء معسكرات جديدة في المناطق ذات الأغلبية الكردية والسماح للميليشيات الكردية الموالية للحكومة بالعمل نيابة عن الجيش في الوقت الذي كان يتعين عليها أن تقدم رزمة من التعديلات الدستورية التي تمنح الأكراد ما يطالبون به من اعتراف بالهوية والتعليم باللغة الكردية وإطلاق سراح أوجلان وآلاف المعتقلين لكن أنقرة لم تفعل شيئا حتي الآن خاصة بعد حديث اردوغان عن أن المقاتلين الأكراد لم ينسحبوا من تركيا حتي الآن إلا بنسبة15 الي20 في المائة في إشارة إلي انه غير مستعد لأن يقدم إليهم أي تنازل أو حقوق, كل هذه الأسباب حالت دون تنفيذ هذا الاتفاق خاصة بعد إعلان حزب العمال الكردستاني تعليق انسحاب عناصره المسلحة من تركيا مبررا ذلك بتهرب الحكومة التركية من تعهداتها, مهددا بإعادة المنسحبين للقتال في تركيا من جديد إذا أبقت أنقرة علي موقفها. وتطفو علي السطح العديد من التكهنات عن سبب تراجع اردوغان لوعوده لكونه قد تخلي عن فكرة رئاسة الجمهورية في مقابل تعديل النظام الداخلي لحزب العدالة والتنمية ليستمر رئيسا للحكومة فترة رئاسية أخري, مما ينفي الحاجة لتعديل الدستور وبالتالي الحاجة لأصوات الأكراد, والذي يبلغ عددهم34 نائبا, في تمرير الدستور الذي يحتاج إلي367 نائبا في حين يمتلك حزب العدالة والتنمية له325 وبالتالي فانه يحتاج إلي أصوات الحزب الكردي سواء لتمرير الدستور عبر البرلمان أو من خلال الدعوة إلي الاستفتاء وبذلك يمكن الوصول إلي نتيجة مفادها أن عملية السلام المزعومة كانت للاستهلاك السياسي الداخلي فتركيا تتعمد إحباط كل نضال يسعي للاعتراف بحقوق الشعب الكردي.