اعتاد مركز الابداع بالأوبرا علي تقديم قصيدة نهج البردة للامام البوصيري كعرض لمادة الالقاء الشعري لدفعات المركز الثلاث. مع وضع لمسات فنية مختلفة في كل مرة دون المساس بالنص الشعري ويقوم بالاعداد الموسيقي والتلحين الفنان عماد الرشيدي والتدريب علي الالقاء د. نجاة علي والاخراج والاشراف الفني لمدير المركز الفنان خالد جلال ورغم مشاهدتي للعرض مرات عديدة للدفعتين الأولي والثانية فقد كان له هذا العام مذاق مختلف ربما لما صاحب شهر رمضان الكريم هذا العام من أحداث عنف وفتنة يروج لها للأسف الشديد بعض من كنا نظنهم من رجال الدين والملتزمين بتعاليم الاسلام الحنيف فمع ما نراه ونسمعه فوق منصة رابعة العدوية من أكاذيب فاضحة وفتاوي تحريض عجيبة تصدر من شيوخ شابت لحاهم ووصل أغلبهم إلي أرذل العمر أجد قول الامام البوصيري كأنما يرد عليهم صائحا: اني اتهمت نصيح الشيب في عذل والشيب أبعد في نصح عن التهم فإن إمارتي بالسوء ما اتعظت من جهلها بنذير الشيب والهرم من لي برد جماح من غوايتها كما يرد جماح الخيل باللجم والنفس كالطفل ان تهمله شب علي حب الرضاع وان تفطمه ينفطم كم حسنت لذة للمرء قاتلة من حيث لم يدر أن السم في الدسم ألم يلحظ هؤلاء المتشدقون بالحفاظ علي الهوية الاسلامية والدعوة للجهاد والاستشهاد في سبيلها أن مصر المتدينة قد خسرت كثيرا في العام الماضي من احترام الناس وإكبارهم لصورة رجال الدين؟ ألم يلاحظوا صدمة عدد كبير من الشباب وبعدهم عن المساجد ووقوع بعضهم فريسة لأفكار الملاحدة؟! أليس لديهم أي قدرة علي رصد الواقع وتحليله والاعتراف ولو جزئيا بالخطأ؟ اخرج من تأملاتي الدنيوية فيجذبني العرض الرائع للموهوبين من أبناء الدفعة الثالثة لأسمع قول الامام البوصيري في مدح خير خلق الله صلي الله عليه وسلم؟ سريت من حرم ليلا إلي حرم كما سري البدر في داج من الظلم وبت ترقي إلي أن نلت منزلة من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم وقدمتك جميع الأنبياء بها والرسل تقديم مخدوم علي خدم وأنت تخترق السبع الطباق بهم في موكب كنت فيه صاحب العلم لا أدري كيف ذكرتني تلك الكلمات الرائعة بقول واحد من علماء التأييد والأخونة انه رأي نبي الله صلي الله عليه وسلم في نومه يصرعلي تقديم الدكتور محمد مرسي ليؤم المصلين ومن بينهم رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ لا أدري كيف طاوعه لسانه علي قول ذلك الهراء أمام الناس وأمام كاميرات التليفزيون دون لحظة واحدة من تأنيب الضمير؟؟ وكيف يظن أن رجلا من الناس مهما علا شأنه أو ظننا فيه الصلاح, يمكن أن يكون اماما لرسول الله!! حتي لو افترضنا أن الرجل كان صادقا في وصف حلمه ألم يكن من الأوجب أن يستعيذ بالله من مثل هذا الحلم ولا يذكره أمام الناس؟! أم أن المقصود هو اضفاء قداسة دينية علي شخص حاكم سياسي وصفه التنظيم الدولي لجماعته بالفشل وسوء الادارة؟ وفي رقبة من آلاف البسطاء من الناس الطيبين الذين يظنون أنهم يحمون شخصية ذات قداسة دينية يجوز أن يصلي الأنبياء من خلفه؟!! ونعود إلي حكمة البوصيري وهو يقول: فيا خسارة نفس في تجارتها لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم ومن يبع آجلا منه بعاجله يبن له الغبن في بيع وفي سلم ما أصدق قول الامام البوصيري.. ولقد كان الصدق والاخلاص هو ما جعل قصيدته تعيش كل هذه القرون ويقدمها عشرات المبدعين ويجد كل منهم فيها جانيا لم يره غيره نذكر بالطبع العرض الذي أخرجه الفنان الكبير الراحل كرم مطاوع لبردة البوصيري وشارك فيه نخبة من أعضم فنانينا منهم عبدالوارث عسر وعبدالرحمن الزرقاني وحمدي غيث ومحمد السبع وغيرهم ورغم النجاح الشديد إلا أن شباب مركز الابداع قد خاضوا التجربة بقدر كبير من الشجاعة والاجتهاد والصدق في التعبير وتميز منهم في الغناء شادي عبدالسلام ورباب ناجي من أبناء الدفعة الثانية وماهر محمود والحان المهدي من الدفعة الثالثة صاحبة العرض. وهي أصوات تستحق بكل تأكيد فرصا كبيرة توازي حجم الموهبة..