بعد الاتفاق على أكثر من هدنة كان مصيرها الفشل حول القضية الكردية في تركيا، جاءت دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدا لله أوجلان التاريخية بوقف إطلاق النار، لتعيد الأمل إلى تركيا لإنهاء صراع دام حوالي ثلاثة عقود ، والعمل على حل تلك القضية بالطرق السلمية. وهذه تعتبر أول مرة يتحدث فيها أوجلان ورئيس وزراء تركي علنا عن محادثات بشأن تسوية شاملة.
وكانت هناك دعوة سابقة ، حينما أطلق أوجلان عبر محاميه إبراهيم بيلمز دعوة لوقف إطلاق النار في أيلول / سبتمبر 2006 في مسعى للمصالحة مع تركيا ، وفي هذه الدعوة، طلب أوجلان من حزبه عدم استخدام السلاح إلاّ في الدفاع عن النفس وركّز على ضرورة إنشاء علاقات جيدة مع الشعب الكردي التركي والحكومة التركية.
وذكرموقع "سكاي نيوز" أن أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في جزيرة إمرلي، اختار أن يوجه رسالة لبني جلدته والجناح العسكري لحزبه خلال عيد النوروز الكردي يعلن فيها نهاية فصل "الكفاح المسلح"، بعد أن اتفق مع المخابرات التركية على الإطار العام لحل القضية الكردية في نتاج سلسلة مفاوضات أجراها مباشرة في سجنه مع رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان، الذي يعتبر أيضا الساعد الأيمن لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
ويقوم هذا الحل على نزع سلاح الحزب الكردستاني وانسحاب عناصره من تركيا الى شمال العراق، مقابل، وبالتوازي زمنيا مع، إيجاد حل سياسي للقضية الكردية يشمل تغيير تعريف المواطنة في الدستور، بحيث لا تشير إلى أي تعريف عرقي أو طائفي، وإقرار قانون للحكم المحلي على غرار ما هو معمول به في دول الاتحاد الأوروبي.
زيارات متعددة
وجاءت هذه الدعوة بعد زيارات متكررة قام بها مسئولون لاوجلان داخل سجنه ، حيث أعلن الاخير هذه الدعوة أمام النائب صلاح الدين ديمرتاس -الذي كان ضمن وفد من حزب السلام والدمقراطية الكردي الذي زار أوجلان في سجنه بجزيرة إيمرالي ببحر مرمرة- وتلا رسالة من زعيم حزب العمال قال فيها :"أواصل تحضيراتي لتوجيه نداء في 21 مارس/آذار (الذي يوافق الاحتفالات برأس السنة الكردية الجديدة). هذا الإعلان سيكون تاريخيا".
وأضاف أوجلان في الرسالة ذاتها أن النداء الذي أشار إليه سيتضمن شقا يتعلق بالجانب العسكري, وآخر يخص الجانب السياسي. وأضاف أنه في ما يتعلق بالجانب العسكري, فإنه يريد حل قضية الأسلحة بسرعة كي لا تُزهق أرواح أخرى, في إشارة إلى أنه سيدعو حزب العمال إلى وقف العمل المسلح.
كما قال في رسالته إن مسار التسوية الذي بدأ نهاية العام الماضي في الطريق الصحيح, مضيفا أن الهدف من هذا المسار يكمن في إرساء الديمقراطية في كل تركيا. وكان الوفد الذي ضم ثلاثة نواب أكراد وأفرادا آخرين توجه في قارب من إسطنبول إلى سجن أوجلان المحكوم عليه بالسجن المؤبد منذ عام 1999.
وهذه الزيارة هي الثانية خلال أقل من شهر لنواب أكراد لسجن أوجلان, وتمت الزيارة السابقة نهاية الشهر الماضي.
وسبق هذه الزيارة لقاءات بين أوجلان والمخابرات التركية منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي في سياق مساع تبذلها حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للتوصل إلى اتفاق سلام شامل ينهي بمقتضاه حزب العمال الكردستاني التمرد الذي بدأه عام 1984, وأوقع نحو 45 ألف قتيل.
وكان أردوغان أعلن مؤخرا دعمه للمحادثات الجارية مع أوجلان, والتي قال إن الهدف منها إقناع قيادات حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح بما يفضي إلى إنهاء التمرد تماما.
وقالت تقارير تركية إن أوجلان وجّه في اللقاءات السابقة مع المحامين والنواب الأكراد رسائل تتضمن خريطة طريق للسلام إلى قيادة حزب السلام والديمقراطية, والقيادة العسكرية لحزب العمال في شمالي العراق, والمنظمات الكردية في أوروبا.
ووفقا للتقارير ذاتها, فإن ردود تلك الأطراف نُقلت إلى السلطات التركية. وفي ما وصف بأنه بادرة حسن نية، أفرج حزب العمال الأربعاء الماضي في شمالي العراق عن ثمانية أتراك كان يعتقلهم منذ عامين, كما أفرجت أنقرة عن معتقلين أكراد.
جدية نواياه
من جانبه أعرب المحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان عن اعتقاده بأن دعوات عبد الله أوجلان إلى وقف إطلاق النار التي يوجهها إلى "المتمردين الأكراد" تدل على جدية نواياه. وفي حديث لقناة "روسيا اليوم" من إسطنبول أمس الثلاثاء الموافق 19 مارس/آذار، أشار أوزجان إلى "إمكانية التفاوض بين الحكومة التركية والمتمردين" حول عدد من مطالب الأكراد مثل منحهم حق التعليم باللغة الكردية، مؤكدا في الوقت ذاته أن المطالب بإطلاق سراح أوجلان لن تجد قبولا لدى أنقرة.
كما أعرب المحلل التركي بركات كار عن اعتقاده بأن الشعب الكردي مستعد تماما لمفاوضات السلام مع الحكومة التركية "بعد 30 عاما من الحرب غير المعلنة عليه". وأكد كار أهمية النداء الذي من المتوقع أن يوجهه عبد الله أوجلان إلى المتمردين الأكراد يوم 21 مارس/آذار بوقف إطلاق النار.
وأشاد كار بالموقف الراهن للحكومة التركية من المفاوضات مع الأكراد، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن أنقرة لا تزال تنوي إيجاد حل من طرف واحد فقط. وشدد على أن نجاح المفاوضات بين أنقرة والأكراد مرهون بضمان منح الشعب الكردي جميع حقوقه الثقافية والسياسية، مؤكدا ضرورة الإفراج عن عبد الله أوجلان من سجنه.
ويمكن أن يصاحب إعلان وقف اطلاق النار تزامنا مع السنة الكردية الجديدة أمرا لمقاتلي حزب العمال الكردستاني بالانسحاب الى قواعد في شمال العراق حيث يقول الحزب انه يحتفظ بنحو نصف مقاتليه البالغ عددهم سبعة الاف فرد. وتقدر تركيا التي شنت غارات جوية وعمليات برية ضد تلك القواعد عدد المقاتلين بأقل من ذلك.
تحديات كثيرة
ورغم أن هذا الحل يبدو منطقيا لكثير من المواطنين في تركيا، إلا أنه يواجه تحديات جمة في الطريق إلى تنفيذه والاتفاق على تفاصيله مستقبلا.
فبداية شعر السياسيون الأكراد بأن ما قبل به أوجلان كان بمثابة تنازل عن المطالب التقليدية القديمة للأكراد في تركيا وهو الحصول على حقوق دستورية مساوية تماما للأتراك، أي اعتراف الدستور بأن الجمهورية التركية تتكون من مكونين عرقيين اثنين هما الأكراد و الأتراك.
والطلب التقليدي الاخر هو الفدرالية على غرار كردستان العراق، لكن أحدا من السياسيين الأكراد لم يستطع أن يزايد على أوجلان، واضطر جميعهم للخضوع لرغبة قائدهم التاريخي.
وذكرت "سكاي نيوز" أن الجناح العسكري للحزب أبدى تململا من طلب الانسحاب من تركيا، فجاء في رسالة الجناح العسكري الخطية التي رد بها على رسالة أوجلان له التي تضمنت خطته للحل، أنه من الممكن إعلان وقف لإطلاق النار لأجل غير مسمى، لكن سحب نحو 1500 عنصر مسلح مختبئين جيدا داخل تركيا لا يمكن أن يتم خلال 6 أشهر كما يطلب أوجلان.
وأضافت الرسالة أنه من الأفضل مد هذه الفترة الى عامين للتأكد من التزام الحكومة التركية بالتزاماتها، وهي وجهة نظر تجعل عملية تنفيذ الخطة تحت تهديد التأويلات والتفسيرات، وتؤخر الحل النهائي الذي يأمل أردوغان أن يكون سريعا، لكي يتزامن مع الانتخابات الرئاسية العام المقبل التي يفكر جديا في الترشح لها، ولكي يكون حل القضية الكردية وقودا قويا لحملته الانتخابية القادمة.
في المقابل فإن التزام الحكومة بالتعديلات الدستورية المطلوبة يتطلب دعم المعارضة القومية واليسارية في البرلمان، إذ إن أصوات نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب السلام والديمقراطية الكردي لا تشكل غالبية الثلثين المطلوبة لتعديل الدستور.
ورغم وجود تحديات يبقى للتفاؤل مكان بنجاح هذه المسيرة، ولو اتخذت منحنيات ومنعطفات كثيرة وطال عمرها، طالما أن إعلان وقف إطلاق النار سيحسر الدماء.