سؤلت عن تصوري لكيفية مصالحة البشر علي ضفاف النيل شمالا وجنوبا. أجبت أن الشجار الذي نراه حاليا سوف يندثر مع الوقت لأن شعب مصر لم ينقسم علي مدي العصور منذ نشأة الدولة الواحدة قبل5000 سنة, وكان قادرا علي تحليل أمورها وأنسب السبل للتعامل معها. لقد وصلنا إلي الوضع الحالي نتيجة حتمية لسوء حكم الإخوان علي مدي عام كامل. أمسك قادة الإخوان بمقاليد الحكم جميعا وتمادوا في إقصاء الرأي الآخر وكأنهم الآمر الناهي في كل أمور الناس. إذا عدنا إلي عام مضي نتذكر دعم الناس لمحمد مرسي في بداية رئاسته وتمنوا له خيرا. توقع المصريون عندئذ أن بعد نجاح ثورتهم يبدأ الحكم الرشيد الصالح ليخرج البلاد من ثباتها العميق. ولكن شعر الناس أن حكومة الإخوان تتصرف بغباء وتتخبط في العمل بكافة المجالات محليا وخارجيا. ساءت الأحوال لدرجة لا تقبل, وشعرت غالبية الناس بالخطر الداهم وإتفقت علي لزوم تغيير المسار. اجتمعت الغالبية العظمي من الناس في30 يونيو الماضي في كل ربوع الوطن بجموع غفيرة لم يكن لها مثيل في الماضي. كان مطلب الجميع هو إنهاء الحكم الرديء لإخراج مصر من طريق الظلمات الذي نهجته وتمادت في مسلكه جماعة الإخوان. أعلن جيش مصر استعداده لحماية هذه المسيرة لأن قواتنا المسلحة كانت ومازالت صمام الأمان الدائم لحماية أرض مصر بأكملها واستقلالها وأمن أهلها علي مر العصور. نتج عن هذا الإعلان الوطني الهام إقالة محمد مرسي وحكومته حفاظا علي الوطن وسلامته. رفضت قيادة الإخوان المطلب الشعبي وباتت تعزز الشجار والعراك آملة أن تعود إلي الإنفراد بالحكم, فهي لم تفطن إلي ما يحيط بها من سخط شعبي ولم تع كيف تتجاوب مع الواقع. أما اليوم فعلينا أن نتريث في التعامل مع العدد القليل نسبيا من المتظاهرين من الإخوان وداعميهم. أولا يلزم أن نركز الغضب علي قادة الإخوان ونتذكر أن بعض شباب الإخوان يقومون بالعمل التطوعي الصالح في خدمة المجتمع. وثانيا يلزم الذكر أن لكل الناس حقا في التظاهر السلمي مادام ذلك لا يضر مؤسسات الدولة أو يهدد كيانها. لذلك علينا التمهل في التعامل مع ميدان رابعة العدوية وألا لا ننظر إليه علي أنه خطر لابد من سحقه, وذلك لأنه مظهر من مظاهر حرية إبداء الرأي, وهو حق للجميع. يجب أن نأخذ في الاعتبار أن هناك الكثير من شباب الإخوان الذين انفصلوا عن المسار الأعوج لقيادتهم. يمثل هؤلاء جماعات حرة الفكر تعمها المواطنة الصالحة بعيدا عن فكر جيل الفشل. وأعتقد أن أعداد هذه المجموعات سوف تزداد في المستقبل لأن شباب مصر بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو الحزبية يأملون وحدتها ورفعتها. لذلك لا داعي لإنهاء أي تجمع أو إخلاء أي مكان بالقوة. لن تؤثر هذه التجمعات علي مسار الإصلاح, وعلينا أن نحاول إقناع الناس فيها بالحسني ودعوتهم للمشاركة في المسيرة البناءة. الأسي الحقيقي لهذا المسار هو استمرار استياء الناس التي تعيش بالقرب من أماكن التجمع. وعلينا أن نحاول مواساة هؤلاء قدر الإمكان والتخطيط لدعمهم حاليا وكذلك فور انتهاء الاعتصام بالقرب منهم. الأذي الأصغر شأنا هو إستمرار بعض أجهزة الإعلام خاصة الدولية تكبير صورة الاعتصام والتهليل لقادتها. ربما أساء ذلك السمعة مصر علي المدي القريب ولكن التعامل مع الوضع بحكمة وهدوء يكون له وقع عظيم علي المدي البعيد, وهو الأهم. في نفس الوقت علينا أن نبدأ بتنظيف وتجميل كل المواقع التي تمت فيها مظاهرات شهر يونيو. ربما بدأ ذلك بميدان التحرير لكي يتم تجميله وتزينه كموقع قومي هام كعنوان لثورة2011 ومكاسبها. وليس هناك من شك في أن قيام الحكومة المؤقتة ببعض الأعمال الملموسة حيال ثبات الأمن والأمان للناس جميعا, وعودة ما يمكن إعادته للإنتاج سوف يهدئ النفوس. عندئذ تهدأ الأمور وتبدأ التجمعات الحالية في الاندثار رويدا رويدا, وتنتهي المشكلة الحالية بسلام وأمان. علينا أن نتذكر أن شباب مصر تجمعوا في يناير2011 لتأمين مستقبل زاهر وتأهيل العيش الكريم لكل أبنائها وبناتها. كان من أبرز مطالبهم إعلاء حق المواطنين والمواطنات جميعا في إبداء الرأي والعمل الجماعي لرفعة الوطن. لابد أن يستمر هذا الشعور النبيل ليخرجنا من طريق الظلمات. هذا الشعور يؤهل تمهيد الطريق المناسب لاانطلاق أجيال المستقبل للابتكار والإبداع لرفعة مصر إلي مكانة تليق بها بين الأمم, والله الموفق. لمزيد من مقالات د.فاروق الباز