اعتقد ان التصريحات التي خرجت اخيرا من بعض اقطاب التيار السلفي, تنصح جماعة الاخوان بأن تكف عن التظاهر حفاظا علي ما تبقي من الدعوة الاسلامية!, وأن تعود الي ارض الواقع وتعرف ان مطلبها بعودة الرئيس المعزول يستحيل علي الشعب المصري قبوله, تعكس احساسا عميقا بالازمة التي تعيشها تيارات الاسلام السياسي بعد ان تكشف للمصريين والعالم اجمع, ان جماعة الاخوان التي قدمت نفسها للجميع باعتبارها جماعة معتدلة تخاصم العنف والتطرف وتقبل بتداول السلطة, هي في حقيقتها جماعة مسلحة يشكل الارهاب وجهها الآخر!, وبات واضحا لجميع القوي السياسية والوطنية ان مصدر البلاء الذي منيت به مصر اخيرا, يكمن في السماح بقيام احزاب سياسية علي اساس ديني, الامر الذي ادي الي زيادة حدة الاستقطاب والانقسام في المجتمع نتيجة الاستخدام الرخيص للدين في العمل السياسي, والاجتراء علي استغلال المساجد وتحويلها الي ملاذات آمنة لجماعات الارهاب المسلح, والصعود فوق مناراتها لاطلاق الرصاص العشوائي علي الناس, خاصة ان تجربة العامين الاخيرين تحفل بمئات الامثلة والادلة الواقعية والفقهية التي تثبت خطورة الخلط بين معايير الدين المطلقة ومعايير السياسة التي تحكمها متغيرات نسبية عديدة تتنافي مع مطلق الدين! وأظن ان ما أوجزته لجنة الخبراء العشرة في نص مختصر مكتوب يحرم قيام الاحزاب علي اسس دينية يحتاج الي لجنة قانونية خاصة تقدم الحيثيات الكاملة لهذا النص وتضع الضوابط التي تمنع الخلط بين الدين والسياسة, وتحول دون استخدام منابر المساجد لترويج دعاوي حزبية, كثيرا ما تتسبب في نشوب خلافات بين الائمة والمصلين تصل الي حد العراك لاجبارهم علي النزول من فوق المنابر!, وتبحث فوق ذلك اوضاع الاحزاب الدينية القائمة بالفعل وهل يتم الغاؤها جملة وتفصيلا, ام يحسن اعطاؤها مهلة زمنية محددة كي تكيف اوضاعها وبرامجها مع هذا النص الدستوري الجديد. وما من شك ان خبرة المصريين المؤلمة علي امتداد عامين نتيجة الخلط بين معايير الدين ومعايير السياسة ترجح انتصار غالبية الشعب المصري لهذا النص الدستوري, ان تم عرضه ضمن التعديلات الدستورية الجديدة علي الشعب في استفتاء عام, لان اصلاح الحياة السياسية في مصر سوف يظل رهنا بحسن تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة بما يمنع سوء الاستخدام الذي غالبا ما يضر الدين ويفسد السياسة. لمزيد من مقالات مكرم محمد أحمد