يثير الموقف الألماني المتشدد من الحكومة الإنتقالية والجيش المصري علامات استفهام كثيرة في مصر تصفه بأنه غير متوازن بل ومنحاز لجماعة الإخوان بعد ان كانت برلين سباقة في المطالبة بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي. ثم كرد فعل علي فض إعتصامي الإخوان, سباقة داخل الإتحاد الأوروبي ايضا إلي وقف المساعدات والتعاون التنموي مع الحكومة المصرية لنهاية العام الجاري بما في ذلك مفاوضات مبادلة الديون المصرية لألمانيا فضلا عن قرار وقف إصدار تصاريح جديدة لتوريد الاسلحة لمصر. وقد أعلنت المستشارة انجيلا ميركل ان المانيا ستراجع ليس فقط تعاونها العسكري مع مصر وانما تعاونها مع مصر بشكل عام في ضوء التطورات الراهنة ووقف العنف وبدء مصالحة وطنية. ثم إعلان المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية شروطا محددة للتعاون مع مصر في المستقبل تتم دراستها حاليا منها بدء عملية سياسية ديموقراطية تشمل الإخوان المسلمين دون إقصاء مع إحترام حقوق الإنسان وإحترام حق التظاهر والتعبير عن الرأي وعدم إستخدام العنف ضد المتظاهرين. ولوحظ ايضا انه عندما أدانت الحكومة الالمانية متأخرة الإعتدءات علي الإقباط والكنائس فإنها كانت حريصة علي تحميل الحكومة المصرية مسئولية حماية الأقباط وضمان امنهم اكثر من حرصها علي إدانة الجماعات المتشددة التي تقف وراء ذلك وإرتباط ذلك بعمليات انتقامية من اقباط مصر الذين ايدوا ثورة30 يونيو. مجلة دير شبيجل الشهيرة حاولت تفسير الموقف الألماني والأوروبي' الغاضب' من الجيش في مصر والذي لا يدين عنف الإخوان بنفس القدر الذي ادان به الإستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الجيش والشرطة ضد انصار الإخوان ومؤيدي الرئيس المعزول. حيث كشفت المجلة عن حالة من الإستياء تعيشها العواصمالغربية خاصة برلين بسبب فشل جهود الوساطة الألمانية الأوروبية الامريكية المكثفة لحل الأزمة في مصر بشكل سلمي دون اللجوء لفض الاعتصامين بالقوة, كما حدث. وذكرت المجلة وكذلك صحيفة دير ستاندراد النمساوية استنادا لدوائر اوروبية قريبة من المبعوث الأوروبي الخاص برناردينو ليون أنه حتي ساعات قليلة من فض اعتصامي النهضة ورابعة كانت الإتصالات الأوروبية المكثفة مستمرة لإقناع الطرفين بالقبول بحل سلمي. وبحسب المصادر الاوروبية فإن جماعة الإخوان ابدت استعدادا للتفاوض اكثر من الجيش وان المقترحات الاوروبية الأمريكية للتهدئة كانت عديدة منها موافقة الإخوان علي زيارة ممثلي الإتحاد الأوروبي لاماكن الإعتصامين للتأكد من خلوها من الأسلحة ومقترح اخر بان يفض الإعتصامين مقابل الإفراج عن الرئيس مرسي دون عودته إلي منصبه بالضرورة. وفي موضع اخر ان الإخوان وافقوا علي تقليص حجم الإعتصامات مقابل الإفراج عن الكتاتني وابو العلا ماضي. ورغم ان معظم التقارير الإعلامية تحدثت عن تعنت الجماعة وإصرارها وتمسكها بعودة الرئيس المعزول للحكم, فإن هذين التقريرين المنسوبين لمصادر اوروبية يفسران سر إحباط العواصمالغربية من الحكومة المصرية الإنتقالية والمؤسسة العسكرية بسبب عدم ثقتهما في التزام الجماعة باي وعود او اتفاقات قد يتم التوصل إليها. غير ان المبرر الحقيقي وراء الموقف الألماني المتشدد من الحكومة الإنتقالية المصرية ومن ورائها الجيش المصري في مواجهتهما مع الإخوان المسلمين يعود في الحقيقة إلي الخوف الألماني من عودة الحكم العسكري إلي مصر بشكل دائم وان يكون التعامل الحاسم مع الجماعة وإحتجاز قيادتها بداية لإقصائها من الحياة السياسية رغم انها اكثر القوي السياسية تنظيما وشعبية في مصر. ويحلو للكثير من السياسيين الالمان الإستشهاد بنتائج الإنتخابات البرلمانية للإخوان للتدليل علي شعبيتهم في مصر وبالتالي التحذير من مخاطر إقصائهم. وقد عبر عن هذه المخاوف سياسيون المان عديدون منهم كلاوس براندنر رئيس مجموعة الصداقة المصرية الالمانية في البرلمان الألماني الذي قال ان المانيا والإتحاد الأوروبي عليهما دعم كافة القوي السياسية في مصر حتي لا يعود الحكم العسكري اليها مرة اخري فنحن نريد في اوروبا ان تلغي حالة الطوارئ والإجراءات الإستثنائية وان تعود مصر إلي المسار الديمقراطي وتنفذ فعلا خريطة الطريق لتسليم الحكم إلي حكومة مدنية منتخبة وقبل ذلك نريد ان يتوقف العنف وان يكون التعامل مع الإخوان اقل عنفا وان يبدأ حوار يشاركون فيه دون ان يكون هذا دعما منا لطرف علي حساب طرف اخر. كما ان هناك مخاوف المانية متزايدة من ان انهيار إستقرار مصر وتحولها الي بؤرة تنطلق منها العمليات الإرهابية للجهاديين لتطول المصالح الاوروبية لهو سيناريو كارثي لابد من منعه وذلك وبإعادة الإخوان والجماعات الإسلامية مرة أخري للقارب والعملية السياسية كما يقول وزير التعاون التنموي ديرك نيبل. ومن المؤكد ايضا ان اشتعال المعركة لإنتخابية في المانيا إستعدادا للإنتخابات البرلمانية في22 سبتمبر المقبل يدفع السياسيين الالمان لإستخدام الأزمة المصرية لتحقيق مكاسب انتخابية. فالمستشارة وإئتلافها المسيحي الديمقراطي الليبرالي حريصة علي ان تؤكد للناخبين الالمان ان المانيا تدافع عن قيم الديمقراطية من حرية التظاهر وعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين وانها لا تؤيد الإنقلابات العسكرية في اي دولة حتي لو كانت حليفة. اما احزاب اليسار المعارضة المنافسة لها وفي مقدمتها الحزب الإشتراكي الديمقراطي الذي رشح بيير شتيانبروك منافسا لميركل فيزايد هو الآخر لإظهار رفضه لفض إعتصامات الإخوان بالقوة من قبل حكومة لم يتم انتخابها علي حد تعبير متحدثه وبالتالي يطالب ايضا بحوار وطني بمشاركة الإخوان لتجنب دوامة العنف ويطالب المستشارة بمزيد من الضغوط الإقتصادية علي الحكومة المصرية مثل وقف توريد الأسلحة الأستراتيجية التي تمت الموافقة عليها بالفعل مثل صفقة الغواصتين الألمانيتين لمصر بقيمة700 مليون يورو. ورغم الجهود الألمانية الحثيثة في بروكسل للخروج بموقف موحد للضغط علي الحكومة المصرية لتوقف إجراءاتها ضد قيادات الجماعة وبدء ما يصفه وزير الخارجية بمائدة حوار وطني مستديرة يشارك فيها الإخوان للعودة إلي المسار الديمقراطي فإن الكثير من السياسيين الالمان يعترفون بمحدودية قدرة برلين والإتحاد الأوروبي علي التأثير في مجريات الامور في مصر. بل ان التهديد بوقف الدعم الإقتصادي والعسكري في رأي البعض يضر بالمانيا والإتحاد الأوروبي ويفقدهما قناة اتصال مهمة. ويري راينر ستينر مسئول الشئون الخارجية في الحزب الليبرالي الشريك في حكومة ميركل أن علي بلاده والغرب عموما توديع ما يصفه باوهام القوي العظمي التي تريد تنظيم شئون العالم علي هواها وفرض نموذجها الديموقراطي علي دول الربيع العربي. ويتنبأ بأن بلاده واوروبا ستضطر بل ستجبر علي قبول التطورات في مصر والتي سيحددها المصريون وحدهم الذين لن يتأثروا باي ضغوط إقتصادية من هنا أو هناك.